ادب

قصة مجزرة جونستاون في غويانا

هناك الكثير من القصص المأساوية التي تحفر أحداثها في ذاكرة التاريخ، وذلك لما تمثله من صورة مليئة بصنوف الألم والعذاب، وخاصة عندما يرتبط الأمر بالمعتقدات الدينية أو السياسية. يرتفع عدد الضحايا بشكل كبير في هذه الحالات، وهذا ما حدث في مجزرة جونستاون التي وقعت في دولة غيانا عام 1978، حيث خلفت المجزرة مئات القتلى الذين انتحروا جميعا امتثالا لأوامر قائدهم الذي رسم لهم هذا المخطط البشع، لتصبح تلك الحادثة واحدة من أكبر الكوارث التي حدثت في أمريكا.

جدول المحتويات

جيم جونز مؤسس كنيسة الشعب

كان جيم جونز رجلا أمريكيا مغمورا في الأحلام والأوهام؛ إذ كان مؤمنا بمبادئ الشيوعية وأفكارها، مما دفعه لإنشاء طائفة دينية تجمع بين جميع الطوائف دون تمييز، وأطلق عليها اسم “كنيسة الشعب” في عام 1956م. نجح جونز في ترويج أفكاره بين بعض الجماعات المسيحية من السود والبيض، حيث حظيت أفكاره بقبول واسع النطاق، خاصة في جماعة مسيحية من السود المعروفة بالخمسينية. كانت دعوته تهدف إلى مكافحة العنصرية والتمييز الذي كان متفشيا في الولايات المتحدة الأمريكية بقوة. بدأ جونز كحمامة سلام وأمل، حيث بدأ بمساعدة الفقراء ونشر المحبة والتكامل بين الجميع، ولكنه سرعان ما تحول إلى طاغية يطالب بالانقياد لجميع الأوامر.

ذهب جونز وأتباعه الأوائل إلى شمال كاليفورنيا وأسسوا مقرا رسميا لجماعتهم بعد أن ازداد عددهم في سان فرانسيسكو. في البداية، بدا جونز كرجل تقي، لكن وراء هذه الشخصية كانت ملامح أخرى لرجل يعاني من اضطراب نفسي. كان يعتقد نفسه في بعض الأحيان المسيح، وأحيانا يرى نفسه إلها بشريا. كان أتباعه يؤمنون بأفكاره المسمومة، حيث اعتبروه المنقذ الوحيد من الكوارث المحتملة. وبسبب اعتقادهم به، صدقوا مزاعمه بأنهم يتعرضون للاضطهاد من قبل الشرطة والحكومة. وبناء على ذلك، انتقلوا معه إلى أمريكا الجنوبية، وتحديدا إلى غابة معزولة في غويانا. هناك أسسوا مستوطنة وسموها مدينة جونز أو جونستاون .

مجزرة جونستاون

تحولت مدينة جونستاون إلى سجن ضيق مكتظ بالسكان. كانت بيوت الإيواء ضيقة جدا، مما دفع العشرات للنوم في أماكن غير إنسانية. تم فصل الأزواج عن بعضهم البعض، واضطر الجميع للعمل في ظروف قاسية. ولذلك، أراد بعضهم المغادرة، ولكنهم كانوا عبيدا لجونز الذي لم يسمح لهم بمغادرة المعبد الذي أسسه. ووصلت أنباء عن معاناة هذه الجماعة إلى الحكومة الأمريكية، مما دفع النائب الأمريكي ليو رايان إلى زيارة المستوطنة والتحقق من وجود أشخاص يرغبون في المغادرة دون علم جون.

أخذ النائب رايان بعض المتضررين معه على متن شاحنة كانت بحوزته. تعرضت الشاحنة لمحاولة قتل من قبل أحد أعضاء الجماعة، ولم ينجح في ذلك في هذا الوقت. ومع ذلك، نجحت المحاولة الثانية عند وصولهم إلى المطار، حيث تعرضوا لإطلاق النار وتوفي خمسة أشخاص على الفور، بما في ذلك النائب رايان. دعا جونز أتباعه إلى اجتماع عاجل ليطلب منهم القيام بأعمال بطولية لأجل أنفسهم، حيث حذرهم من خطر وصول رجال الشرطة إليهم، خاصة بعد التأكد من مقتل رايان.

أقنع جونز أتباعه بأن العذاب ينتظرهم؛ حيث لن ترحم الشرطة صغارهم أو عجائزهم. ولذلك، طلب منهم الانتحار الجماعي. وبالفعل، امتثل الجميع للأمر. تم استخدام سم السيانيد وحامض الفاليوم للانتحار. تم قتل الأطفال أولا عن طريق حقنهم بالخليط السام، ثم تبعتهم الأمهات والرجال، وانتهت الأمور في خمس دقائق. سجل عدد المنتحرين رقما قياسيا يفوق 900 شخص في عام 1978. أما جونز، فأنهى حياته بنفسه برصاصة في رأسه. تمكن عدد قليل من الأشخاص من النجاة من هذه الكارثة عن طريق الهرب عبر الأدغال أو الاختباء في بعض المستوطنات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى