تفسير الآية ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين “
تفسير الآية الثانية من سورة البقرة، {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}”، وفقا لتفسير الإمام القرطبي رحمة الله عليه.
تفسير القرطبي
قوله تعالى { ذَلِكَ الْكِتَابُ } قيل: ذلك” يمكن استخدامها للإشارة إلى حاضر موجود، على الرغم من أنه يشير إلى غائب في بعض الأحيان، على سبيل المثال كما ذكر الله تعالى وصفه “ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم” [السجدة: 6]، ويستخدم أبو عبيدة وعكرمة وغيرهم “ذلك” للإشارة إلى القرآن، وهذا هو موضوع هذا الكتاب، وتلخيصه: “لا شك في أن هذا الكتاب مفيد.
وفي البخاري وقال معمر: `ذلك الكتاب` يعني هذا القرآن. `هدى للمتقين` يعني بيانا ودلالة، كما في قوله: `ذلكم حكم الله يحكم بينكم` [سورة الممتحنة: 10]، يعني هذا هو حكم الله. وقلت: وقد جاء `هذا` بمعنى `ذلك`، كما في قوله عليه السلام في حديث أم حرام: `يركبون ثبج هذا البحر`، يعني ذلك البحر. والله أعلم.
وقيل: – يشير {ذلك الكتاب} إلى الكتاب الذي كتب عن خلقهم بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق، وهو كتاب لا مثيل له، ولا يوجد بديل له. ويمكن أن يعني {ذلك الكتاب} الذي كتبته عن نفسي في الأزل، حيث كتبت أن رحمتي سبقت غضبي، وفي صحيح مسلم، قال أبو هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه عن نفسه، وهو موجود عنده: إن رحمتي تغلب غضبي”، وفي بعض الروايات: “سبقت.
وقيل: إن الله تعالى وعد نبيه عليه السلام بأن ينزل عليه كتابا لا يمحى بالماء، وأشار إلى هذا الوعد كما ذكر في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي، حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `إن الله نظر إلى أهل الأرض وكرههم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرأه نائما ويقظا`. ويعتقد أنه يشير إلى ما نزل من القرآن في المكان المشار إليه.
وقيل: عندما أنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في مكة قوله: `إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا` [سورة المزمل: 5]، استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في انتظار تحقيق هذا الوعد العظيم من ربه عز وجل. وعندما أنزل عليه في المدينة قوله: `الم ذٰلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين` [سورة البقرة: 1-2]، كان في ذلك الكتاب معنى القرآن الذي أنزل عليك في المدينة، وهو الكتاب الذي وعدتك بأنه سيوحى إليك في مكة.
وقيل: إشارة إلى ما ذكر في التوراة والإنجيل. وحرف الميم (الم) هو اسم يستخدم للإشارة إلى القرآن الكريم. والتفسير هو أن القرآن الكريم هو ذلك الكتاب المفسر لما ذكر في التوراة والإنجيل، وبذلك يشهد القرآن الكريم على صحة التوراة والإنجيل ويستمد منهما ويزيد عليهما بما ليس فيهما. ويمكن أن يكون “ذلك الكتاب” إشارة إلى كل من التوراة والإنجيل، والمعنى هو أن القرآن الكريم هو الكتاب الذي يجمع ما في التوراة والإنجيل، وبذلك يعبر “بذلك” عن الاثنين بشاهد من القرآن. وقال الله تبارك وتعالى: “لا فرض ولا بكر عونا بين ذلك” [سورة البقرة: 68]، وهو يشير إلى عدم وجود فارق بين التوراة والإنجيل والقرآن الكريم .
أي عوان بين تينك: الفارض والبكر سيأتيان، وقيل إن {ذلك} يشير إلى اللوح المحفوظ. وقال الكسائي إن {ذلك} يشير إلى القرآن الذي لم ينزل بعد في السماء. وقيل إن الله تعالى وعد أهل الكتاب بأن ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم كتابا، ولذلك يشير هذا إلى تلك الوعد. وقال المبرد: هذا يعني القرآن، وهو الكتاب الذي كان الكفار يطلبون الحجة به.
قوله تعالى { لا ريب } يعني بأنه لا يوجد شك أو تردد، ولذلك يتم نصب الريب به. وفي الريب ثلاثة معان: الشك، والتهمة، والحاجة. والمعنى هو أن القرآن حق في ذاته وأنه منزل من عند الله، صفة من صفاته، ليس مخلوقا ولا محدثا، وإن كانت الكفار يشكون فيه. ويمكن أيضا أن يعني هذا القول النهي، أي أنه لا ينبغي لكم أن تشكوا، وتم الكلام كأن القرآن يقول هذا الأمر بالتحديد. قوله تعالى { للمتقين } يعني أن الله تعالى يميز المتقين بخصوصيته في الهداية، ورغم أن الهداية تنطبق على جميع الخلق، إلا أنه يكرمهم لأنهم آمنوا وصدقوا به. وروى عن أبي روق أنه قال { هدى للمتقين }، أي أنه يعتبرهم كرامة له، أي أنه يعززهم ويمنحهم فضلا.