قصيدة ليس الغريب غريب الشام واليمن كاملة لـ زين العابدين
ليس الغريب غريب الشام واليمن هي قصيدة للموعظة والعبرة منسوبة إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الملقب بـ زين العابدين، وهي قصيدة طويلة مؤلفة من 49 بيت تتحدث عن الغربة الحقيقة وهي الغربة داخل الأكفان والقبور مع تخيله لجميع مراحل الموت وما بعده في نظرة مشفقة على حاله.
نبذة عن زين العابدين :
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المشهور ب زين العابدين، وأمه أم ولد أسمها سلامة بنت ملك الفرس يزدجرد، كما ورد في كتاب البداية والنهاية للإمام بن كثير رحمة الله عليه، عرف رضي الله عنه بمكارم الأخلاق وكيف لا وهو سليل بيت النبوة، روي عن فضائله ما قاله عبد الرحمن بن أردك قال : كان علي بن الحسين يدخل المسجد ، فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم ، فقال له نافع بن جبير : غفر الله لك، أنت سيد الناس، تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد، فقال علي بن الحسين: العلم يبتغى ويؤتى ويطلب من حيث كان، وقال فيه الفرزدق:
يعرف البطحاء هذا الشيء وأرضه المشهورة، ويعرفه البيت والحرم والمحيط به
هذا ابن الخير من عباد الله جميعا، وهو التقي النقي الطاهر العالم
إذا رأته قريش قال قائلها: هذا هو النهاية المشرفة للكرم
الحكمة والعبرة التي تناولتها القصيدة :
حملت القصيدة الكثير من المعاني الزكية التي تثير العبرات عند قراءتها، والتي اعتنى في نظمها زين العابدين وأراد تذكر المسلمين بأن الغربة الحقيقية ليست غربة الأوطان وإنما هي غربة القبر وعلى كل من وعى لذلك وعرف أن يأخذ بيد من لم يعرف، فالسكن الحقيقي للنفس في ظل رضى الرحمن، وأرشد على الطريقة المثلى للدعوة إلى طريق الحق، فالغريب أعمى لا يرى النور وعليك أن ترشده إلى طريق الهداية بالحسن فلا تنهره ولا تذله ولا تعايره بذنوبه.
ثم شبه زين العابدين العمر بالرحلة الطويلة والحسنات والطاعات هي الزاد الذي يأخذه الإنسان في رحلته، ويبكي على اقتراب رحلته من النهاية مع ضعف زاده فهو لا حيلة له، ثم يبدأ في وصف مراحل الموت منذ لحظة الاحتضار وصعوبتها على ابن آدم وتليها لحظة الغسل والكفن والقبر مع وصف دقيق لهذه المراحل وما يشعر به العبد وقد أصبح بلا إرادة، وكيف أن المال الذي جمعه طوال حياته صار إلى غيره وهم ورثته فتلك اللحظة لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وتأتي الحكمة الأخيرة بزرع الخير وعمل الطاعات واجتناب المعاصي للاستعداد لنهاية الرحلة الطويلة وانقضاء الأجل.
قصيدة ليس الغريب غريب الشام واليمن :
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّامِ واليمنِ إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ
للغريب حق في الغربة، حتى لو كان يعيش بين المقيمين في الوطن والسكن
لا تَنْهَرَنَّ غَريباً حَالَ غُربتهِ الدَّهْرُ يَنْهَرَهُ بالذُّلِ و المِحَنِ
سفري بعيد وزادي لن يبلغني، وضعفت قوتي والموت يطلبني
لو أن لدي بقايا ذنوب لا أعلمها، فإن الله يعلمها في السر والعلن
ما أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تمر ساعات أيامي بلا ندم ولا بكاء ولا خوف ولا حزن
أنا الذي أُغلِقُ الأبواب مُجتَهِدًا على المعاصي، وعين الله تراقبُني
يَا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَـتْ يا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
دعني أن أعرب عن حزني وأناح به، وأنقض الزمن بالتذكر والحزن
اترك عنك عذلي، يا من كان يعذلني، لو كنت تعلم ما بداخلي، لكنت تعذرني
دعيني أذرف دموعي التي لا تتوقف، فلعلها تحمل بعضًا من الإفادة لي
يشعرني وكأنني مرمي بين الأهل على الفراش وأيديهم تقلبني
تجمع حولي الذين ينوحون، ويبكون، ويعانون، ويندبوني
تم استدعاء طبيب لعلاجي، ولكنه لم يستطع مساعدتي هذا اليوم
تزداد حدة معاناتي والموت يجرها من كل عروقي بلا رحمة ولا شفقة
واستخرج مني الروح في تغرغرها، وأصبح لعابي مريرًا عندما غرغرني
أغمضوا عينيّ ورحلوا الجميع، وبعد اليأس وجدوا أنفسهم في شِرَا الكفن
وقف الشخص الذي كان يحب الناس على عجل نحو المغسلة ليأتيني ويغسلني
وقال: يا قوم، نبحث عن غاسل ماهر، حرّ حرفة، أديب، فطن، ذو خبرة
فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني
وضعوني على الألواح مُلقىً وكان صوت الماء يتدفق فوقي لينظفني
سكبت الماء من فوقي وغسلتني غسلاً ثلاث مرات، ونادى الناس بالكفن
وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني
حملوني على الأكتاف أربعة رجال وورائي من يُشيّعني
وقدموني إلى المحراب وصلَّوا خلف الإمام، ثم ودَّعوني
صلُّوا عليَّ صلاةً خاصةً، لا يوجد فيها ركوعٌ ولا سجودٌ، عسى اللهُ أنْ يرحمني
وأنزلوني إلى قبري بتدرج وقدم أحدهم يُلحِّدُني
كشف الثوب عن وجهي حتى ينظر إلي، وبكى حتى غمرني بدموعه
وقف المحترم بإصرار ورتب اللبن من فوقي وابتعد عني
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظلمة القبر، لا يوجد أم ولا أب شفوق، ولا أخ يعزيني
كما أن فريدا وحيد القبر، للأسف، يفتقد أي عمل يمدني فيه
انبهرت عندما شاهدت صورة تعكس رعب الواقعة في بدايتها
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ ما أَقولُ لهم قَدْ هالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني
وأردوني وجدوا في سؤالهم مالي سواك إِلهي، من يخلصني
يا أملي، امنحني عفوًا منك، فأنا ملتزم بالذنب ومرتهن به
بعدما انصرفوا، تقاسم أفراد الأسرة مالي وصار وزري يثقل عليّ فيما بعد
قامت زوجتي بتغييري بعلاً يسيطر على المال والسكن
جعلت ابني عبدًا ليخدمهم، وأصبحوا لي حلاً بدون أي تكلفة
لا تغرُّنَّك الدُّنيا وزينتُها، وانظر إلى أفعالها تجاه الأهل والوطن
انظر إلى الذين استوعبوا الدنيا بأكملها، هل فارقوها بشيء غير القمح والكفن؟
خُذِ القَناعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
يا من يزرع الخير، ستحصد ثماره، ويا من يزرع الشر، سيكون عاجزاً
يا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يا نفس ويحكِ، توبي واعملي حسنًا، عسى أن تجازين بعد الموت بالحسنى
نحمد الله في المساء والصباح على الماء الذي سقط على سهل شام ويمن
ثم يتم الصلاة على المختار سيدنا بالخير والعفو والإحسان والمنن