القصواء واحفادها
ما أعظم الشرف الذي حظيت به هذه الشخصيات النبيلة، إذ رافقت خير خلق الله في هجرته وحتى في مختلف مواقف حياته. شاركت أرفق خلق الله تعالى وأرقهم قلبا. بدأت قصة الشرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة، عندما جاء سيدنا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه وأرضاه لينطلق معه إلى المدينة المنورة، تاركين وطنهم في مكة ومعاناتهم مع أهلها وذلك من أجل نشر دين الله تعالى في جميع الأرجاء. هذا هو أول يوم للشرف مع أكرم الخلق، ومن ثم رافقته في رحلاته المهمة التي قام بها. فما أعظم شرف الاقتراب منه في تلك الأوقات .
عانى صلوات الله عليه وسلامه الكثير والكثير من أجل إعلاء شأن الدين الإسلامي الحنيف ومن أشد أنواع المعاناة محاربة أهله وذويه له ليمنعوه عن نشر الدعوة الإسلامية كما أنهم قدموا له العديد من الاغراءات لكي يتخلى عما يريد لكنه اختار طريق الدعوة إلى الله وترك الظلم والجهل والعدوان إلى النور والهداية ، ولحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم له كانوا يبجلون كذلك كل ما يخصه من أمور حتى دابته وراحلته كانوا رضوان الله عليهم يكرمونها أي إكرام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكن لها حبا حتى أنه دافع عنها يوم أن بركت في صلح الحديبية فاتهما البعض أنها حزنت لكن النبي الكريم قال مدافعا عنها والله ما حزنت لكن حبسها حابس الفيل ، أي أنها مأمورة بذلك فهو يعلم ما تكن ويعي جيدا معنى كل تصرف منها لذا دافع عنها أمام أصحابه .
ما معنى القصواء
يطلق اسم القصواء ويقصد بهذا الاسم البعير أو الناقة التي يتم قطع جزء من أذنها، وذلك يأتي من معنى القصواء في اللغة. أما في المفهوم الاصطلاحي، فإن اسم القصواء يعني تلك الناقة أو البعير التي يبعده مالكه عن الأعمال التي تتطلب مجهودا كبيرا أو الرعي. وبذلك يكون لها مكانة مرموقة، حيث لا يرغب صاحبها في تعريضها للتعب في الأعمال التي تستنزف طاقتها. وبهذا الاسم يهدف المالك إلى أن تكون الناقة أو البعيرة في العينين طوال الوقت ليعتني بها ويحرص عليها. ولذلك قصى النبي صلى الله عليه وسلم ناقته الجليلة القصواء عن العمل، وسميت بذلك الاسم تكريما وتبجيلا له .
وصف ناقة القصواء
القصواء كانت من الحيوانات المحببة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك لأنها كانت تتمتع بالأصالة وتتميز بسرعتها وقوتها مقارنة بأي حيوان آخر. لذلك، شهدت القصواء الأحداث الهامة مع الرسول الكريم، مثل صلح الحديبية وفتح مكة وخطبة الوداع الأخيرة. كان النبي يوصي أتباعه بالاهتمام بهذه الحيوانات ورعايتها، وشهدت القصواء جميع هذه الأحداث برفقته. لذلك، كانت تحتل مكانة عظيمة، حتى بعد وفاته، ولا يزال أحفاده يحترمونها ويكرمونها تكريما لجدتهم القصواء .
وروي في صحيح البخاري من حديث عائشة : يُقال أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى راحلته المستخدمة للهجرة من أبي بكر الصديق، وكانت هناك راحلتان اشتراهما أبو بكر، فجاء بهما وقال للنبي: “فخذ إحداهما يا رسول الله من راحلتي هاتين”، فقال النبي: “بالثمن”، وقالت عائشة: “فجهزناهما بأحدث المعدات .
وهي نفس الشجرة التي ساهمت في اختيار موقع المسجد النبوي، عندما باركت في ذلك الموقع الذي كان يملكه الغلامان اليتيمان ليصبح المسجد الطاهر الذي يتوافد إليه المسلمون من مختلف أنحاء العالم لزيارته وزيارة رسولنا الكريم .
وصف سيدنا سعيد بن المسيب الناقة بأنها كانت سريعة جدًا ولا يمكن لأي ناقة أخرى أن تتفوق عليها، كان لونها أحمر مائل إلى الأبيض والأسود، ولكنها تقترب من اللون الأبيض، وقد ولدت في منطقة تسمى مضارب في شبه الجزيرة العربية .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل معها بلطف تام ولا يفوق طاقتها، ولم يعنفها أو يضربها في أي وقت من حياته. وقد حصلت لها العديد من المواقف المعجزات، مثل وقوفها في مكان الحديبية وعدم تحركها، حيث قام النبي صلى الله عليه وسلم بتفسير ذلك بأنها مأمورة. ومن بين العلامات الأخرى، فإنها أظهرت بركتها في قطعة الأرض التابعة للغلامين اليتيمين عند اختيار موقع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المنطقة .
هذه الناقة الشريفة كانت تحمل الرسول الكريم خلال حجة الوداع، وقد وصل بها إلى عرفات ليقضي يومه فيها. كما كانت تقله في المزدلفة، وعلى ظهرها ألقى خطبته الخالدة التي شرح فيها أمور دين المسلمين. وقد قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى عرفة، ووجد القبة التي أقيمت له بنمرة، وأمضى وقته هناك حتى غروب الشمس، ثم أمر بالقصواء وانطلق .
القصواء والهجرة
بعدما جاء بها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه إلى الرسول أبى صلوات الله عليه وسلامه إلا أن يدفع ثمنها ، وبعد المشاورة قرر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق الهجرة على أن تكون ليلا في فترة المحاق لكيلا يراهم أحد من المشركين فيتبعهم ، وكان الدليل عبد الله بن أريقط لأنه كان عالما بالطريق بين مكة والمدينة ، كان الطريق وعرا وذلك لأنهم سلكوا الطريق الأصعب ، حتى أن القصواء تشقق قدمها من صعوبة الطريق وقسوته ، حتى أن سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه استعان بصديق له لكي يطلب منه زاد وماء وناقة أخرى تساعدهم على السير بعد تعب القصواء والناقة الأخرى ، وأتى له صاحبه بقربة من الحليب وناقة ، كما طلب منه دليل آخر غير عبدالله بن أريقط .
تعرضت القصواء والناقة الأخرى لمعاناة شديدة خلال تلك الرحلة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق، حيث تعرجت القصواء من شدة الألم وصعوبة الطريق التي ساروا عليها خوفًا من المشركين .
تميّزت القصواء بعد رحلة الهجرة النبوية عن أي ناقة أخرى، حيث أصبحت من النوق الهامة التي اهتمّ بها المؤرخون بشكل خاص، وتعد الهجرة النبوية من الأحداث الهامة في التاريخ الإسلامي، حيث كانت الخطوة الأولى في بناء دولة المسلمين .
القصواء واحفادها
مثل القصواء نال أحفادها مكانة عظيمة بين الناس تكريما لجدتهم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينتشر الأحفاد الآن بين الركب ويكأنهم يتفقدون أثر جدتهم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلك التي جعلتهم ينالون تلك الشهرة الكبيرة ، يعمل الناس الأحفاد معاملة خاصة غير أي ناقة أخرى تكريما لجدتهم القصواء التي شاركت أشرف الخلق أهم مواقف وأحداث حياته ، حتى أنها كانت ذات مكانة كبيرة بين صحابة رسول الله صلوات الله عليه وسلامه .
وفاة القصواء
توفيت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء بعد وفاة الرسول بثلاثة أشهر ، حزنا وكمدا على فراق سيد الخلق حتى أنها فقدت بصرها ، ولم تعد ترى كما أنها كانت لا تأكل من الحزن عليه ، وكان صحابة رسول الله يتركونها كهذا دون تقييد ، وقد توفيت في خلافة أمير المؤمنين الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .