اسلامياتالقران الكريم

تفسير الآية ” والشمس تجري لمستقر لها “

{ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [سورة يس: 37-40]

تفسير الآيات ابن كثير :
{ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ‏} ‏ في معنى قوله‏:‏ ‏ { لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ‏} ‏ قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش، هي وجميع المخلوقات لأنه سقفها، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال‏:‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: « يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟ » قلت: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: « فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } ».

 وروى الإمام البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى: { والشمس تجري لمستقر لها }، فقال صلى الله عليه وسلم: « مستقرها تحت العرش »، وروى عنه أيضا قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين غربت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: « يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس؟ » فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: « فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها»، ثم قرأ { والشمس تجري لمستقر لها } [أخرجه الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه].

والقول الثاني: المستقر للشمس يعني نهاية حركتها، وهو يوم القيامة، حيث ستتوقف حركتها وتتجمد، وينتهي العالم كما نعرفه، وهذا ما يعنيه المستقر الزمني. وقد قال قتادة: “لمستقر لها”، أي لوقتها ولا يمكن أن يكون لها مدة زمنية، ويمكن أن يكون المقصود أنها ستنتقل في مدارها الصيفي لفترة محددة ثم تنتقل إلى المدار الشتوي لفترة محددة أخرى، وهذا ما ذكره عبد الله بن عمر، وقرأ ابن مسعود وابن عباس: “والشمس تجري لمستقر لها”، أي لا يوجد لها قرار أو استقرار بل تسير دائما ليلا ونهارا بلا توقف.

كما قال تبارك وتعالى: يعني الآية التي ذكرت في سورة إبراهيم “وسخر لكم الشمس والقمر دائمين” أي أن الشمس والقمر سيستمران في دورانهما وحركتهما إلى يوم القيامة، وهذا تقدير وتدبير من الله العزيز العليم الذي لا يخالف ولا يمانع بأي شكل من الأشكال.

ثم قال جلَّ وعلا: قدرنا منازل القمر”، أي جعلناه يتحرك بطريقة محددة، ويستخدم لتحديد الشهور، كما يتم استخدام الشمس لتحديد النهار والليل، وقد قال الله تعالى: “يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج” [البقرة: 189]، وقال أيضا: “هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب” [يونس: 5]، وقال تبارك وتعالى: “وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا” [الإسراء: 12].

فجعل الله الشمس تمتلك ضوءا خاصا بها، ويمتلك القمر نورا خاصا به، وفصل بين مساراتهما، فتشرق الشمس كل يوم وتغيب في نهايته بنور واحد، ولكنها تنتقل في مداراتها ومغاربها صيفا وشتاء، مما يجعل النهار يطول والليل يقصر، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل الله الشمس كوكبا نهاريا، وأما القمر فله منازل تظهر في الليلة الأولى من الشهر قليلا من الضوء، ثم يزداد نوره في الليلة الثانية ويصعد مستواه، ثم كلما صعد ازداد نوره، وعندما يصل إلى اليوم الرابع عشر يصبح نوره كاملا، ثم يبدأ في النقص حتى يصبح “كالعرجون القديم” في نهاية الشهر.

 قال ابن عباس: يعتبر هذا أصل العذق، وقال مجاهد: “كالعرجون القديم” أي العذق اليابس، ويعني أن أصل العنقود يأتي من الرطب ثم يتم عتقه وتجفيفه وانحناؤه، وبعد ذلك يقوم الله تعالى بإنشاء عذق جديد في أول الشهر الآخر، وقال تبارك وتعالى: “لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر”، وقال مجاهد: لكل من الشمس والقمر حدود لا تتجاوزها، وقال الحسن: إن ذلك يشير إلى ليلة الهلال، وقال الثوري: لا يمكن لضوء الشمس أن يصل إلى ضوء القمر ولا يمكن لضوء القمر أن يصل إلى ضوء الشمس.

وقال عكرمة في قوله عزَّ وجلَّ: يعني أن كلا من الشمس والقمر لهما سلطان، ولا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل، وأن الليل لا يمكن أن يكون ليلا آخر حتى يصبح النهار، وأن سلطان الشمس في النهار وسلطان القمر في الليل، وأنه لا يمكن لليل أن ينتهي حتى يأتي النهار، وقد اشتملت هذه المعاني في قوله تعالى: “ولا الليل سابق النهار”، وأشار الضحاك بيده إلى المشرق ليوضح ذلك، وقال مجاهد أن هذا يعني عدم وجود فترة بين الليل والنهار، فكلاهما يتبع الآخر بلا توقف.

وقوله تبارك وتعالى: {وكل في فلك يسبحون} يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم {يسبحون} أي يدورون في دورتهم في السماء. قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم {في فلك يسبحون} في دورة بين السماء والأرض. قال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة المغزل. وقال مجاهد: الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل. لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى