قصة الواقدي وأصدقائه
الواقدي هو أبو عبدالله محمد بن عمر بن واقد السهمي، وهو قاضي في بغداد ومؤرخ إسلامي يعتبر حافظا للحديث. اشتهر بحبه للعلم. تروي هذه القصة كيف قام بتفضيل أصدقائه على أنفسهم، وعندما علم المأمون بذلك، قام بمكافأتهم على ذلك. تم ذكر هذه القصة في كتاب `المستجاد من فعلات الأجياد` للقاضي التنوخي البصري أبو علي (توفي: 384 هـ).
قصة الواقدي وأصدقائه:
قال الواقدي : كان لي صديقان أحدهما هاشمي والآخر عامي وكنا كنفس واحدة ، فنالتني ضيقة شديدة وحضر العيد فقالت لي امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء قد قطعوا قلبي رحمة لهم، لأنهم يرون صبيان جيراننا وقد تزينوا في عيدهم وهم على هذه الهيئة، فلو احتلت فيما نصرفه في كسوتهم؟؟
كتبت إلى صديقي الهاشمي لأسأله عن تفاصيل الأمور التي حضرت، فرد علي بكيس مختوم يحتوي على ألف درهم، ولم يستقر قراره حتى كتب إلى صديق آخر يشكو ما أشكو إليه صديقي، ثم قدم لي الكيس بنفس الحالة وخرجت إلى المسجد وأقمت ليلتي هناك خجلا من زوجتي. عندما دخلت عليها، أعجبت بما حدث ولم تنتقدني عليه. وفي هذه الأثناء، وصل صديقي الهاشمي وكان لديه الكيس بنفس الشكل وقال: “صدقني فيما فعلته بما وجهته إليك”. عندما علم أن الأمر قد تبين له، قال: “إنك وجهته إلي وكل ما أملك على الأرض هو ما أرسلته إليك”. وكتبت إلى صديقنا لأسأله عن حاله، فأعطاني كيسا وخاتمه وقال: “أخرجت مائة درهم للمرأة وقسمنا الباقي بيننا ثلاثة أجزاء”. ووصلت القصة إلى أمير المؤمنين “المأمون“، فاستدعاني وسألني عنها، فشرحت له ما حدث بيننا. فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، ألفا منها للمرأة وألفان لكل واحد منا.
ما يستفاد من القصة:
وذكر الواقدي ما حدث من أموره وأمور أصدقائه عندما علم كل واحد منهم أن رفيقه يعاني من ضيق ويحتاج إلى المال، فقد أثر كل واحد منهم رفيقه على نفسه رغم ضيق أوضاعهم الخاصة. ولكن ذلك لم يمنعهم من إرسال المال، وقاموا بتطبيق ما ورد في الآية الكريمة: {ويفضلون غيرهم على أنفسهم ولو كانوا محتاجين}. طلب كل واحد منهم النجاح والتوفيق في الدنيا والآخرة، وكانوا جميعا قدوة في الكرم والجود والإحسان.
وهنا يأتي دور الزوجة التي ساعدت زوجها على فعل الخير، ولم تلومه على إرسال المال لصديقه على الرغم من حاجتهم الماسة له، ولم تعاتبه على فقره، بل شجعته على ما قام به من أمور مع أصدقائه، وصبرت. هذه هي الزوجة الصالحة التي أخبرنا الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنها خير متاع الدنيا، قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: `الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة`