سبب نزول الآية ” وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به “
إذا قمتم بالانتقام، فانتقموا بمثل ما تعرضتم له، وإذا صبرتم فإن ذلك هو أفضل للصابرين. وتحمل وصبرك فقط بالله، ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق بسبب المكائد التي يحاكونها. إن الله مع الذين يتقون والذين يعملون الخير.” [النحل: 126-128] يقول ابن كثير وهذه الآية الكريمة لها نظائر في القرآن، فإنها تحتوي على أهمية العدل والتشجيع على الفضيلة.
سبب نزول الآية:
ذكر ابن كثير سبب نزول الآية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}: قال ابن زيد: كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين، ثم أسلمرجال ذوو منعة، فأبدوا استياءهم من عدم الانتصار على المشركين وقالوا: يا رسول الله، لو أذن الله لنا لنتمكن من الانتصار على هؤلاء الكفار. ونزلت هذه الآية كرد على هذا الاستفسار، ثم تم نسخ ذلك بالجهاد.
قال عطاء بن يسار: نزلت سورة النحل كاملة في مكة، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت في المدينة بعد مقتل حمزة رضي الله عنه واستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم كمثال عندما قال: `لئن أظهر الله عليهم لأمثلن بثلاثين رجلا منهم`. فلما سمع المسلمون ذلك قالوا: `ولو ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب قط`. فأنزل الله الآية: `وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به` حتى نهاية السورة.
قال الحافظ أبو بكر البزار، ونقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عند حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عندما استشهد، ونظر إلى منظر لم يشاهده قلبه بمثله من الألم، أو قال لقلبه، ونظر إليه ووجد أنه يشبهه في الوضع، فقال: `رحمة الله عليك، إن كنت لم أعلمك إلا الوصول إلى الرحمة وعمل الخيرات، والله لولا الحزن الذي يأتي بعد فقدانك لكنت سعيدا لأنك سترحل من هذا العالم قبل أن يأكلك السباع، أو شيء مشابه لذلك، ووالله لأمثلن بسبعين شخصا مثلك`، فنزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بهذه السورة وقرأ: `وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به` إلى نهاية الآية، فأخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وامتنع عن القول. (قال ابن كثير في إسناده ضعف).
تفسير الآيات:
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}: يأمر تعالى بالعدل في القصاص والمماثلة في استيفاء الحق، قال ابن سيرين: إن أخذ منكم رجل شيئاً فخذوا مثله، وكذا قال مجاهد و الحسن البصري واختاره ابن جرير، وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل، كما في قوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40]، وقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45]، ثم قال: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة:45]
وقال في هذه الآية: {إذا عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}، ثم قال: {وإن صبرتم فإنه خير للصابرين}، وقوله تعالى: {واصبر وما صبرك إلا بالله} لتأكييد الأمر بالصبر وإظهار أنه لا يمكن تحقيقه إلا بمشيئة الله ومساعدته وبفضله وقوته، ثم قال تعالى: {ولا تحزن عليهم}: يعني على أولئك الذين يعارضونك، فإن الله قد قدر ذلك، {ولا تكن في ضيق}: يعني الحزن، {مما يمكرون}: أي من مكرهم وتعبهم في معاداتك وتسبب الشر لك، فإن الله يكفيك وينصرك ويساندك ويظهرك ويفوز لك عليهم، وقوله: {إن الله مع الذين يتقون والذين هم محسنون}: يعني معهم بدعمه ونصره ومساعدته وهدايته وجهوده.