ادب

قصة المنحوس الذي عاش مرتين ” المر مكوردي “

هناك نوع من الأشخاص يعيشون حياتهم دون أن يشعر بهم أحد ، ولكن بمجرد رحيلهم عن الدنيا، يحصدون شهرة واسعة لم يحصلوا ولو على جزء ضئيل منها أثناء حياتهم، وهذا بالفعل ما حدث مع بطل قصتنا المر مكوردي، الذي عاش حياة مليئة بالفشل الزريع الذي كان يلاحقه في كل شيء، ولكن بعد رحيله فعل كل ما كان يحلم بتحقيقه أثناء حياته.

حياة بائسة

ولد بطل قصتنا في عام 1880م، ومنذ أن جاء إلى الدنيا ولم يحالفه التوفيق في أي شيء، بل كان كلما أقدم على أمر ما أصابه الفشل الزريع، فهو لم ينجح في دراسته، ولم ينجح كجندي، ولم ينجح في عمله ولم ينجح حتى بحياته الزوجية، وظل على هذا الحال حتى قرر مكوردي أن يغير هذا النحس الذي رافقه طيلة حياته ويحوله إلى نجاح، ولذلك فكر في أن يتجه إلى عالم السرقة.

نظرا لشهرته بإدمانه على الخمر طوال حياته، قام بتجميع مجموعة من الرجال الذين كانوا يرافقونه في جلسات السكر، وقرر تشكيل عصابة تختص بسرقة القطارات. ومع ذلك، بدا واضحا أنه اختار بشكل خاطئ، وأن الأشخاص الذين اختارهم لتشكيل عصابته الصغيرة ليسوا سوى مجموعة من الأغبياء. في كل مرة يقومون فيها بمحاولة سرقة، يفشلون في ذلك، ولا يعرفون ما إذا كانت لعنة مكوردي هي السبب، أم أنهم فعلا أغبياء.

أول عملية سرقة ناجحة أفسدها النحس والغباء

في عام 1910م، نجح مكوردي وعصابته في كسر حاجز الفشل إلى حد ما، وذلك بعد سطوهم على قطار تجاري يحتوي على خزنة حديدية كبيرة في داخلها. وعندما حاولوا فتحها، اكتشفوا أن المفتاح غير موجود. وبعد بحث طويل، لم يتمكنوا من العثور على المفتاح، لذلك قرر مكوردي وشلته من الأغبياء حولهم حل هذه المشكلة عن طريق تفجير الخزنة الضخمة باستخدام الديناميت.

وبالفعل حدث ما كانوا يتمنوه وفتحت الخزنة ووجدوا بداخلها ثروة طائلة من المال يبلغ قدرها 4000 دولار، ولكن مالم يكن في حسبانهم أن تلك الثروة كلها من العملات المعدنية، ولذلك فقد أثر الديناميت عليها وجعل نصف العملات يتعرض للانصهار والذوبان التام، كما أنهم لم يتمكنوا من حمل النصف الأخر لأن وزنه كان يبلغ عدة أطنان وهم لا يملكون سيارة لوضع كل تلك النقود المعدنية بها، ولذلك فما كان منهم إلى أن أخذوا ما تمكنوا من حمله تاركين باقي المال ورائهم ، وقد كانت تلك العملية البائسة سبب في استهزاء الصحافة وكل من سمع بالأمر بمكوردي وعصابته، ولذلك قرر رجال العصابة الابتعاد عن مكوردي وفك تلك العصابة التي لم يجنوا منها سوى الاستهزاء والفشل المحقق.

الفشل يطارد مكوردي في كل مكان

 ولكن من الواضح أن مكوردي كان مازال لم يصدق بفشله وأصر أن يثبت العكس لمن حوله مهما كلفه الأمر، ولكن تلك المرة لم يستعين مكوردي بمجموعة من الرجال، بل اكتفى برجل واحد يشاركه فشله الزريع، ولذلك ففي عام 1911م، أعاد مكوردي ورفيقه الذي يشبهه تمام في الفشل الكرة، وقاموا بالسطو على قطار للمسافرين.

ولكنهم اكتشفوا أن المغامرة التي خاضوها من أجل السطو على هذا القطار لم تكن تستحق، حيث أنهم لم يجدوا بالخزنة التي يملكها القطار سوى 47 دولار، وتلك المرة كان الاستهزاء بمكوردي أكبر بكثير واستحقت سرقته تلك لقب اتفه عملية سرقة بجدارة، وإضافة لنحسه الكبير فتلك المرة لم يجني مكوردي الاستهزاء فقط ولكنه قد أصبح مطارد من قبل الشرطة أيضا، حيث خصصت الحكومة مبلغ قدره 2000 دولار لمن يقوم بالقبض عليه.

بسبب جهود رجال الشرطة الأربعة، تم تحديد مكان المشتبه به داخل إحدى المزارع واختبائه في الإسطبل. قرروا القبض عليه والفوز بالجائزة، ولكن حدث شيء غير متوقع. عندما رأى رجال الشرطة المشتبه به، أطلق النار عليهم في محاولة للدفاع عن نفسه، لكنه لم يصب أي منهم. ردوا بكمية كبيرة من الرصاص تجاهه، ومن بين تلك الطلقات أصابت إحداها صدره، فتوفي على الفور.

حياة جديدة بعد الموت

منذ أن بدأت تلك الرصاصة بالاستقرار بصدر مكوردي، وقد بدأ حياة جديدة عاشها بجسد خلا من الروح، فبعد أن لفظ مكوردي أنفاسه الأخيرة، حمله الرجال الأربعة لولاية أوكلاهوما وبالتحديد بمدينة باهوسكا الواقعة هناك، وبالفعل حصلوا على ال2000 دولار جائزة لتسليمهم إياه، ولكن نظرا لعدم قيام أي فرد من عائلة مكوردي بطلب الجثة أو السؤال عنها، قام هؤلاء الرجال بالذهاب إلى احد دور الجنائز وأعطوها لصاحب تلك الدار، ولكن الرجل لم يقم بدفنها.

بل فكر في كيفية استفادة من الجثة التي لم يسأل عنها أحد، فقام بتحنيطها بواسطة الزرنيخ بشكل رائع، ثم قام بعرضها للزوار بعد وضع لافتة تحت الجثة مكتوب عليها اسم اللص الذي لم يستسلم أبدا. وبالفعل، حقق صاحب المنزل الربح المرجو وأكثر، لأن جثة مكوردي نالت إعجاب الجميع. لذلك، كان الناس يتوافدون لرؤيتها ويدفعون رسما بقيمة نيكل واحد لمشاهدتها، يوضع داخل فم مكوردي. وعندما ينصرف الزوار، يجمع صاحب المنزل تلك النيكلات. هكذا، حقق مكوردي شهرة كبيرة لم يحققها أبدا في حياته، ولكن صاحب المنزل لم يستفد كثيرا مما حققه. في عام 1917، قام صاحب السيرك بابتكار قصة تخيلية ليستولي على الجثة ويستفيد منها بعد أن علم بشهرتها الواسعة. ذهب صاحب السيرك إلى صاحب دار الجنائز وأخبره أن مكوردي هو أخوه ويرغب في الحصول على الجثة ليدفنها في مقبرة العائلة.

جثة داخل السيرك

تم تنفيذ الخطة بنجاح، حيث قدم صاحب دار الجنائز الجثة لهذا الرجل، ثم عرضها داخل السيرك ووضع لافتة عليها تشير إلى أن هذه الجثة تعود لأشهر لص في التاريخ. وبعد أن حققت الجثة الربح الكثير لهذا الرجل، توفي صاحب السيرك، وبعد ذلك بدأت جثة مكوردي في التنقل من مكان لآخر، حيث تم نقلها بين المتاحف ووضعها داخل متحف الجريمة ومتحف الشمع. وكان الزوار يضعون النقود داخل فم الجثة، وكان الفم يستخدم أحيانا في شراء تذاكر المتحف. ولم يعرف سر استخدام الفم في كل تلك الأشياء، وجثة مكوردي استخدمت كدمية رعب داخل نفق الرعب في مدينة ألعاب ترفيهية، وفي عام 1933، تم استخدام جثته كخلفية في فيلم سينمائي.

نهاية الرحلة

 تغيرت معالم الجثة ولم تعد ملامحها كالسابق بل تحولت إلى مجرد مومياء مما جعل من يراها يظن بأنها مجرد تمثال تم صنعه من الشمع، حتى أنساهم الزمن بأنها كانت في الأصل جثة لرجل حقيقي، وفي عام 1971م، اشترتها أحد متاحف الشمع على أنها تمثال من الشمع، ثم في عام 1976م كان هناك مسلسل تلفزيوني يسمى رجل الستة ملايين دولار، فقام أصحاب هذا العمل باستئجار الجثة من متحف الشمع على أنها تمثال من أجل الظهور بإحدى حلقات هذا المسلسل،  ولكن يشاء القدر أن تنتهي رحلة مكوردي الطويلة التي تنقل خلالها بين العديد من الأماكن المختلفة، فأثناء تواجد الجثة خلال تصوير المسلسل كسر ذراع مكوردي بطريق الخطأ عن طريق أحد العمال.

عندما كان يقوم بفكه من حبل المشنقة الذي كان قد لف حول رقبته وقت التصوير، وما حدث كان أشبه بكابوس مزعج للجميع، حيث أنهم شاهدوا عظمة طويلة تخرج من الجثة التي اعتقدوا أنها مجرد دمية ليس إلا، وبعدها تم نقل الجثة إلى أحد المراكز الطبية للكشف عنها ومعرفة قصتها، ولكن قد تفاجأ الأطباء بما وجدوه داخل فم المومياء وجسدها، حيث وجدوا بطاقة لدخول أحد المتاحف توجد داخل فم مكوردي.

كما وجدوا أيضا عدد من السنتات التي يبلغ عددها 5 سنتات مصنوعة من الفضة، يرجع تاريخها إلى عام 1926م، وليس هذا فقط ولكنهم وجدوا في صدره الرصاصة التي كانت سبب في نهاية حياة هذا الشقي، ولكن آن لتلك الرحلة العجيبة أن تنتهي وأن تستقر الجثة بمثواها الأخير، ولذلك قامت حكومة ولاية أوكلاهوما، بدفن الجثة هناك على حسابها بعد أن تم حفر 2 متر مكعب تحت الأرض حتى لا يتمكن أحد من إخراج الجثة ثانية، وبذلك انتهت رحلة مكوردي الطويلة والتي استمرت 65 عام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى