فوائد تربوية من سورة الماعون
سورة الماعون هي إحدى السور المفصلة التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل سورة الكافرون وبعد سورة التكاثر، وتأتي ترتيبا 107 في المصحف العثماني. تقع في الربع الثامن من الحزب الستين في الجزء الثلاثين، وعدد آياتها سبع آيات. هناك اختلاف في تحديد ما إذا كانت سورة مكية أو مدنية، والاحتمال الأكبر أنها مكية، ولكن ابن عباس وقتادة يرون أنها مدنية. فالآيات الأولى منها مكية والباقي مدني، وتدور جميع آياتها حول فئتين من الناس، وهما المنافقون والكفار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
سبب نزول سورة الماعون
أوضح أهل العلم، بمن فيهم الكلبي ومقاتل، أن الآية التي تقول `أرأيت الذي يكذب بالدين` نزلت في مكة على العاص بن وائل السهمي، وقيل أن السورة نزلت في أبي سفيان بن حرب. وذلك أثناء أنه كان ينحر كل أسبوع جزورين الإبل، وفي يوم من الأيام جاء إليه يتيم يطلب شيئا من لحم الجذور. فأعرض عنه أبو سفيان وضربه بالعصا. وفي ذلك الوقت نزلت الآيات الكريمة التي تتحدث عن تكذيب يوم الدين وسوء معاملة الأيتام.
فوائد سورة الماعون
لسورة الماعون الفضل الخاص بكافة سور القرآن، فلم تكن لها أحاديث مخصصة عن فضل لها، ففضلها فضل ثواب التلاوة أي الحرف بعشر حسنات، فعند قراءتها في النوافل والفرائض ينال العبد القبول وعدم الحساب في الآخرة وأيضًا أن قارئها مائة مرة بعد صلاة الفجر يكن في حفظ الله حتى الفجر التالي والعديد من الأفضال الموضوعة.
تفسير سورة الماعون
تكشف سورة الماعون عن حالة المنافقين الذين يظهرون شيئا ويخفون آخر في قلوبهم. إن أفعالهم تكذب ادعاءاتهم، حيث يدعون أنهم مسلمون ويصلون، ولكن صلواتهم تكون مجرد تظاهر ورغبة في الشهرة، ولا تحمل أي خشوع أو توبة. تظهر أعمالهم نفاق قلوبهم، فهم يظهرون قسوة تجاه الأيتام والمساكين، ولا ينبغي لأفعالهم الطيبة أن تكسر قلوبهم. تحذر السورة من سوء الأخلاق، حيث تفصل العديد من الجوانب، بما في ذلك الكذب في الدين، واستغلال حق اليتيم، وتشجيع إطعام المساكين، والتقصير في أداء الصلاة، والتظاهر وصفات المنافقين.
معاني كلمات سورة الماعون
ـ التكذيب بالدين، شرع الله سبحانه وتعالى الكثير من الأحكام التي يتعين بها على العبد أن يلتزم بها، ومنها صدق التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، وتسليمه له وانقياده لمولاه، وعليه أن يلتزم بها ولا ينكرها، وذلك مصداقًا لقوله ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].
ـ حق اليتيم، حث الإسلام على رعاية حقوق اليتامى والمحافظة عليها؛ ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة:220]، وتُعد تلك الوصية هي الأفضل للصالحين، فاليتامى هم أمانة عند الله تعالى تعهد بحفظها وأوصى الصالحين بالمحافظة على تلك الوديعة.
يحث الله سبحانه وتعالى على إطعام المساكين، ولم يذم المنافقين عند منعهم من إطعام المساكين، ولكنه ذم عدم الحض على ذلك وحث الآخرين على فعل الخير، كما جاء في كتابه: “وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ” [الفجر: 18].
ـ السهو عن الصلاة، يتميز المنافق في صلاته بأنه لا يحرص أن يصليها في أول وقتها، وهو لا يخشع في أدائها وينتهي منها بسرعة، فلا يذكر الله إلا قليلًا، وكثيرًا ما يتكاسل عن إقامتها بالمسجد جماعة، وإذا صلاة جماعة فإنه يصليها رياء، يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 142، 143].
ـ الرياء، ضرب الله سبحانه وتعالى مثالين رائعين للرياء، فالأول أنه شبه عمل المرائي الذي يبتغي الشهرة والسمعة والثناء الحسن من الناس، ولا يبتغي بعمله وجه ربه سبحانه وتعالى، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين ﴾ [البقرة: 264].
ـ الماعون، يقول ابن كثير أي لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، وتكون هناك دلالة واضحة على أن صفات المنافقين النهي عن المعروف، لقوله سبحانه: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67].