قصة اصحاب الغار الذين دعوا الله دعاء المضطر
في حالة تعرض الإنسان لابتلاء عظيم وكارثة كبيرة، فإنه في أشد الحاجة إلى الله تعالى، ليتمكن من تخفيف هذه المصيبة التي ألمت به. في هذه اللحظة، يتوجه الإنسان بثقة ويقين إلى ربه، يدعوه باستجابة المضطر الذي يعاني في الدنيا، ويستمع الله إلى عباده المخلصين الذين يحملون في قلوبهم الثقة واليقين بقدرة المولى عز وجل، تماما كما فعل أصحاب الغار عندما تعرضوا للكارثة، حيث توجهوا إلى ربهم بالدعاء الصادق نظرا لشدة حاجتهم إلى قدرة الله تعالى.
قصة أصحاب الغار ودعاء المضطر
تحكي قصة أصحاب الغار عن ثلاثة رجال خرجوا وابتعدوا عن منازلهم، وبينما كانوا هناك، هطلت أمطار غزيرة ولم يجدوا مأوى آخر سوى غار قريب منهم. دخلوا الغار، ولكن جرفت السيول صخرة كبيرة من الجبل أغلقت باب الغار أمامهم. وجدوا أن جميع الطرق قد انقطعت أمامهم وأغلقت الأبواب في وجوههم. لم يتمكنوا من تحريك هذه الصخرة، ولن يعلم أحد عن وجودهم، ولكنهم كانوا على يقين أن باب الله مفتوح ولا يغلق، وأن قوته أعلى من أي قوة.
شخص طلب من آخرين أن يتوسلوا إلى الله تعالى بالدعاء للمضطر، وفي هذا الدعاء يطلب رضى ربه بفعل أكثر الأعمال الصالحة التي قام بها لوجه الله. فبدأ الشخص الأول في التوسل إلى الله بذكر بره تجاه والديه على مر الزمن وكيفية رعايته لهما منذ صغره، حيث كان يسقيهما الحليب عندما كان صغيرا. وفي يوم ما، تأخر عن عمله وعندما عاد إلى المنزل بعد أن نام والداه، لم يستطع أن يزعجهما أثناء نومهما، بنفس الطريقة التي يكره فيها أن يسقي صغاره الحليب قبلهما. طوال الليل، بقي يحمل الإناء في يده، في انتظار استيقاظ والديه، في حين بكى الصغار عند قدميه يطلبون الطعام حتى طلوع الفجر.
ثم بدأ الثاني في التضرع إلى الله، وعبر عن خوفه الشديد منه سبحانه وتعالى، وأظهر أنه ابتعد عن الأعمال الفاحشة رغم قدرته على ارتكابها وتوفير الفرص لذلك. فكان يحب ابنة عمه بشدة، وأغواها عدة مرات لصالح نفسه، ولكنها رفضت مرارا وتكرارا حتى تعرضت لمشكلة جعلتها تحتاج إليه بشدة. فاضطرت لقبول طلبه مقابل مبلغ نقدي، وعندما جلس معها وتصرف كما لو أنها زوجته، تنبه قلبه للخوف من الله، فابتعد عنها وترك لها المال، ورجا في ذلك رحمة الله تعالى.
الرجل الثالث توسل بأمانته، حيث استأجر عاملا ليعمل له، وعندما انتهى العامل من عمله، عرض الرجل الأجرة عليه، لكنه تجاهلها وتركها دون اهتمام. وعلى الرغم من أن العامل قد قبل هذا الأمر برضا، إلا أن الرجل الثالث حافظ على أجرته واعتنى بها حتى تضاعفت وأصبحت ثروة كبيرة. وعندما عاد العامل بعد مدة طويلة ليطالب بأجرته القديمة، أعطاه كل المال الذي جمعه له. استجاب الله تعالى لهم جميعا، حيث بدأ الصخرة تتحرك قليلا كلما ذكر الدعاء الخاص بهم، وانفتحت الصخرة تماما بعد آخر دعاء، وخرجوا من الكهف دون أي ضرر.
قصة أصحاب الغار في السنة النبوية
وردت قصة أصحاب الغار في السنة النبوية الشريفة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم
قد تحرك ثلاثة أشخاص من الذين كانوا قبلكم حتى وصلوا إلى مغارة للمبيت. دخلوا المغارة وحدثت سقوطة صخرة من الجبل وسدت المدخل عليهم. قالوا: إنه لا يمكن أن تنقذكم من هذه الصخرة إلا إذا دعوتم الله بأعمال صالحة. فقال أحد منهم: اللهم، لدي والدين كبيرين وكنت لا أغلق أبواب العشاء قبلهما ولا أمتنع عنهما الطعام والماء. في يوم ما، انفصلا عني بحثا عن شيء، فلم أسترح حتى ناما. قمت وأعدت لهما وعاء طعامهما، ووجدتهما نائمين. ترددت في إغلاق الباب وتركهما نائمين بدون طعام أو ماء. استمريت في الانتظار حتى استيقظا، وكانت الأطفال يبكون جوعا عند قدمي. استمر ذلك عادتي وعادتهما حتى طلع الفجر وظهر الضوء الأول. استيقظا وشربا طعامهما. اللهم، إذا كان قد فعلت ذلك ابتغاء لوجهك، فافتح لنا مخرجا من هذه الصخرة. فانفتح شيء لا يمكنهم الخروج منه
قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر اللهم كانت لدي بنت عم كانت أعز الناس إلي [ كنت أحب امرأة من بنات عمي كما يحب الرجل النساء بشدة ] فأردتها لنفسي، لكنها رفضتني لمدة سنة، حتى تعبت منها سنة من السنين. ثم جاءتني [وقالت لا تحصل على ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فبذلت جهدي لتجميع هذا المبلغ ] وأعطيتها عشرون ومائة دينار، على شرط أن تنقضي العلاقة بيني وبينها، وفعلت ذلك حتى عندما استطعت الحصول عليها، قالت لي: لا يحق لك أن تفك خاتم الخطوبة إلا بحقه [فقالت: اتق الله ولا تفك خاتم الخطوبة إلا بحقه ] وأحرجتني هذه الكلمات، فتركتها [وقمت وتركتها]، وهي أعز الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إن كنت قد فعلت ذلك ابتغاء لوجهك، فارفع عنا المصاعب التي نواجهها. فانفتحت الصخرة [وانكشفت الأمور لصالحهم]، وأفسح المجال لهم بنسبة الثلثين
قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ثالثة: `اللهم إني استأجرت عمالا وأعطيتهم أجورهم، وكان هناك رجل واحد ترك ما له وذهب. فزادت أمواله من عملهم حتى زادت كثيرا. ثم جاء إلي بعد فترة وقال: يا عبد الله، أعطني أجري. فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي. فقلت له: إني لا أستهزئ بك. فأخذه كله وذهب به. فاستدرقه الله منه حتى لم يتبق له شيء. فقال: اللهم، إن كنت فعلت ذلك ابتغاء لوجهك، فافرج عنا ما نحن فيه. فانفتح الصخرة وخرجوا يمشون`.
الدروس المستفادة من قصة أصحاب الغار
- يتم التوسل إلى الله وحده بالدعاء والاستفسار عن اليقين والإيمان
- يستفيد الإنسان من أعماله الصالحة عندما يصبح في وضع صعب
- التضرع إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة
- يجب تقديم حب الله قبل حب الشهوات والمعاصي
- يتضمن الإخلاص في العمل الصالح وصدق النية والعمل الدؤوب ابتغاء وجهالله.