سبب نزول الآية ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام “
قال الله تعالى في سورة التوبة، {أجعلتم سقيا الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله، والله لا يهدي القوم الظالمين}، وهو إشارة إلى أن تقديم الماء للحجاج والمساهمة في بناء المسجد الحرام من الأعمال التي يثاب عليها الله
سبب نزول الآية ابن كثير
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال: إذا كنتم قد سبقتمونا في الإسلام والهجرة والجهاد، فكنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحجاج ونفك العاني، ولكن كل هذا كان في الشرك ولا نقبل ما كان في الشرك. وقد قال الله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج…} يعني أن كل هذا كان من الشرك، والله لا يهدي الظالمين. وقد قال الضحاك: إن المسلمين يتعاملون مع العباس وأصحابه الذين أسروا في يوم بدر باعتبارهم مشركين، فرد العباس: “والله، إنا كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونسقي الحجاج”. فأنزل الله تعالى الآية المذكورة.
وعن النعمان بن بشير الأنصاري قال: : في يوم الجمعة، كنت أنا ومجموعة من أصحاب النبي مع منبره، وفيما نحن جالسون، قال رجل منهم: “لا يهمني أن أعمل لله بعد الإسلام إلا بسقاية الحجاج”، وقال آخر: “بناء المسجد الحرام”، وقال آخر: “الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم”، فنهانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، ولكن إذا صليتم الجمعة، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم واستفتوه فيما اختلفتم فيه، وفعلنا ذلك، فأنزل الله تعالى: “أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام…” وهذا الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم.
تفسير الآية القرطبي
يعني الجمع السقية وأصلها سقاية ، وتعني عمارة المسجد الحرام إدارته والقيام بمصالحه. يبدو أن هذه الآية تنفي ما يزعمه المشركون بأن الاعتناء بسقاية الحجاج وإدارة المسجد الحرام يعد شيئا مهما ويستحق الافتخار به. وقد ذكر السدي أن عباس كان يفتخر بسقاية الحجاج وشيبة كان يفتخر بإدارة المسجد الحرام وأن علي كان يفتخر بالإسلام والجهاد. والله صدق علي وكذبهما وأخبر أن إدارة المسجد الحرام لا تعد كفرا بل هي عبادة وإيمان وأداء الطاعة، وهذا الأمر واضح ولا يحتاج إلى تفسير.
ويقال : سأل المشركون اليهود وقالوا: نحن نروي الحجاج ونبني المسجد الحرام، هل نحن أفضل أم محمد وأصحابه؟ فأجابوا اليهود عنادًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم هم أفضل.
وقد حدثت مشكلة هنا وهو ما ورد في صحيح مسلم عن النعمان بن بشير. قال: كنت أقف بجوار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: لا يهمني أن أقوم بعمل بعد الإسلام إلا أن أروي الحاج. وقال آخر: لا يهمني أن أقوم بعمل بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله هو أفضل مما ذكرتم. فانتقدهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم بجوار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم – وذلك في يوم الجمعة – ولكن عندما تصلون الجمعة، ادخلوا واستفسروه فيما تختلفون فيه. فأنزل الله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر} حتى نهاية الآية.
هذا المساق يتطلب أن يتم نزوله عندما يحدث اختلاف بين المسلمين فيما يتعلق بالأعمال المفضلة. وفي هذه الحالة، لا يكون مناسبا أن يقال لهم في نهاية الآية: `والله لا يهدي القوم الظالمين`، مما يستدعي الاعتراض. ويمكن حل هذا الاعتراض بالقول: إن بعض الرواة كانوا متساهلين في تفسيرهم للآية، وبناء على ذلك أنزل الله الآية. وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية لعمر عندما سأله، وظن الرواة أنها نزلت في ذلك الوقت.
واستند النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الحجة ليثبت أن الجهاد أفضل مما قاله تلك الأشخاص الذين سمعهم عمر، فاستفتاهم وقرأ عليهم ما أنزل عليه من القرآن، وليس هذا القرآن نزل في وقتهم. والله أعلم. فإذا قيل: فهل يمكن الاستدلال على المسلمين بما نزل في الكافرين، وعلمنا أن أحكامهم مختلفة. قيل له: ليس مستبعدا أن يستخلص من الأحكام التي نزلت في المشركين أحكاما تناسب المسلمين. وقد قال عمر: لو أردنا لاتخذنا من الطيبات والمتاع الفاخر ونسيج الحرير ورفعنا الأخرى، ولكنا سمعنا قول الله تعالى: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} [الأحقاف: 20]. وهذه الآية تنص على الكفار، ومع ذلك فهم عمر أنها تنهى عن ما يتناسب مع وضعهم في بعض الأحيان، ولم يعترض أحد من الصحابة على ذلك. فمن الممكن أن تكون هذه الآية من هذا النوع. وهذا الحجة قيمة وبواسطتها يزول التعارض ويزول الشك، والله أعلم.