مواصفات نهر الكوثر
وصل القرآن الكريم، وهو يحمل البشرى للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، بإشارتهم إلى جنات النعيم التي تحتوي على ما لا يمكن للعين أن ترى والأذن أن تسمع، وحتى القلب لم يتخيل ما يحتويه. وقد أوجد الله تعالى نبيه الكريم أكثر الخلق عظمة في الدنيا والآخرة، فهو أعظم الخلائق وأفضل البشر، عليه أفضل الصلاة والسلام. ومن البشرى التي أعطاها الله هو نهر الكوثر الموجود في الجنة، وجماله يتفوق على قدرة البشر على التصور.
ما هو الكوثر
كلمة الكوثر في اللغة تدور حول معنى الكثرة والتكثير ، أما اصطلاحًا من الناحية الشرعية فقد اختلف العلماء في ذلك ؛ فانقسموا إلى قولين ، والقول الأول يشير إلى أن الكوثر هو نهر في الجنة منحه الله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام ، واستدل أصحاب هذا الرأي بما قاله النبي حينما ظهر أمام أصحابه مبتسمًا ؛ فسألوه عن سبب ضحكه ؛ فقال لهم صلّ الله عليه وسلم “ إنَّهُ أُنْزِلَت عليَّ آنفًا سورةٌ فقرأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) حتَّى ختمَها ثم قالَ لهم : هَل تَدرونَ ما الكَوثرُ ، قالوا اللَّهُ ورسولُهُ أعلَمُ ، قالَ هوَ نَهْرٌ أعطانيهِ ربِّي عزَّ وجلَّ في الجنَّةِ علَيهِ خيرٌ كثيرٌ ترِدُ علَيهِ أمَّتي يومَ القيامةِ آنيتُهُ عدَدُ الكواكِبِ يُختَلَجُ العَبدُ منهم ، فأقولُ يا ربِّ إنَّهُ مِن أمَّتي فيقالُ لي إنَّكَ لا تَدري ما أحدَثوا بَعدَكَ”.
يشير القول الثاني إلى أن الكوثر هو حوض كبير يتدفق الماء فيه من نهر الكوثر، ويطلق عليه اسم حوض الكوثر، وسيكون هذا الحوض موجودا في يوم القيامة بأرض المحشر لأمة الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد اختلف العلماء فيما إذا كان الكوثر الذي منحه الله لنبيه هو النهر نفسه أم الخير الذي يحتويه، ولكن هناك اتفاق بينهم على أن الكوثر هو بشرى صادقة تحمل الخير لنبي الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
صفات نهر الكوثر
لقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما سُئلت عن قوله تعالى “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ” ؛ أنها قالت “هو نهر أعطيه نبيكم صلّ الله عليه وسلم وشاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم” ، وقد ذُكرت بعض الصفات المتعلقة بالكوثر في السُنة النبوية على الرغم من اختلاف العلماء في بيان حقيقته ، ومن هذه الصفات :
هو نهر في الجنة يكون جانباه من اللؤلؤ المجوف ، بينما يكون ترابه من المسك ؛ حيث قال النبي صلّ الله عليه وسلم “أُعطِيتُ الكَوْثرَ ، فإذا هو نَهَرٌ يَجري كذا على وَجهِ الأرضِ ، حافَتاهُ قِبابُ اللُّؤلُؤِ ، ليس مَشْقوقاً ، فضَرَبتُ بِيَدي إلى تُرْبَتِه ، فإذا مِسْكةٌ ذَفِرةٌ ، وإذا حَصاهُ اللُّؤلُؤُ”
يتميز الماء الموجود في الكوثر بالبياض الشديد أكثر من اللبن، وطعمه الأحلى أكثر من العسل، ورائحته الأطيب أكثر من رائحة المسك، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: `أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل`، وكذلك قال: `ورائحته أطيب من المسك`
تحتوي الكوثر على قناتين تصب في الحوض الموجود في أرض المحشر، ويدل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: `يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة`
الكوثر يجري بلا شقوق بفضل قدرة الخالق سبحانه وتعالى، وقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه غير مشقوق.
سبب نزول سورة الكوثر
لقد ذكر في سبب نزول سورة الكوثر حسب رواية عبد الله بن عباس، وهي الرواية الأكثر صحة، أن السورة نزلت في العاص بن وائل، عندما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه الأبتر. وقد توفي ابن النبي عبد الله قبل ذلك، وكانوا يطلقون على من ليس لديه ابن اسم “الأبتر.” وعندما رأى العاص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخرج من المسجد ودخل هو، التقى به عند باب بني سهم وتحدثا. وكان بعض أشخاص قريش يجلسون في المسجد. عندما دخل العاص، سألوه عن الشخص الذي كان يتحدث معه، فقال لهم العاص: “ذاك الأبتر”، وهو يشير إلى النبي الذي توفي ابنه عبد الله قبل ذلك، وكانوا يسمون من ليس لديه ابن “أبتر”، فنزل الله تعالى هذه السورة.