قصيدة إن الذي ملأ اللُغاتِ مَحاسِنًا
من هو الشاعر احمد شوقي
ولد احمد شوقي في فترة حكم الخديوي اسماعيل، وخلال فترة حكم الخديوي، برزت الطبقة البرجوازية التي حاولت ان تأخذ مكانًا بين القصر والانجليز، وقادت هذه الطبقة نواحي التغيير الفكري والاجتماعي في مصر، وفي وسط هذه الاجواء وولد شوقي من اسرة فيها دماء عربية وتركية وكردية ويونانية
درس شوقي الحقوق وكان متأثرًا بالشعر بشكل عام دون التمسك بمذهب شعري محدد، وأبدى إعجابه بثلاثة شعراء فرنسيين مختلفي المذاهب وهم فيكتور هوجو، الفرد دي موسيه، ولامرتين، ولكن مع تقدمه في العمر، افتقد إلى شعراء اللغة العربية أكثر من غيرهم.
شعر احمد شوقي
إن شعر احمد شوفي ساهم في إحياء الشعر العربي واستمر في اكمال المرحلة التي بدأها الباردوي من قبله، واصبحت الجملة الشعرية في عهده اصفى لغةً واثرى خيالًا واقوى تركيبًا، ولم يتخلى عن التراث القديم في شعره، إنما وظف التراث مع الوجدان ومصادر العروبة والتمسك باللغة العربية الاصيلة ليصبح امير الشعراء العرب سنة 1927م
كما ان شوقي كان يشتهر بالشعر الوطني الذي يمدح فيه مصر والشعر الإسلامي والشعر الغزلي الدنيوي، حتى ان البعض اتهمه بالازداوجية لانه تارةً يبدو بمظهر المؤمن الزاهد وتارةً يبدو بمظهر العاشق الذي تساوي متاع الدنيا لديه كل شيء، لكن إن امعننا التفكير بهذا الامر نجد انه طبيعي، فحياة الشاعر او الإنسان فيها العديد من الجوانب، فتارةً يكون الإنسان الذي يحيا حياته الخاصة ويحب وتارةً يكون الإنسان الذي يهتم بقضايا المجتمع وقضايا الامة الإسلامية ولكننا لسنا بصدد مناقشة هذا الجانب من شعره
بناء وخصائص اشعار احمد شوقي
أثناء تصفح ديوان أحمد شوقي الشوقيات، نلاحظ أن قصائده تشبه القصور المبنية بشكل جيد، إذ إنها تمثل بناء ضخما لا توجد فيه شذوذ، وبلغته محمكة، ومبدع في الحكم، والتعبير عن شعر أحمد شوقي يشبه العمارة الباذخة، وهو يشبه العمل الفني الموسيقي
ومن الاسس المكونة في الصناعة الشعرية عند شوقي الخيال المتألق، فكان واسع الخيال غني التصوير، وشعر احمد شوقي رائع للغاية، لانه عرف كيف يجسم الصورة وكيف يركبها وكيف يحشد اجزائها، وعناصرها، وكاد احمد شوقي ينكر نفسه في شعره، فهو ليس كباقي الشعراء الذين تجد لديهم حدة المشاعر والعواطف، وهذا ما جعل العقاد يقول عنه:
في شوقي ازدادت مهارة الأداء الشعري إلى أعلى مستوياتها، وتراجعت تفاصيل الشخصية إلى درجة لا تكشف أي ملامح أو خصائص تميز الإنسان عن الآخرين، والأداء الشعري لا يتبع نهجا واحدا بل هناك منه ما هو فارغ ولا يرتبط بالمضمون والمعنى، ولا يحوي سوى كلمات مزيفة وتقليد بلا حس وذوق ومهارة، ومنه ما يقترب من الطبيعة، ولا يوجد فيه دليل على شخصية الشاعر أو طبعه، وتميز شوقي بأسلوبه الشعري في جميع قصائده، فإذا قرأتها بأكملها وحاولت استخلاص شخصية تختلف عن الآخرين، ستجد صعوبة في العثور عليها.
ليس الهدف من شعر أحمد شوقي إثارة العواطف أو التعبير الفردي، بل هو تعبير اجتماعي، فقد كتب قصيدة “نارة نجد” عن اللغة العربية، وكتب أيضا قصائد عن الأخلاق والمجتمع، وكان ماهرا في النقد الاجتماعي والحكم، ورغم ذلك فإن شعره ليس بلا مشاعر، ولكنه يعد واحدا من الشعراء غير الذين يعيشون لأنفسهم، ولهذا السبب ارتفع شأنه عندما ركز على المواضيع الخارجية وعاش من أجل الآخرين.
قصيدة إن الذي ملأ اللُغاتِ مَحاسِناً او قف ناج اهرام الجلال وناد
هذه القصيدة تحتوي على أبيات تعتبر من أجمل ما قيل في مدح اللغة العربية
قِف ناجِ أَهرامَ الجَلالِ وَنادِ
هَل مِن بُناتِكَ مَجلِسٌ أَو نادِ
نَشكو وَنَفزَعُ فيهِ بَينَ عُيونِهِم
إِنَّ الأُبُوَّةَ مَفزِعُ الأَولادِ
وَنَبُثُّهُم عَبَثَ الهَوى بِتُراثِهِم
مِن كُلِّ مُلقٍ لِلهَوى بِقِيادِ
وَنُبينُ كَيفَ تَفَرَّقَ الإِخوانُ في
وَقتِ البَلاءِ تَفَرُّقَ الأَضدادِ
إِنَّ المَغالِطَ في الحَقيقَةِ نَفسَهُ
باغٍ عَلى النَفسِ الضَعيفَةِ عادِ
قُل لِلأَعاجيبِ الثَلاثِ مَقالَةً
مِن هاتِفٍ بِمَكانِهِنَّ وَشادِ
لِلَّهِ أَنتِ فَما رَأَيتُ عَلى الصَفا
هَذا الجَلالَ وَلا عَلى الأَوتادِ
لَكِ كَالمَعابِدِ رَوعَةٌ قُدسِيَّةٌ
وَعَلَيكِ روحانِيَّةُ العُبّادِ
أُسِّستِ مِن أَحلامِهِم بِقَواعِدٍ
وَرُفِعتِ مِن أَخلاقِهِم بِعِمادِ
تِلكَ الرِمالُ بِجانِبَيكِ بَقِيَّةٌ
مِن نِعمَةٍ وَسَماحَةٍ وَرَمادِ
إِن نَحنُ أَكرَمنا النَزيلَ حِيالَها
فَالضَيفُ عِندَكِ مَوضِعُ الإِرفادِ
هَذا الأَمينُ بِحائِطَيكِ مُطَوِّفاً
مُتَقَدِّمَ الحُجّاجِ وَالوُفّادِ
إِن يَعدُهُ مِنكِ الخُلودُ فَشَعرُهُ
باقٍ وَلَيسَ بَيانُهُ لِنَفادِ
إيهِ أَمينُ لَمَستَ كُلَّ مُحَجَّبٍ
في الحُسنِ مِن أَثَرِ العُقولِ وَبادي
قُم قَبِّلِ الأَحجارَ وَالأَيدي الَّتي
أَخَذَت لَها عَهداً مِنَ الآبادِ
وَخُذِ النُبوغَ عَنِ الكِنانَةِ إِنَّها
مَهدُ الشُموسِ وَمَسقَطُ الآرادِ
إن لم تكن أم القرى، فهي أم القرى
وَمَثابَةُ الأَعيانِ وَالأَفرادِ
مازالَ يَغشى الشَرقَ مِن لَمَحاتِها
في كُلِّ مُظلِمَةٍ شُعاعٌ هادي
رَفَعوا لَكَ الرَيحانَ كَاِسمِكَ طَيِّباً
إِنَّ العَمارَ تَحِيَّةُ الأَمجادِ
وَتَخَيَّروا لِلمِهرَجانِ مَكانَهُ
وَجَعَلتُ مَوضِعَ الاِحتِفاءِ فُؤادي
سَلَفَ الزَمانُ عَلى المَوَدَّةِ بَينَنا
سَنَواتُ صَحوٍ بَل سَناتُ رُقادِ
وَإِذا جَمَعتَ الطَيِّباتِ رَدَدتَها
لِعَتيقِ خَمرٍ أَو قَديمِ وِدادِ
يا نَجمَ سورِيّا وَلَستَ بِأَوَّلٍ
ماذا نَمَت مِن نَيِّرٍ وَقّادِ
أُطلُع عَلى يَمَنٍ بِيُمنِكَ في غَدٍ
وَتَجَلَّ بَعدَ غَدٍ عَلى بَغدادِ
وَأَجِل خَيالَكَ في طُلولِ مَمالِكٍ
مِمّا تَجوبُ وَفي رُسومِ بِلادِ
وَسَلِ القُبورَ وَلا أَقولُ سَلِ القُرى
هَل مِن رَبيعَةَ حاضِرٌ أَو بادي
سَتَرى الدِيارَ مِنِ اِختِلافِ أُمورِها
نَطَقَ البَعيرُ بِها وَعَيَّ الحادي
قَضَّيتَ أَيّامَ الشَبابِ بِعالَمٍ
لَبِسَ السِنينَ قَشيبَةَ الأَبرادِ
وَلَدَ البَدائِعَ وَالرَوائِعَ كُلَّها
وَعَدَتهُ أَن يَلِدَ البَيانَ عُوادي
لَم يَختَرِع شَيطانَ حَسّانٍ وَلَم
تُخرِج مَصانِعُهُ لِسانَ زِيادِ
اللَهُ كَرَّمَ بِالبَيانِ عِصابَةً
في العالَمينَ عَزيزَةَ الميلادِ
هوميرُ أَحدَثُ مِن قُرونٍ بَعدَهُ
شِعراً وَإِن لَم تَخلُ مِن آحادِ
وَالشِعرُ في حَيثُ النُفوسِ تَلَذُّهُ
لا في الجَديدِ وَلا القَديمِ العادي
حَقُّ العَشيرَةِ في نُبوغِكَ أَوَّلٌ
فَاِنظُر لَعَلَّكَ بِالعَشيرَةِ بادي
لَم يَكفِهِم شَطرُ النُبوغِ فَزُدهُمُ
إِن كُنتَ بِالشَطرَينِ غَيرَ جَوادِ
أَو دَع لِسانَكَ وَاللُغاتِ فَرُبَّما
غَنّى الأَصيلُ بِمَنطِقِ الأَجدادِ
إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِناً
جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضادِ
اهتمام الشاعر بالقضايا العامة
يعتبر شعر أحمد شوقي في نجد أنه ترك اهتمامه بالمشاعر الشخصية وانصرف إلى مدح اللغة العربية، وكتب أشعارا جميلة عنها، وشارك مصر والعالم العربي في مشاعرهما الوطنية الحالية، وعبر عنها بتعبير حيوي. ولو لم يتخلى عن ذاته الفردية، لما اهتم بهذه القضايا الوطنية والتاريخية التي أصبحت مادة لشعره الراقي. وكان شوقي مستمرا في التفكير في شؤون الوطن، وكان يعلق على الحوادث الجارية بشعره الرائع، وكان يستخدم الأحداث العامة كمصدر للإلهام لكتابة قصائده.