ادب

قصص الجواري في العصر العباسي

كان للدولة الإسلامية بعض الأمور المشتركة ، مثل الامتلاء بالعديد من الجواري ، اللاتي أتين من كل مكان ، وتنوعن بين البيضاء والسمراء والطويلة والقصيرة ، من كل جنسية وشكل ولون ، هذا بالإضافة إلى ما ذخرت به قصور الملوك من الأحداث، مثل قصص الحب والغرام بين الأمراء والأميرات ، ما دار بين قصورهم من حكايات وقصص ، قد يكون بعضها بين السلاطين أو الأمراء مع الجواري ، التي امتلأت بهن القصور.

كل هذا صنع قصصًا مميزة في قصور السلاطين ، في عهد الدولة الإسلامية القديمة ، حيث لعبت الجواري أدوارًا كثيرة ، خاصة من كنْ على مقربة من السلاطين والقادة منهن ، ولا يخفى عنا أن العديد ممن حكموا ، في فترة العصر العباسي ، هم في الأساس أبناء لسلاطين من جواريهم ، وهذا هو ما صنع الكثير من القصص المشوقة ، خاصة قصص الجواري في العصر العباسي

قصة الخيزران والمهدي

تعتبر خيرزان بنت عطاء واحدة من أشهر قصص الجواري في العصر العباسي، حيث كانت تابعة للخليفة المهدي، وتم شراؤها من بلاد العجم من قبل الخليفة المنصور في بغداد. وكانت خيرزان جميلة وفصيحة، وتعلمت في بيت الخليفة علوم الحديث والقرآن.

تزوجها الخليفة المهدي وأنجبت له ولدين، موسى الهادي وهارون الرشيد. ومن أشهر القصص التي تدور حول الخيزران، قصة دخولها إلى الحياة السياسية والحكم. بفضل ذكائها المعهود، نجحت في التقرب من الخليفة وفهم كيفية إدارة شؤون الحكم. لم تقتصر حياتها في القصر على دور الرعاية لأطفالها، بل كان لديها طموح وتطلعات للحكم والسلطة. نجحت حتى في إقناع الخليفة بتحصين الخلافة لابنيها، موسى الهادي وهارون الرشيد، واستبعاد أبناء الأخرى.

قصة الخيزران وابنها موسى الهادي

وفق رواية الطبري ، كانت الخيزران من أقوى الشخصيات النسائية في ذلك العصر ، وكما ذكرنا سابقًا عاشقة للحكم والسلطة ، حتى إنه كان يطيع أوامرها كبار قادة الدولة ، وعندما تولى ابنها موسى الهادي الخلافة ، كان يعلم جيدًا نهم أمه الشديد للحكم والسلطة ، ولطالما اشتبك معها بسبب تدخلها في مقاليد الحكم ، وقيامها بتعيين قادة الدولة والولاة ، وقد حذرها كثيرًا من تبعات تلك التصرفات ، وقد هدد بقطع رأس كل من يتعامل معها أو يذهب إليها بأمر يخص الحكم ، وكل ذلك دون جدوى.

خطط الخليفة موسى الهادي لتسميم الخيزرانة، ولكنه فشل في خطته وعلمت الخيزرانة بالأمر، ولم تتقبل الإهانة، لذا أمرت جواريها في نفس الليلة بالذهاب إلى مخدع الخليفة موسى الهادي خفية واستخدام الوسائد لكتم أنفاسه حتى يفارق الحياة، وبالفعل تم قتله على يد الخيزرانة.

قصة الخيزران وابها هارون الرشيد

كانت الخيزران ترى في ابنها الأصغر هاون ، الذكاء والحكمة والفصاحة ، وقد أطلقت عليه الرشيد لما رأته من تلك الصفات فيه ، وقد استطاع هارون الرشيد بحكمته أن يتغاضى الطرف عن عشق أمه للسلطة ، وهو ما دفعه للسماح لأمه مشاركته في الحكم وشؤون الدولة ، فتقلدت الخيزران في عهد هارون الرشيد مرتبة وزيرة لهارون وليست أم الخليفة فقط.

كان الخليفة هارون الرشيد يوقع بخاتم الخلافة على قرارات الدولة بعد موافقة الخيزران عليها، وبقي الأمر كذلك حتى وفاة الخيزران.

قصص أشهر الجواري في عصر هارون الرشيد

في عمر العشرين، تولى هارون الرشيد الخلافة العباسية، وأصبح أميرا للمؤمنين. حكم لمدة تقرب من 23 عاما، وشهدت الخلافة العباسية رخاء اقتصاديا في أعلى مستوياته، وتقدما في التجارة والصناعة والزراعة. ازدهر العلم والثقافة والعلوم الدينية، وتحسنت الحالة الاجتماعية للأفراد. لذلك، أطلق على تلك الفترة الزمنية اسم العصر الإسلامي الذهبي، وصارت بغداد مركزا للثقافة والمعرفة في ذلك الوقت.

ذُكر أيضًا من قِبَلَ المؤرخين في عهده، أنه كان عهدًا للمتعة والملذات والجواري، وإذا تم ذكر ذلك فإنه يعكس حقبة زمنية بمزاياها وعيوبها، كما هو الحال في كل عصر، ويشتهر قصص الجواري في خلافة هارون الرشيد.

قصة الخنث في عهد هارون الرشيد

الخنث هي أشهر الجواري في عهد الخليفة هارون الرشيد، وكانت لقبها ذات الخال. تميزت بتلك الشامة الجميلة على وجهها، وكانت جميلة وحسناء للغاية. وأيضا، أنعم الله عليها بصوت عذب استخدمته في الغناء. قبل دخولها قصر الخليفة هارون الرشيد، كانت تغني في دور، وكانت تعتبر مجلسا للغناء في تلك الحقبة الزمنية. وقد وقع في حبها العديد من الشعراء والأدباء، بما في ذلك الشاعر العباس بن الأحنف، الذي كتب العديد من الأبيات الشعرية في حبها. كما أن المغني والشاعر إبراهيم الموصلي، الذي غنى عن جمالها وحسنها وأحاسيسها العاطفية، كان من أبرز الأشخاص الذين وقعوا في حبها.

أعجب الخليفة هارون الرشيد بها وأدمجها في قصره. حتى أن المؤرخين يذكرون أن كافة أوامرها كانت مجابة، حيث تدخلت في شؤون الحكم وطلبت من هارون الرشيد أن يعين أحد أقاربها ليتولى الحرب وجمع الضرائب في فاس لمدة سبع سنوات متتالية. أطاع هارون أمرها ووثق الأمر بعهد وأوصى الخليفة الذي سيأتي بتنفيذ هذا الأمر بعد انقضاء المدة المحددة إذا كان قد مات قبل ذلك دون أن ينفذ هذا الأمر.

ماردة وهارون الرشيد

الجارية ماردة هي جارية تركية الأصل، ونشأت في الكوفة، ودخلت قصر الخليفة هارون الرشيد بعد أن اشتراها أحد التجار، كانت جميلة بشدة ومتألقة ومغوية في أنوثتها، حتى إن الخليفة هارون الرشيد وقع في غرامها فور رؤيتها بسبب جمالها الشديد.

أصبحت ماردة أم لمحمد المعتصم بالله، وتتداول العديد من القصص والروايات حول غرام هارون الرشيد لمارده، فيذكر أنه عندما تركها في بيت الجواري وخرج في إحدى رحلاته لبغداد، لم يستطع أن يتغلب على شوقه لها، فكتب لها أبيات شعر جميلة تعبر عن مدى شوقه لها.

هيلانه وهارون الرشيد

تتضمن حكايات جارية هيلانة واحدة من أغرب قصص الخليفة هارون الرشيد، حيث كانت تتمتع بصوت جميل في الغناء وجمال رائع، وكانت في الأصل جارية للخليفة موسى الهادي، أخي هارون الرشيد الأكبر، وبعد موت أخيه بشهرين، تزوجها هارون الرشيد بعد أن أعجب بها، ويقال إن شغفه بها كان شديدا لدرجة أنه كان ينام في نفس الغرفة التي تنام فيها هي، ولا يتحرك من مكانه حتى لا يزعج نومها.

تعرضت هيلانة للمرض وتغلبت عليها المرض حتى توفيت، وكان الحزن الشديد على هارون الرشيد؛ لذلك جلس يتقبل العزاء من المعزين في القصر، وكتب الشعراء العديد من القصائد الحزينة الباكية على لسانه.

وأمر العباس بن الأحنف أن يرثيها، فقال فيها:

يا من شاركت القلوب في حزنها، أراد الزمان إيذائي، فجعلك كذلك

أريد الصديق المؤنس، فلم أجد لي رفيقًا إلا التفكير فيك الذي كنت أراك فيه

يبكي الملك على فراقك ويطول حزنه، لو كان بإمكانه بمملكته أن يفداك

تحرص النساء على حفظ حصتهن من الحياء لكي لا يرتفع حمى فؤادهن عند غيرهم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى