الفرق بين شرك الربوبية وشرك الألوهية
الفرق بين شرك الربوبية وشرك الألوهية
الربوبية تعني أن الله خلق الناس على الإقرار بربوبيته، وأنه هو الخالق الرازق المحيي المميت، وقد ورد في القرآن الكريم بعض الآيات التي تشير إلى هذا التوحيد، مثل قوله تعالى: “ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون” (العنكبوت 61)
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87] وقال {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت 63]
على الرغم من أن المشركين كانوا يعترفون بتوحيد الربوبية، إلا أن الله سبحانه وتعالى حكم عليهم بالكفر ووصفهم بالمشركين. فقد قال سبحانه وتعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُون} [يوسف: 106]
توحيد الألوهية هو إخراج جميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة لله تعالى، دون شرك أو رياء، مثل الخوف والرجاء والصلاة والزكاة.
أنواع الشرك في الربوبية والأسماء والصفات
النوع الأول شرك التعطيل
وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون إذ قال (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) وقال تعالى مخبراً عنه ما قال لهامان (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا)
أُطلِقَ على هذا التعطيل اسم الشرك لأن التعطيل والشرك يرتبطان ببعضهما البعض، فكل من يمنع الآخرين من عبادة الله بشكل صحيح هو مُشرك، ولكن الشرك لا يعني بالضرورة التعطيل، فالشخص المُشرك قد يؤمن بصفات الخالق السماوي سبحانه وتعالى، ولكنه يمنع الناس من تحقيق التوحيد، وهذا هو جوهر الشرك، ويُمكن تقسيم التعطيل إلى ثلاثة أنواع
- تعني تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه وشرك الملاحدة الذين يؤمنون بأن العالم كان موجودا منذ الأزل وأنه لم يكن معدوما، وجميع الأحداث تعتمد على أسباب ووسائل تم إنشاؤها بواسطة العقول والنفوس، وينكرون وجود الخالق للكون.
- إن تعطيل الله سبحانه عن كماله المقدس يأتي من خلال تعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله، والشرك في هذا الأمر يأتي من خلال تعطيل أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله، حيث لا يعطونه اسما ولا صفة، ويجعلون المخلوق أكمل من الخالق، بينما يتميز كمال الذات بأسمائه وصفاته. ويشمل هذا الشرك الذي يعطل أسماء الرب تعالى وصفاته وأفعاله، شرك منكري الرسالة للرسل، وشرك منكري القدر، وشرك التشريع والتحليل والتحريم من غير الله.
- يعتبر تعطيل معاملته عن حقيقة التوحيد خطأً، ومن المثاليات لطائفة أهل وحدة الوجود القول بأن الله هو الخالق والمخلوق بل الحق المنزه عن ذلك هو عين الخلق المشبه.
النوع الثاني شرك الأنداد من غير تعطيل
ويشمل ذلك من يجعل إلهًا آخر مع الله، دون إلغاء أسماء الله وصفاته وربوبيته، وهذا هو الشخص المقصود
- شرك النصارى الذين جعلوا المسيح إلهًا وجعلوا أمه إلهة، وجعلوه ثالث الثلاثة.
- تشير شرك المجوس إلى القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة.
- تؤمن شركة القدرية بأن الحيوان يقوم بإنشاء أفعاله بمفرده، وأنها تحدث دون مشيئة الله وقدرته، ولذلك اعتبروا أشباه المجوس.
- الشرك الذي خاضه إبراهيم فيما يتعلق بربه (عندما قال إبراهيم: يا ربي القادر على إحياء وإماتة الأرواح، فرد الله عليه وقال: أنا أحيي وأميت) [البقرة: 258]. هذا القول جعل إبراهيم يدعي أنه يمتلك القدرة على إحياء وإماتة الأرواح مثلما يفعل الله، وبناء على ذلك، طالب إبراهيم منه أن يترك قوله بأنه يستطيع أن يأتي بالشمس من جهة مختلفة عن تلك التي يأتي بها الله، وهذا ليس تحولا حقيقيا كما يدعي بعض المجادلين، بل هو إجبار على ترك الدليل إن كان صحيحا.
- شرك فرعون حينما قال (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: ويأتي قوله تعالى في قصة قومه للنبي هود (واترك آلهتكم)، وهو مثال على الشرك في الربوبية
- وينتمي إلى هذا النوع أيضًا الشركات التي تشارك في الكواكب العلوية وتجعلها آلهة مدبرة لأمور هذا العالم، وهذا هو مذهب المشركين في الصابئة وغيرهم.
- ومن هذا النوع شرك من أسند النعمة إلى غير الله وقال تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)
أنواع التوحيد
تنقسم التوحيد إلى ثلاثة أنواع مختلفة
هذا التقسيم استنتج من النصوص، حيث يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، إن استنتاج القرآن الكريم يدل على أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام
هناك ثلاثة أنواع من التوحيد، الأول هو توحيد الله في الربوبية وهذا النوع تم تأكيده عن طريق أفكار العقلاء، والثاني هو توحيد الله في العبادة وقاعدة هذا النوع من التوحيد هي تحقيق معنى لا إله إلا الله، وهي تتألف من النفي والإثبات، والثالث هو توحيد الله في أسمائه وصفاته”، لذا هناك ثلاثة أنواع من التوحيد
وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة في آية واحدة من كتاب الله عز وجل في قوله تعالى {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 66]
يوضح الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله أن قوله {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} يعبر عن توحيد الربوبية، وقوله {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} يعبر عن توحيد الألوهية
التوحيد في قوله {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} يعني أنه لا يوجد مثيل لله سبحانه وتعالى في الأسماء والصفات، ولا يمكن معرفة سميّته ومسمّياته
توحيد الربوبية
توحيد الربوبية هو الإيمان بالله بصفات الفعل كالخلاق والرزاق ومدبر الأمور ومصرفها ونحو ذلك وأن مشيئته نافذة وقدرته كاملة وهذا هو الذي أقر به المشركون، والمشركون أقروا بأن الله خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم وأنه خالق السماوات وخالق الأرض وهو توحيد الله بأفعاله، هذا توحيد الربوبية بأن تؤمن بأن الله هو الخلاق الرزاق مدبر الأمور مصرف الأشياء الذي خلق كل شيء ودبر الأمور وصرفها وخلق الأنهار والبحار والجبال والأشجار والسماء والأرض وغير ذلك، هذا توحيد الربوبية.
توحيد الألوهية يعني توحيد الله في أفعالك وتخصيص العبادة له وحده، دون أي معبود آخر، سواء كان ذلك صلاة أو صوما أو دعاء أو نذرا أو زكاة أو حجا أو غيرها. توحيد الألوهية يعني أن تكرس أفعالك وعبادتك وقرباتك لله وحده، دون أن تدعو مع الله إلها آخر، ودون أن تعبد معه شيئا آخر، سواء كان ذلك شجرة أو حجرا أو صنما أو نبيا أو وليا. لا يجوز أن تدعو غير الله ولا تقول “يا سيدي البدوي اشفني” أو “يا رسول الله اشفني” أو “عافني” أو “انصرني”، أو تدعو أي شخص آخر من الأولياء أو غير الأولياء، سواء كانوا أمواتا أو شجرا أو حجرا أو صنما، فهذا الشرك الأكبر.
تعني وحدة العبادة أن تخصص العبادة لله وحده، ويُطلق عليها وحدة الإلهية، والإلهية تعني أن تكون العبادة خاصة بالله دون غيره، وهذا هو المعنى الذي يقصده الله سبحانه في قوله (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حُنَفَاءَ) [البينة 5]
وقوله سبحانه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء 23] وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة 21] وقوله سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] معناه أن يخصوا الله بالعبادة بصلاتهم وصومهم ودعائهم واستغاثتهم وجهادهم كله لله وحده وهذا يسمى توحيد العبادة ويسمى توحيد الإلهية وهذا أنكره المشركون وأبوه ولما قال قولوا لا إله إلا الله أبوا واستنكروها وقالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) [ص:5]