تفسير الآية ” أفنضرب عنكم الذكر صفحًا “
قال الله تعالى : { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } [سورة الزخرف: 5]
تفسير ” أفنضرب عنكم الذكر صفحًا ”
القول في تأويل قوله تعالى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين”، وقد اختلف أهل التأويل في تفسير هذه الآية، فقال بعضهم: “نترككم ولا نذكركم بعقابنا إذا كنتم قوما مشركين”، وقال مجاهد: “تكذبون بالقرآن ولكن لا تعاقبون عليه”، وقال السدي: “أفنضرب عنكم العذاب”، وأضاف ابن عباس: “أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به”، وقال آخرون: “أفنترك تذكيركم بهذا القرآن لأنكم قوم مسرفين.
وقد صرح قتادة بأن الآية {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين} تعني الذين يشركون بالله، ولو رفع القرآن في أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله دعاهم لمدة عشرين سنة أو أكثر ليؤمنوا، ولو لم يؤمنوا لأزال الله الذكر عنهم تماما، وأولى التأويلات لهذه الآية هو: {أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم}، وذلك لأنهم كانوا قوما مسرفين ولا يؤمنون بربهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به. وعنه أيضا أن المعنى أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون. وقال السدي أيضا : المعنى أفنترككم سدى فلا نأمركم ولا ننهاكم. وقال قتادة: المعنى أفنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم. وعنه أيضًا: أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به فلا ننزله عليكم. وقال ابن زيد. قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين رددته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله ردده وكرره عليهم برحمته. وقال الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا توعظون ولا تؤمرون.
ونحن نعتبر الأولى من التفسيرين للآية هي الأقرب إلى الحقيقة، لأن الله تبارك وتعالى قد ذكر تجارب الأمم السابقة وأحكامها في هذه الآية ليتعظ بها الناس ويعلموا أن الله يعاقب المجرمين. وفي هذا يوجد دليل على أن قوله “أفنضرب عنكم الذكر صفحا” تحذير لأهل الشرك الذين ينكرون رسل الله ويتبعون ما سلف من الأمم في التكذيب برسلهم. والمعنى الحقيقي لصفحا هو الإعراض.
وقال قتادة: لو كان هذا القرآن رفع عند رده أوائل هذه الأمة، لهلكوا بالتأكيد، ولكن الله تعالى أعاده ورحمهم، وكرره عليهم، ودعاهم إليه لمدة عشرين سنة أو أي فترة يشاء الله، وقول قتادة ذو معنى رقيق جدا، والمعنى المستنبط هو أن الله تعالى، بفضله ورحمته لخلقه، لا يتجاهل دعواتهم للخير والحكمة وهو القرآن، حتى لو كانوا متجاوزين ومنعوا عنه، بل يأمرهم بأن يهتدوا به من يستحق الهداية، وتقوم الحجة على الشريعة لمن يكتب شقاوته.