نظرية التواصل عند هابرماس
هابرماس هو عالم اجتماع وفيلسوف معاصر من أصل ألماني، ولد في 18 يونيو 1929 في دوسلدورف، ألمانيا، وما زال يعيش هناك حتى الآن. إنه واحد من أهم علماء الاجتماع والسياسة المعاصرين، وينتمي إلى مدرسة فرانكفورت أو مدرسة الحداثة. لقد قام بتأليف أكثر من 50 كتابا في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع، ومن بين أشهر نظرياته نظرية الفعل التواصلي التي تختلف عن نظرية التواصل لدى جاكبسون .
نظرية الفعل التواصلي
تعتبر نظرية الفعل التواصلي مشروعا حاسما يعيد بناء فكرة العقل التي لا تعتمد على مصطلحات مفيدة أو موضوعية، بل تعتمد على فعل تواصلي تحرري، حيث يقترح إعادة بناء “العمل الإنساني” والتفاهم البناء على أنهما لهما بنية لغوية، وتعتمد كل عبارة على توقع التحرر من السيطرة غير الضرورية، ويمكن استخدام هذه الهياكل اللغوية في التواصل لتشكيل فهم قياسي للمجتمع، وتستخدم هذه النظرية مفهوم المجتمع لوضع تصور لسياق الحياة الاجتماعية المصمم لمفارقات الحداثة .
بدأ هذا المشروع بعد الاستقبال النقدي لكتاب هابرماس للمعرفة والمصالح الإنسانية (1968)، وبعد ذلك اختار هابرماس الابتعاد عن التحليل السياقي والتاريخي للمعرفة الاجتماعية نحو ما سيصبح نظرية العمل التواصلي، ونظرية العمل التواصلي تتفهم اللغة باعتبارها العنصر الأساسي للمجتمع وهي محاولة لتحديث الماركسية من خلال الاعتماد على نظرية النظم (لوهمان) ، وعلم النفس التنموي (بياجيه ، كولبرج) والنظرية الاجتماعية (ويبر ، دوركهايم ، بارسونز ، ميد ، الخ) .
بعد تطوير المحاضرات الأولية حول براغماتيةالتفاعل الاجتماعي لهابرماس، تمكن هابرماس من توسيع نظريته لتفسير المجتمع بشكل أوسع، وتحتوي نظرية الفعل التواصلي على ثلاثة اهتمامات مترابطة
1- يتضمن تطوير مفهوم العقلانية الذي لم يعد مرتبطًا بالموضوعية والفردية فقط في الفلسفة النظرية والاجتماعية الحديثة .
يجب بناء مفهوم المجتمع على مستويين يجمع بين نماذج الحياة ونظم الحياة .
وأخيرًا، لتوضيح نظرية نقدية للحداثة التي تحلل وتحدد مسببات الأمراض، بطريقة تشير إلى إعادة التوجيه بدلاً من التخلي عن مشروع التنوير .
هابرماس والحداثة
على عكس الكثير من المثقفين المعاصرين الذين يعارضون ما بعد الحداثة، يرى هابرماس في الهياكل المؤسسية للعقلانية التي تستند على الحداثة، بينما يسخر الكثيرون من المثقفين من إمكانات التحرر في الحداثة، ولكن هابرماس لا يزال يصر على إمكانيات الحداثة المتفوقة، وفي سياق اجتماعي يروج لمشروع التنوير لبناء مجتمع جيد يتبناه العقل، وبالتالي يظل هابرماس أحد أقوى المدافعين عنه، والحداثة هي ابنة التنوير.
يعتقد هابرماس أن المشروع الحداثي غير مكتمل بسبب راسخته في العقل والديمقراطية، ومن ثم يجب القيام بالكثير لاستكمال مشروع الحداثة قبل التفكير في عالم ما بعد الحداثة.
لدى هابرماس الخلفية الفكرية لمدرسة فرانكفورت للفكر الاجتماعي، وكانت مدرسة فرانكفورت مجموعة من الكتاب المستوحاة من ماركس الذين تصرفوا مع ذلك بأن آراء ماركس تحتاج إلى مراجعة جذرية لتحديثهم، لقد جادلوا بأن ماركس لم يول اهتماما كافيا لتأثير الثقافة في المجتمع الرأسمالي الحديث، وقام مؤلفو فرانكفورت بإجراء دراسة مستفيضة لما أسموه “تاريخ الثقافة” بمعنى الصناعات الترفيهية للأفلام والتلفزيون والموسيقى الشعبية والصحف والمجلات .
وقد تناول هابرماس بعض هذه الموضوعات ووضع إطارين نظريين أساسيين :
1- نظرية الاتصال .
2- نظرية ترشيد النظام والحياة.
في كتابه نظرية العمل التواصلي، قام هابرماس بإعادة صياغة الأفكار الماركسية في ضوء العالم الاجتماعي في القرن العشرين، ويناقش زيادة سلطة الدولة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، ويوسع مفهوم ماركس للإنسانية باضافة عنصر اللغة، أي التواصل مع العمل، وبالنسبة لهابرماس، تعتبر اللغة جزءا أساسيا من التنمية البشرية.
يمكن أن يؤدي التواصل السليم إلى تأسيس ممارسة التحرر والوعي الحقيقي، بينما يمكن أن يؤدي التواصل المشوه إلى إيجاد وعي كاذب. إن التواصل السليم يبرز دور العقلانية الرئيسي، وتعتبر نظرية الاتصال من إسهامات هابرماس الهامة في النظريات الاجتماعية .
وسيكون المجتمع العقلاني هو المجتمع الذي يسمح لكل من النظام وعالم الحياة بترشيدهما بطريقتهما الخاصة، باتباع منطقهما الخاص، وسوف يؤدي ترشيد النظام وعالم الحياة إلى مجتمع يتمتع بالوفرة المادية والتحكم في بيئاته نتيجة للأنظمة العقلانية والحقيقة والخير والجمال النابع من عالم يشبه العقلاني، ولكن ما حدث اليوم هو أن عقلانية النظام قد استعمرت أو خضعت لعقلانية عالم الحياة، وهذا مختلف عن عقلانية الدولة، حيث أنه في الممارسة العملية فقد أصبح عالم الحياة تابعا لعقلانية الدولة أو النظام، وهذا ليس الحداثة .
النظرية النقدية عند هابرماس
ظهرت المدرسة النقدية في ألمانيا في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، وانتقلت إلى نيويورك خلال المرحلة النازية، ثم استقرت في فرانكفورت مرة أخرى في عام 1950، وتأثرت ونقدت أعضاء المدرسة، بمن فيهم هابرماس، فيما يتعلق بالثقافة الحديثة والمجتمع وتعسفات وضغوطات الفاشية. وظهرت النظرية النقدية كرد فعل على الوضعية التي كان يمثلها أوجست كونت، والتي تعني دراسة الظواهر الاجتماعية بطريقة علمية موضوعية تجريبية .
استخدم أصحاب المدرسة النقدية الملاحظة والتكرار والتجربة لوصف الظواهر بدون تفسيرها، وهاجموا بشكل عام سعي الوضعية إلى تحقيق المعرفة العلمية وإخفاء الحقائق والتلاعب بالمعنى الجوهري للظواهر الاجتماعية .
كتب عن هابرماس
1- التحول الهيكلي للمجال العام (1962)
2- النظرية والتطبيق (1963)
3- حول منطق العلوم الاجتماعية (1967)
4- نحو مجتمع عقلاني (1967)
5- التكنولوجيا والعلوم كأيديولوجيا (1968)
6- المعرفة والاهتمامات الإنسانية (1971 )
7- أزمة الشرعية (1975)
8- الاتصالات وتطور المجتمع (1976)
9- في براغماتية التفاعل الاجتماعي (1976)
10- نظرية العمل التواصلي (1981)
11- الوعي الأخلاقي والعمل التواصلي (1983)
12- الملامح الفلسفية والسياسية (1983)
13- الخطاب الفلسفي للحداثة (1985)
14- التفكير ما بعد الفيزيائي (1988)
15- التبرير والتطبيق (1991)
وفاة هابرماس
لا يزال هابرماس حيًا، ويبلغ من العمر الآن 90 عامًا، حيث وُلد في عام 1929م .