شواهد رائعة من شعر عمر بن ابي ربيعة
نسب عمر بن ابي ربيعة
عمر هو اسم الجد الذي ينسب إليه عمر بن أبي ربيعة، وليس اسم والده عبد الله. حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر هو جد عمر بن أبي ربيعة. وقد كان عمر بن أبي ربيعة من عائلة ثرية في قريش، وكان جده حذيفة بطلا من أبطال قريش، ويقال إن عمر بن أبي ربيعة شارك في معركة عكاظ. وكان مكانة عمر بن أبي ربيعة ثرية مثل مكانة جده.
توجد معلومات قليلة عن عمره وزواجه وعدد الأبناء الذين أنجبهم، ويذكر الرواة أنه أنجب من زوجته كلثم ابنين؛ أحدهما جوان والآخر غير معروف.
شباب عمر بن ابي ربيعة
في فترة الشباب، تغيرت صورة المرأة في نفس العمر، ولم يعد الشعور نفسه تجاه المرأة الذي يشعر به تجاه والدته. استغل عمر بن أبي ربيعة فترة شبابه بأفضل استغلال، فكان يلهو ويعبث ويتصرف بلا حساب، وكان من أجمل الشباب وأكملهم هيئة وصفا، يجذب الأنظار بجماله ويسرق القلوب بحسنه. كان يشعر بجماله ويتفاخر به، وكان مفتونا به ويفاخر به، ومن الدلائل على إعجابه بنفسه أنه قال على لسان الفتيات
قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر؟
وقد جعل من جماله املًا تريد الوصول إلىه كل فتاة:
ما يسر نفسك به من شيء ، فهي مقبولة ، وما يعجب عينك إلا فوقه من عدم
بالإضافة إلى جماله، كان يزين نفسه بما يضيف إلى جماله سحرا آخر، وكانت أمه تزينه منذ صغره ليظهر بأفضل صورة، وكان حبه للزينة والجمال معروفا لدى الناس، ولذلك أهدوا له الملابس والمجوهرات والعطور التي يريدها، وكان ثراؤه ورفاهيته من أسباب استمتاعه بشبابه، ولم يكن مهتما بالأمور المتعلقة بالربح والتجارة والخسارة، وكانت أهم اهتماماته هي الظهور بأجمل حلة وأفضل مظهر، وساعده في ذلك الإرث الكبير الذي ورثه عن والده، واستغل ثروته في الترفيه والزينة والترف.
من الأمور التي زادت جماله، أنه كان شاعرا موهوبا، وكان شعر عمر بن أبي ربيعة في الغزل الصريح مشهورا، حيث اتفق جرير والفرزدق، على الرغم من اختلافاتهم في كل شيء، على مدح شعر عمر بن أبي ربيعة، واعترف جرير بعجزه أمام شعره، وفيما يتعلق بالشعراء، فإنهم يثيرون فتنة الحكام والعلماء
سعي عمر وراء المرأة ونهج حياته
كان عمر يقضي وقت فراغه في السعي وراء المرأة، ومطاردتها من مكان لآخر، وكان يملأ وقته الفراغي بمطاردة المرأة والسعي وراءها، وكان يبحث عنها ليلا ونهارا، وإذا لم يتمكن من الوصول إليها، كان يخاطر بحياته للوصول إلى حبيبته. هذه الأبيات هي مقتطفات من شعر عمر بن أبي ربيعة
أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ
غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ
لِحاجَةِ نَفسٍ لَم تَقُل في جَوابِها
فَتُبلِغَ عُذراً وَالمَقالَةُ تُعذِرُ
تَهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشَملُ جامِعٌ
وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ
وَلا قُربُ نُعمٍ إِن دَنَت
وَلا نَأيُها يُسلي وَلا أَنتَ تَصبِرُ
وَأُخرى أَتَت مِن دونِ نُعمٍ وَمِثلُها
نَهى ذا النُهى لَو تَرعَوي أَو تُفَكِّرُ
إذا زرت نعمةً لا تزال ذات صِلةٍ بكِ
لَها كُلَّما لاقَيتُها يَتَنَمَّرُ
عَزيزٌ عَلَيهِ أَن أُلِمَّ بِبَيتِها
يُسِرُّ لِيَ الشَحناءَ وَالبُغضُ مُظهَرُ
أَلِكني إِلَيها بِالسَلامِ فَإِنَّهُ
يُشَهَّرُ إِلمامي بِها وَيُنَكَّرُ
بِآيَةِ ما قالَت غَداةَ لَقيتُها
بِمَدفَعِ أَكنانٍ أَهَذا المُشَهَّرُ
قِفي فَاِنظُري أَسماءُ هَل تَعرِفينَهُ
أَهَذا المُغيريُّ الَّذي كانَ يُذكَرُ
في هذه القصيدة التي يروي فيها إحدى مغامراته، يذكر صاحبته التي منعت عينيه من النوم وأسرت قلبه، ويشغل صدره البُعد
فبتُّ رقيباً للرفاقِ على شفاً،
أحاذرُ منهمْ من يطوفُ، وأنظر
فَلَمّا فَقَدتُ الصَوتَ مِنهُم وَأُطفِئَت
مَصابيحُ شُبَّت في العِشاءِ وَأَنوُرُ
وَغابَ قُمَيرٌ كُنتُ أَرجو غُيوبَهُ
وَرَوَّحَ رُعيانُ وَنَوَّمَ سُمَّرُ
وَخُفِّضَ عَنّي النَومُ أَقبَلتُ مِشيَةَ ال
حُبابِ وَرُكني خَشيَةَ الحَيِّ أَزوَرُ
في هذه القصيدة، نرى شابًا فارغًا لا يهتم بشيء آخر في الحياة إلا المرأة التي تملأ عينيه وتمنعه من النوم. يخرج بلا اكتراث ولا يفكر سوى في الوصول إليها، دون أي اعتبار إذا كان ذلك صحيحًا أو خاطئًا.
فاجأ عمر بن أبي ربيعة المحبوب بزيارة غير متوقعة
فَحَيَّيتُ إِذ فاجَأتُها فَتَوَلَّهَت
وَكادَت بِمَخفوضِ التَحِيَّةِ تَجهَرُ
وكانت تلومه على تصرفه العفوي والمتهور في الحب، وتطلب منه أن يتروَّى ويخبرها قبل وصوله، وتحذِّره في مغامراته لكي لا يشعر بقدومه أي شخص، وتنتهي هذه المغامرات بسلام
وَقالَت وَعَضَّت بِالبَنانِ فَضَحتَني
وَأَنتَ اِمرُؤٌ مَيسورُ أَمرِكَ أَعسَرُ
كان يتميز بوصف دقيق للمرأة دون مراعاة الآداب، ومن بين النماذج لقصائد عمر بن أبي ربيعة الغزل الفاضح
فَبِتُّ قَريرَ العَينِ أُعطيتُ حاجَتي
أُقَبِّلُ فاها في الخَلاءِ فَأُكثِرُ
وبهذا نجد أن عمر بن أبي ربيعة قضى حياته وأسرفها في مطاردة المرأة دون أن يواجه أي معوقات من عشيرة أو ثأر أو حتى زوج، فالطريقة التي اتبعها لم تواجهه أي مشاكل وكان يفتخر بمغامراته مع نساء مختلفات
إِنّي لَأَترُكُ مَن يَجودُ بِنَفسِهِ
وَمُوَكَّلٌ بِوِصالِ كُلِّ جَمادِ
يا لَيلَ إِنّي واصِلي أَو فَاِصرِمي
عَلِقَت بِحُبِّكُمُ بَناتُ فُؤادي
يرغب عمر في كسر الحواجز بين المرأة والرجل، حيث تقوم المرأة بنفس الدور الذي يقوم به هو، حيث تقوم بمطاردة الرجل والسعي وراءه والمغامرة للوصول إليه في حال وقعت في حبه.
سعي المرأة وراء عمر
لم تكن بنات الأشراف يواجهن أي حرج في التحدث مع الشعراء والإرسال وطلب خدماتهم، وكما كان عمر يتعقب المرأة، كانت هي أيضا تقوم بدور مماثل في مطاردته ومحاولة الوصول إليه
قالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا مُلاَطَفَة ً:
لَنُفْسِدِنَّ الطَّوافَ في عُمَرِ
كما كان عمر بن أبي ربيعة يخرج للحج من أجل مطاردة النساء، كانت النساء يخرجن لمطاردة عمر بن أبي ربيعة
أَومَت بِعَينَيها مِنَ الهَودَجِ
لَولاكَ في ذا العامِ لَم أَحجُجِ
أَنتَ إِلى مَكَّةَ أَخرَجتَني
وَلَو تَرَكتَ الحَجَّ لَم أَخرُجِ
هذا يعترف بوضوح أنه لولا وجود عمر، لم تكن النساء يذهبن إلى الحج. وقيل عن فاطمة بنت عبد الملك أنها ذهبت إلى الحج لكي تسمع وترى عمر بن أبي ربيعة، وتروى الأبيات التالية قصة عمر بن أبي ربيعة مع هند وسعيه وراءها ومغامراته، وذلك أيضا من أجل التواصل معه
أَرسَــلَت هِــنـدٌ إِلَيـنـا نـاصِـحـاً
بَـيـنَـنـا إيـتِ حَـبـيـباً قَد حَضَر
فَـــاِعـــلَمَــن أَنَّ مُــحِــبّــاً زائِرٌ
حـيـنَ تَخفى العَينُ عَنهُ وَالبَصَر
لَم يَـرُعـنـي بَـعـدَ أَخـذي هَـجـعَةً
غَـيـرُ ريحِ المِسكِ مِنها وَالقُطُر
قُــلتُ مَــن هَــذا فَـقـالَت هَـكَـذا
أَنــا مَــن جَـشَّمـتَهُ طـولَ السَهَـر