جورج كريل مدبر دعاية الحرب العالمية الاولى
في الوقت الحالي، بغض النظر عن الجنسية، يمكن لأي شخص الدخول على الإنترنت وكتابة تغريدة تعبر فيها عن آرائه بشأن السياسات الأمريكية سواء داخليا أو خارجيا، ويمكنه البحث على الإنترنت والوصول إلى جميع وجهات النظر سواء مؤيدة أو معارضة لتلك السياسات، ولكن في عام 1917 كان الأمر مختلفا، حيث كان الدول تصنع البروباجندا وتسيطر على الصوت في ذلك الوقت، وكان من الصعب على أي شخص أن يعارض لأنه لن يجد وسيلة للتعبير عن رأيه، وفي تلك الفترة كان من الصعب الحصول على الصوت المعارض عموما.
صناعة البروباجندا الأمريكية
بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، قام الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بتأسيس وكالة لصناعة الدعاية والإعلان بهدف التأثير على رأي الشعب، وعين الصحفي اللامع جورج كريل ليتولى مسؤولية عمليات الدعاية للحرب العالمية الأولى في الولايات المتحدة.
في أبريل سنة 1917، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على ألمانيا، وهذا كان بناء على إعلان الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون والحكومة الأمريكية، ولكن هذا القرار لا يمكن تنفيذه بدون دعم الشعب، فالوزراء والموظفون وحدهم لا يستطيعون الذهاب للحرب ومحاربة ألمانيا، بل يحتاجون إلى دعم الشعب للمشاركة في الحرب معهم.
للأسف كانت الأمة الأمريكية مترددة، وخصوصاً أنه فاز للولاية الثانية سنة 1916 تحت شعار (لقد أخرجنا من الحرب)، فكان على ويلسون أن يقنع جموع الشعب المتردد للذهاب للحرب في أوروبا فقد كان هذا الأمر ضرورياً، ولهذا قام ويلسون بصناعة لجنة الإعلام (CPI) حتى تركز على تعزيز المجهود الحربي.
لم يكن هناك من يستحق الفضل أكثر من الشخص الذي ساهم في إعادة انتخاب ويلسون مرة أخرى، وذلك من خلال الحملة التي قادها الصحفي البارز في العلاقات العامة والدعاية جورج كريل في عام 1912، والتي أدت إلى إعادة انتخابه مرة أخرى، وكانت الحملة تحت عنوان “لقد حفظناهم خارج الحرب.
تمكن جورج من أن يقنع الشعب الأمريكي من أن ويلسون تمكن من أن يبعد الأمة من الانجرار في مستنقع الحرب، والبقاء في سلام في جزيرتهم الهادئة، إلا أن ويلسون هذه المرة قد استدعاه مرة أخرى حتى يقوم بمهمة أخرى، وهي أن يزيح الفكرة التي زرعها في عقل الشعب الأمريكي والتي ساعدت ويلسون في الفوز، ويستبدلها بالفكرة المضادة وهي جرهم مرة أخرى إلي الحرب، هذه الفكرة مرعبة فعندما دعت أمريكا إلي الحرب، كان يخشى ويلسون من أن يتمرد عليه المنشقون والمعرضون، ولكن فكر ويلسون في أنه بدلاً من أن يقمع المعارضين، يمكنه أن يدير الرأي العام نحو فكرة أخرى، وهي الدخول إلي الحرب، وكانت الأداة الجبارة التي سوف تمكنه من هذا الأمر هي البروباجندا التي سوف يقودها كريل.
الحياة المبكرة لجورج كريل
تم ولادة جورج إدوارد كريل في الأول من ديسمبر عام 1876 في ولاية ميسوري في مقاطعة لافاييت. وكان والده هنري كريل ووالدته فيرجينيا، وكان لديه أخوان يدعون ويلي وريتشارد. على الرغم من أن والد جورج هنري كان رجل أعمال ثري في الجنوب، إلا أنه لم يتكيف مع الحياة بعد انتهاء الحرب الأهلية. تركت الحرب هنري معاناة مالية بسبب العديد من المحاولات الفاشلة في الزراعة، واضطر إلى اللجوء لتعاطي الكحول حتى أصبح مدمنا عليه. وكانت والدة جورج فرجينيا هي المعيل الوحيد للعائلة، حيث كانت تعمل في الخياطة من المنزل.
كان جورج يشعر بشدة تأثره بوالدته التي كانت مصدر إلهام كبير بالنسبة له، وقد وصفها بأنها تتمتع بشخصية وعقل يفوق أي رجل عاش على الإطلاق، كما أثنى على تضحياتها الكبيرة في دعم الأسرة ودعم حركة الاقتراع النسائية.
يجب الإشارة إلى أن جورج حاول الدراسة في كلية أوديسا في ولاية ميسوري لمدة تقل عن عام واحد.
المسيرة المهنية لجورج كريل
في عام 1898، نجح كريل في الحصول على أول وظيفة له كمراسل صحفي شاب في صحيفة كانساس سيتي وورلد، حيث كان يكسب أربعة دولارات في الأسبوع. تم ترقيته لاحقا ليصبح كاتبا للمقالات الإخبارية، ولكنه طرد من وظيفته بسبب رفضه كتابة مقال شعري، حيث كان من الممكن أن يسيء إلى أحد رجال الأعمال المحليين المرموقين. تم طلب منه أن يسرد قصة فرار ابنته مع سائق الحافلة العائلية.
عاد كريل إلى مدينة كانساس سيتي في عام 1899 بعد إقامة قصيرة في مدينة نيويورك، لأنه انضم إلى صديقه آرثر جريسوم في نشر جريدة الإندبندنت الخاصة بهما، وعمل كريل كمستقل في منصة تعزيز حقوق المرأة وغيرها من الأعمال المنظمة التابعة للحزب الديمقراطي.
في عام 1909، انتقل إلى مدينة دنفر في ولاية كولورادو وعمل في كتابة المقالات الافتتاحية لصحيفة دنفر بوست. بعد استقالته من الصحيفة، عمل في جريدة ذا روكي ماونتن نيوز من عام 1911 إلى عام 1912. قام بكتابة المقالات الافتتاحية لدعم المرشح الرئاسي وودرو ويلسون آنذاك، بالإضافة إلى مقالات مختلفة تطالب بالإصلاحات السياسية والاجتماعية في دنفر.
في يونيو 1912، عين هنري أرنولد كريل مفوضًا لشرطة دنفر، وعلى الرغم من أن حملاته العدوانية تسببت في انشقاق داخلي وأدت في النهاية إلى طرده، إلا أنه تم الاعتراف به على المستوى الوطني بأنه كان جهة مراقبة متيقظة وداعمة للشعب.
في عام 1916، عرض كريل نفسه للمساعدة في حملة إعادة انتخاب الرئيس ويلسون من خلال عمله في اللجنة الوطنية الديمقراطية، حيث كان يكتب مقالات ويجري مقابلات تدعم برنامج ويلسون. وبعد وقت قصير من دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى في عام 1917، قام القادة العسكريون بالضغط على إدارة ويلسون لإشراكهم في الرقابة الصارمة على أي انتقادات للحرب من خلال وسائل الإعلام.
بعد ذلك قام كريل بإرسال خطاب إلي الرئيس ويلسون يجادل فيه سياسية المراقبة التي تدعم حرية التعبير وليس القمع للصحافة، وقد أعجب ويلسون بأفكار كريل وعينه كرئيس للجنة الإعلامية (CPI) التي قادت الدعاية للحرب، والجدير بالذكر أنال وكالة الفيدرالية في ذلك الحين كانت وكالة مستقلة في ظل الحرب.
دعاية كريل للحرب
كانت فكرة كريل الأولى للدعوة للحرب هي توزيع أخبار جيدة للكشف على أكبر عدد ممكن للحقائق عن الحرب، وهذا دون المساس بالأمن القومي، وقد كانت مهمته بسيطة وهي إغراق البلاد بالإصدارات الخاصة بصحيفة متنكرة كقصص إخبارية فيها تلخيص للحرب، وقد قال كريل أن هدفه هو أن يحول شعب الولايات المتحدة إلى غريزة جماعية ساخنة، حتى يمنحهم إرادة الحرب وإرادة الفوز.
خلال عشرين شهر تورط أمريكا في الحرب، قد رصد مؤشر أسعار المستهلك، كم الإعلانات الحكومية التي تم أرسلها والتي وصلت قرابة 6000 نشرة في كل الصحف، وقد صمم على أن يوزع 1500 إعلان وطني، بالإضافة إلى هذا تمكن كريل من توزيع العديد من المقالات من خلال بعض المؤلفين المشهورين بعد أن وافقوا على الكتابة مجاناً
في الشهرين الأولين، كانت المعلومات المنشورة تتعلق فقط بإنجازات أمريكا في زمن الحرب وروعة البلاد واحتفالات بالمهاجرين الأمريكيين وغيرها من المعلومات عن الجيش والحرب. وبعد هاتين الحربين، لم يجد ويلسون وكريل أن هناك اهتمام شعبي كبير. فاستغل ويلسون مناسبة يوم العلم لرسم صور للجنود الأمريكيين وهم يحملون النجوم في المعركة. تم نشر إعلانات تصور الجنود الألمان كوحوش وقرود تتسلل إلى أمريكا للتحكم في العالم. وفي النهاية، نجحت جهود كريل وويلسون في جعل الناس يدعمون الحرب.