حرف ومهن الصحابة
يتنفس الصبح ومنذ أن يبزغ الفجر يبدأ الناس في الخروج أفواجاً، حتى يكسبوا أقواتهم ومعايشهم، حيث يتوكل كل الناس على الله طالبين الرزق منه وأن يتغمدهم برحمته ورزقه الذي لا ينفذ، حتى الطير يخرج بطاناً ويغدون خماصاً، وما من أحد يتوكل على الله إلا يقضي عنه حاجته، فالسر هنا هو التوكل على الله والعمل، لطلب الرزق، وكان أهم دليل على أهمية العمل هم الأنبياء والصحابة الكرام، الذين على الرغم من مكانتهم الكبيرة إلا أنهم كانوا يأكلون من قوت أيديهم.
العمل في حياة الصحابة
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم جميعًا يعملون جاهدين لتأمين رزقهم ويسعون للحصول عليه بدون تواكل أو كسل. وكان بعضهم تجارًا بارعين، وكانت هذه مهنتهم الأساسية منذ البداية، ويُشهد على ذلك بسوق عكاظ ومجنة وبنو قينقاع وذو المجاز وحباشة.
نظرًا لأهمية التجارة بالنسبة للعرب في القديم وشهرتهم في الأسواق المختلفة في مكة والبلدان المجاورة، فقد حل الله لهم البيع والتجارة في مواسم الحج، وقال تعالى: “لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ” (سورة البقرة، الآية 189)
كان التجار يتاجرون عبر البحر والبر، وكانوا يتاجرون داخليا وخارجيا. وكان هناك رحلتان شهيرتان تعرف باسم رحلتي الشتاء والصيف، وقد اشتهرت بهما قريش. وفي هاتين الرحلتين نزلت الآية الكريمة: `لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من الجوع وآمنهم من الخوف`.
كانت بعض الصحابة رضوان الله عليهم من التجار الذين كانوا يعملون في التجارة أيام الجاهلية وكانت التجارة من أهم وأشهر الأعمال في العربية، ولكن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقتصروا على هذه المهنة فقط، بل كانوا أيضا يعملون في العديد من المهن المختلفة، بما في ذلك الصناعة والزراعة، وقد احترفوا جميع المهن والأعمال وفقا لموقعهم الذي كانوا فيه.
اشتهر الأنصار بأنهم كانوا مزارعين وأهل بساتين ونخل، ويعود ذلك إلى البيئة التي نشأوا فيها وهي المدينة التي كانت تعتمد على الزراعة، أما المهاجرين فاشتهر عنهم أنهم أهل تجارة ولهم وزن في الأسواق، ويعود ذلك أيضا إلى بيئتهم التي كانت قريش والتي كانت تعمل بشكل رئيسي في التجارة، وبعد الإسلام، كان الناس يعملون في حرف ومهن مختلفة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجعهم على ذلك، لتشجيعهم على العمل الصالح وإعمار الأرض.
قد جعلت هذه الأعمال من أصحاب رسول الله الناس الكرام، الأفياء، المكافحين، والمؤثرين بطريقة إيجابية على الآخرين. ويوجد في الحديث التالي مثال على عزيمتهم العالية وأخلاقهم النبيلة.
حيث قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال : حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال : لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع، قال عبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك؟ أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يوماً وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مهيم ؟ (مهيم: سؤال عن الحالة) » قال : تزوجت ، قال : «كم سقت إليها ؟» قال : نواة من ذهب – أو وزن نواة من ذهب – شك إبراهيم
بعض أعمال الصحابة
كان الصحابة يتميزون بالكد والعمل في مجالات وحرف مختلفة، وهناك بعض الصحابة الذين يستحقون الإشارة إليهم لإلقاء الضوء على أهم المهن التي اشتغلوا بها خلال حياتهم.
توفي سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وترك ثروة ضخمة من التجارة التي كان يعمل بها. كان سيدنا عبد الرحمن يتمتع بالنبل والشرف، حيث كان يصر على التجارة والتنافس مع تجار اليهود في أسواقهم، ويكتسب من عرق جبينه ما يكفي ليؤمن حاجته ويحفظ نفسه وفرجه.
كان الصحابي الجليل خباب بن الأرت يعمل حداداً، وعبد الله بن مسعود كان يعمل راعياً وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص يعمل في صناعة النبال، كان الزبير بن العوام يعمل خياطاً، وبلال بن رباح وعمار بن ياسر كانا خادمين، وكان سلمان الفارسي يعمل مؤبر للنخيل وحلاقاً، وخبيراً في فنون الحرب، والبراء بن عازب وسيدنا زيد بن أرقم كانا يعملان في التجارة.
يُعرف عن عامر بن كريز أنه كان يعمل كجزار، وكان العاص بن هشام رضي الله عنه أخو أبي جهل وكان حدادًا، وكان الوليد بن المغيرة، الذي وُلد من الصحابي الجليل خالد بن الوليد، أيضًا حدادًا، وكان عثمان بن طلحة يعمل كخياط، وكان قيس بن مخرمة أيضًا يعمل كخياط.
يُعرَف أبو سفيان بن حرب ببيع الجلود والزيت، ويُعرَف أمية بن خلف ببيع الأواني والبرم.
حرف ومهن الانبياء والرسل
على الرغم من صعوبة حمل رسالتهم والمهمة الكبيرة التي يحملونها على أكتافهم، إلا أن الأنبياء والرسل لم يكونوا ثقلا على المجتمع ومتابعيهم من المؤمنين، فقد كانوا يعتمدون على أعمالهم الخاصة، وفيما يلي بعض مهن وأسماء الأنبياء الذين صلوات الله عليهم
رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
هو خاتم المرسلين ورسول العالمين الذي حمل الرسالة الأخيرة وصاحب النبوة الأخيرة إلي البشرية، وهو حبيب الله، وعلى الرغم من هذا إلا أنه لم يكن عالة على أحد منذ ولادته فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في التجارة قبل بعثته، ثم تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فأكلت إلي مهمة رعاية تجارتها وأموالها.
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير من يقوم بهذا العمل لأنه كان صادقًا وأمينًا، وكان لقبه عند الكفار قبل نزول الوحي، وفعلًا نمت تجارة السيدة خديجة رضي الله عنها بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان يعمل في رعاية الأغنام في فترة من حياته.
نبي الله إدريس عليه السلام
كان النبي إدريس عليه السلام يعمل في حياكة الثياب والخياطة، وكان أول من خيط الثياب. في السابق، كان الناس يرتدون ملابس مصنوعة من جلود الحيوانات، ولذلك قال الله تعالى في سورة الأنبياء الآية 80: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ).
نبي الله نوح عليه السلام
كان يعمل نجاراً، وهو الذي قام بصناعة السفينة بنفسه، فقد قال تعالي في سورة المؤمنون آية 27 (فأوحينا إليه أنِ اصنعِ الفُلْكَ بأعيُنِنَا ووحْينَا فإذا جاء أمرنا وفَارَ التَّنُّورُ فاسْلُكْ فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلَكَ إلاَّ من سبقَ عليه القولُ منهم ولا تخاطبني في الَّذين ظَلَموا إنَّهم مُغرَقُون).
نبي الله داوود عليه السلام
كان النبي داوود عليه السلام يعمل كحداد، وكانت من معجزاته أن الله كان يلين الحديد بين يديه حتى يتمكن من تشكيله كيفما يشاء، ولذلك كان يعتبر أفضل من يصنع الدروع والأسلحة، كما ذكر الله في سورة سبأ الآية 10: “وَأَلَّنَّا لَهُ الْحَدِيدَ.
المراجع
- رواه البخاري
- سورة قريش الآيات 1-4
- كتاب قصص الأنبياء
- كتاب حياة الصحابة
- سورة المؤمنون الأية 27
- سورة سبأ الأية 10
- سورة الأنبياء الأية 80
- سورة البقرة الأية 189