متى بدا الغلو في الاولياء والصالحين
بدا الغلو في الاولياء والصالحين في قوم
نوح عليه السلام .
وقد بدأ الغلو في الأولياء والصالحين في قوم نوح عليه السلام بسبب الزيادة والمبالغة في حب الأولياء والصالحين. والغلو في الأولياء والصالحين هو رفع الأولياء والصالحين فوق منزلتهم ومكانتهم والاعتقاد بأن الأولياء والصالحين يعلمون الغيب وأن الخير والنفع بأيديهم ويأتي عن طريقهم.
من الممكن معرفة متى بدأ الغلو في الأولياء والصالحين من قول الله تعالى في سورة نوح (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا). يغوث ويعوق ونسرا هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، وكان لهم أشخاص وأتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا، وسوس الشيطان إلى بعض الأشخاص والأتباع من قوم نوح أن لو صوروهم كان أشوق لهم إلى العبادة عند ذكرهم فصوروهم. ولكن لم تعبد هذه الأوثان والأصنام حتى مات هؤلاء الأشخاص وجاء أشخاص آخرون. حيث وسوس لهم الشيطان فقال إنهم كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم.
وبهذه الطريقة، أصبحت هذه الأصنام والأوثان تعبد من قبل الأشخاص الصالحين. أما ود، فكان كلب بدومة الجندل، وأما سواع، فكانت لهذيل، وأما يغوث، فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق، فكانت لهمدان، وأما نسر، فكانت لحمير لآل ذي الكلاع. وهكذا، بدأ الغلو في الأولياء والصالحين، وهو أحد أخطر الأمور التي تؤدي إلى الشرك بالله تعالى.
الغلو في الأنبياء والرسل
التطرف في تبجيل الأنبياء والرسل هو نفسه التطرف في تبجيل الأولياء والصالحين. ومن مظاهر التطرف في تبجيل الأنبياء والرسل هو المبالغة في إشادتهم، مما يؤدي إلى الانحراف والشرك بالله تعالى. ومن أمثلة التطرف في تبجيل الأنبياء والرسل هو تطرف النصارى في تمجيد نبيهم عيسى عليه السلام، حيث يقول بعضهم: إنه الله، ويقول آخرون: إنه ابن الله، ويقول البعض الآخر: إنه ثالث ثلاثة. وتطرف اليهود في تمجيد عزير ابن الله.
وهذا ما قاله الله تعالى في سورة التوبة: وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله. هذا قولهم بأفواههم، يضاهون قول الذين كفروا من قبل. قاتلهم الله، أنى يؤفكون؟ والتمادي في هذه الحالة وتجاوز الحدود في معاملة الأنبياء والرسل هو شرك بالله تعالى.
حذر الله تعالى في القرآن الكريم من التطرف في الدين والتكبير للأولياء والصالحين أو الأنبياء والرسل، سواء بالقول أو الفعل، والأسوأ من ذلك هو التعالي بالأولياء والصالحين أو الأنبياء والرسل ليصبحوا كألهة أو ربوبية. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من التطرف والتجاوز، لكي يتجنبوا أن يقعوا فيما وقع فيه اليهود والنصارى من الشرك بالله تعالى بسبب التطرف والتجاوز في حب وتمجيد الأنبياء والرسل.
أشكال الغلو في الأولياء والصالحين
الغلو في الأولياء والصالحين أو الغلو في الدين يعني الزيادة، ويمكن تقسيم الغلو في الأولياء والصالحين إلى قسمين
- القسم الأول من الغلو في الأولياء والصالحين هو غلو في الأولياء والصالحين إلى درجة دعاء الأولياء والصالحين مع الله تعالى، أو تعظيم الأولياء والصالحين، أو الاستغاثة بالأولياء والصالحين، أو النذر للأولياء والصالحين. وهذا الغلو في الأولياء والصالحين هو من أنواع الشرك الأكبر.
- الغلو في الأولياء والصالحين ليس من بين أنواع الشرك الأكبر مثل التمسح بالأولياء والصالحين، والاعتقاد بأن التمسح أو التبارك بالأولياء والصالحين يعد وسيلة للتقرب من الله تعالى، وإنما يعد هذا الغلو وسيلة من وسائل الشرك.
يمكن أن يكون الغلو في الأولياء والصالحين من الشرك أو من وسائل الشرك، فمثلاً بناء المساجد أو القباب على قبور الأولياء والصالحين هو بدعة، وكذلك الدعاء والاستغاثة بهم والنذر لهم فهو من الشرك.
من الضروري معرفة الحد بين حب الأولياء والصالحين والغلو في الأولياء والصالحين. حب الأولياء والصالحين دون زيادة أو تجاوز أو غلو إلى درجة الشرك. لأن العبادة هي حق الله تعالى وحده فلا يجب الغلو في القبور مثل بناء المساجد عليها أو بناء القباب أو دعاء الأولياء والصالحين دون الله تعالى.
مظاهر الغلو في الأولياء والصالحين
من أشكال التطرف في حق الأولياء والصالحين هو ترقية الأولياء والصالحين إلى درجة أعلى من منزلتهم والمبالغة في مدحهم بناء على الحب أو الاقتداء، وحتى الحلف بالأولياء والصالحين. لم تقتصر أشكال التطرف في حق الأولياء والصالحين على ذلك، بل ادعى بعض الأشخاص أن الأولياء والصالحين يعلمون الغيب ويمكنهم إغاثة من يستغيث بهم وغيرها من الخصائص التي تنتمي فقط إلى الله تعالى.
من الممكن أن تؤدي مظاهر الغلو في الأولياء والصالحين إلى الوقوع في الشرك بالله تعالى. اتباع الأولياء والصالحين ولكن دون غلو أو زيادة أو مبالغة والاقتداء بهم في طاعة الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر نفسه منطبق على الأنبياء والرسل. اتباع الأنبياء والرسل ولكن دون غلو أو زيادة أو مبالغة.
حكم الغلو في الأولياء والصالحين
المحبة للأولياء والصالحين والمحبة للأنبياء والرسل حق مستحق، ولكن الزيادة في محبة الأولياء والصالحين أو الأنبياء والرسل إلى حد تعاليهم عن مكانتهم وعبادتهم لله تعالى، فهذا من أنواع الشرك الأكبر.
من بين مظاهر التطرف في الأولياء والصالحين هو عبادة الأولياء والصالحين مع الله تعالى، أو الاستغاثة بالأولياء والصالحين، أو التعهد بالنذر للأولياء والصالحين، وتعتبر هذه المظاهر أشكالا من الشرك بالله تعالى. يجب الابتعاد عن التطرف والتزايد في حب الأولياء والصالحين وترقيتهم إلى مستوى الإلهية أو الربوبية، لأن هذه المظاهر هي أشكال من الشرك بالله تعالى.
الغلو في الأولياء والصالحين والزيادة على ما شرع الله من الشرك أو من وسائل الشرك بالله تعالى. لذلك يجب الابتعاد عن الغلو في الأولياء والصالحين كما في قول النبي صلى الله عليم وسلم (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) وقول الله تعالى في سورة النساء (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ).
هناك فرق كبير بين حب وتوقير الأولياء والصالحين والسير على نهجهم في طاعة الله تعالى واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وبين الغلو في الأولياء والصالحين إلى درجة جعلهم يحظون بالألوهية والربوبية مع الله تعالى.
كما ذكرنا سابقًا، حب الأولياء والصالحين حق وحب الأنبياء حق ولكن دون زيادة أو غلو. فالزيادة أو التجاوز في حب الأولياء والصالحين والزيادة أو التجاوز في مدح الأولياء والصالحين والاعتقاد بأن الأولياء والصالحين يعلمون الغيب أو يغيثون من يستغيث بهم هو من الغلو والشرك. فالأولياء والصالحين لا يملكون لأنفسهم نفعًا أو ضرًا ولا يعلمون الغيب.