تفسير ” ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانا “
إن المتقين في جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم من غل، إخوانا على سرر متقابلين، لا يمسهم فيها نصب، وما هم منها بمخرجين. نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم.” [سورة الحجر: 45-50]
من هم الأشخاص الذين وصفهم الله بأنهم `إخوة على سرر متقابلين ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ`؟
ورد في تفسير ابن كثير: أنه ورد في اللباب: أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسن: أن هذه الآية: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ…} نزلت في أبي بكر، وعمر، قيل: وأي غل؟ قال: غل الجاهلية، إن بني تميم وبني عدي وبني هاشم كانوا أعداء، فلما أسلموا تحابوا، فأخذت أبا بكر الخاصرة، فجعل علي يسخن يده فيكمد بها خاصرة أبي بكر، فنزلت هذه الآية.
وقال ابن جرير: دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه بعد أن انتهى من مرافقة ركاب الجمال، فرحب به علي وقال: أتمنى أن يجعلنا الله وإياك من الذين قال الله عنهم: `ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين`، وقد صرح أبو حبيبة مولى لطلحة قائلا: دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه بعد أن انتهى من مرافقة ركاب الجمال، فرحب به علي وقال: أتمنى أن يجعلنا الله وإياك من الذين قال الله عنهم: `ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين`، وهناك رجلان جالسان بجانب السجادة، فقالا: لقد كنتم تقتلونهم في الأمس واليوم تكونون إخوانا، فرد علي رضي الله عنه: هؤلاء هم من يستحقون القتل والطرد، فمن سيحمي الأرض ويحرثها إن لم يكن أنا وطلحة؟، وفي رواية أخرى: قام رجل من همدان فقال: يا أمير المؤمنين، لقد كنتم أعدل من ذلك، فصاح به علي بصوت عال، حتى ظننت أن القصر يهتز، ثم قال: إذا لم تكن نحن فمن سيكون؟
وقال سفيان الثوري: ابن جرموز، الذي قتل الزبير، جاء لزيارة علي رضي الله عنه وطلب إذنه لفترة طويلة، ثم أذن له. قال له: `يجب عليك أن تعامل أهل البلاء بالرفق`. فرد عليه علي قائلا: `بالتأكيد، أتمنى أن يكون أنا وطلحة والزبير من الذين ورد في القرآن قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا علىٰ سرر متقابلين}`. وقال الحسن البصري: `فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا علىٰ سرر متقابلين}`. وقال الثوري عن قوله: {إخوانا علىٰ سرر متقابلين}: `هم عشرة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين`.
سبب نزول الآية `نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم` هو:
روى ابن جرير عن ابن أبي رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ظهر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة فقال: «« ألا تراكم تضحكون؟ »» ثم تراجع، حتى وصل إلى الحجر، ثم عاد علينا القهقرى فقال: «« إني عندما خرجت، جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله يقول: ألم تيأس عبادي؟ {أخبر عبادي بأني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} »» وقال قتادة: وصلتنا معلومة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «« لو يعلم العبد قدر عفو الله ما امتنع عن الحرام، ولو يعلم العبد قدر عذاب الله لأخذ بنفسه ».
تفسير الآيات:
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}: لما ذكر تعالى حال أهل النار، عطف على ذكر أهل الجنة وأنهم في جنات وعيون، {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ}: أي سالمين من الآفات مسلم عليكم، {آَمِنِينَ}: أي من كل خوف وفزع، ولا تخشوا من إخراج ولا انقطاع ولا فناء، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}: عن أبي أمامة قال: لا يدخل الجنة مؤمن حتى ينزع اللّه ما في صدره من غل حتى ينزع منه مثل السبع الضاري، وهذا موافق لما في الصحيح أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال: «« يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة »»
{مُتَقَابِلِينَ}: قال مجاهد: حديث مرفوع يفيد أن المؤمنين إخوان ولا ينظر بعضهم في قفا بعض، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا وتلا هذه الآية: {إخوانا على سرر متقابلين} ففي الله ينظر بعضهم إلى بعض، ولا يمسهم فيها نصب، وهو يعني المشقة والأذى، كما جاء في الصحيحين: «إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب»
{وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}: يمكن التعبير عن مقامات الرجاء والخوف من خلال هذه الآية الكريمة: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم}، كما جاء في قوله تعالى: {خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [الكهف:108].