أبو عبدالله الشريف التلمساني
أبو عبدالله محمد بن أحمد بن علي الشريف الإدريسي، هو فقيه وعالم أصولي، وولد في قرية العلويين التابعة لتلمسان في القرن الثامن للهجرة، وتحديدا عام 710. يطلق عليه كنية أبو عبدالله، وألقاب مثل الشريف التلمساني، أو أبو عبدالله الشريف، أو الشريف فقط، وفي عصره كان لقبه عند الناس بحسب مؤلفاته، مثل الشيخ والإمام وصاحب المفتاح وشارح الجمل للخونجي
أبو عبدالله الشريف التلمساني
يعود نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وفقًا لابنه الغريق الذي ذكر ذلك، إذ عُثِر على مكتوب بخط يده يحمل عبارة:
” أبي محمد عبدالله الغريق أبو عبدالله محمد بن أحمد بن علي بن يحي بن علي بن محمد بن القاسم بن حمود بن علي بن عبدالله بن ميمون بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ” ، وفي عصره لم يكن يهتم بالرد على أي طعن في هذا النسب .
نشأ الشريف التلمساني في أسرة تهتم بالعلم والدين وكانت تحظى بمكانة شرفية ووجاهة اجتماعية ، ويعرف عنها النبل والأخلاق ، فقد كانت أسرة عربية ذات أصل ونسب ، وبالطبع ارتوى أبو عبدالله من هذه التربة الخصبة من العلم والفقه واستطاع تحصيل أكبر قدر منهما في سن مبكر تحت رعاية خاله عبد الكريم .
منذ صغره، كان التلمساني مهتمًا بالعلم والمعرفة، وهو ما لفت انتباه خاله الذي كان حريصًا على تعليمه كل ما يثري عقله وقلبه، وأخذه معه إلى مجالس العلماء، وبفضل هذا ظهرت مواهبه الفكرية وازدهرت .
يذكر الونشيرسي في `القول المنيف` أن في أحد الأيام عندما كان التلمساني لا يزال صبيا حضر إحدى مجالس أبي زيد ابن الإمام، وكان موضوع الجلسة `نعيم الجنة`. قال له الشريف: `هل يقرأ فيها العلم؟` فأجابه: `نعم، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين`. فقال الشريف: `لو أجبتني بلا، لقلت لك ليس فيها لذة`. فأثار ذلك إعجاب شيخه به ودعا له .
لذلك، لم يكتفي أبو عبدالله بالمعرفة التي حصل عليها من علماء قريته، بل قرر السفر إلى مدينة فاس ليقابل شيوخها ومفكريها، ثم إلى تونس ليلاقي علمائها. ثم عاد إلى تلمسان وهو محملٌ بالعلم الذي لم يبخل به على شباب بلده. وفي سن الـ11 عامًا، كان يعطي دروسًا في العلوم الشرعية والعقلية .
جعل ذلك اسمه يتوهج بين البلدان والقرى، وجاءه طلبة العلم من كل مكان لينهلوا من معرفته .
ولكن يجب على كل عالم أن يمر بمحنة. كانت محنة أبو عبدالله أنه شهد الفتنة التي وقعت بين ملوك فارس `بني مرين` وملوك تلمسان. قام أبو عنان المريني بسجنه ونفيه إلى فاس مع مجموعة أخرى بعد هزيمة ملوك تلمسان وتأكيد سيطرته عليها. عاش الشريف في هذه الفترة بعيدا عن بلده في غربة ووحدة. ولكن بعد استقرار الحكم في تلمسان تحت حكم أو حمو الثاني، أرسلت دعوة من الوزير عمر بن عبدالله للشريف التلمساني، وأعيد إلى بلده واستقبل بترحاب كبير. أسس مدرسة `اليعقوبية` لتعليم الطلاب فيها، ومنذ ذلك اليوم 5 صفر عام 765 هـ، كان مشغولا بتفسير القرآن وأكمل تفسيرا له، ثم بدأ في نشر علمه عن طريق مؤلفاته المتعددة .
صفات أبو عبدالله الشريف التلمساني
ذكر ابن مريم في ” البستان ” وصفًا للعالم الشريف ، قائلًا : ” كان من أجمل الناس وجها وأهيبهم وأنوار الشرف في وجهه باهرة وقورا مهيبا ذا نفس كريمة وهمة نزيهة رفيع الملبس بلا تصنع سري الهمة بلا تكبر حليما متوسطا في أموره قوي النفس يسرد القول في أخلاقه مؤيدا بطهارة ثقة عدلا ثبتا سلم له الأكابر بلا منازع أصدق الناس لهجة وأحفظهم مروءة مشفقا على الناس رحيما بهم يتلطف في هدايتهم لا يألو جهدا في إعانتهم والرفق بهم وحسن اللقاء ومواساتهم ونصح العام كريم النفس طويل اليد رحب الراحة يعطي رفيع الكساء الرقيقة ونفقات عديدة ذا كرم واسع وكنف لين وبشاشة وصفاء قلب ” .
أسرة أبو عبدالله الشريف التلمساني
ذكر ابن مريم أن أبو عبدالله الشريف تزوج من امرأتين، الأولى اسمها “شريفة” ويُقال أنها من عائلته، أما الثانية فكانت ابنة الحاكم أبو حمو الثاني الزياني واسمها أميرة زيانية، وأنجب منهما ابنان ولدا في تلمسان، وكانا خلفاً صالحاً لوالدهما، حيث كانا من علماء المغرب، وهما:
أبو محمد عبدالله الشريف، المعروف باسم `الغريق`، توفي غرقًا عند عودته من الأندلس في عام 792 هـ .
ابنه الثاني هو أبو يحيى عبدالرحمن الشريف، وتوفي في تلمسان عام 862 هجرية .
الارث العلمي لـ أبو عبدالله الشريف التلمساني
لم يكن الشريف التلمساني عالمًا بارعًا في الفقه والأصول والشريعة فحسب ، بل كان كذلك في الفلك والحساب والمنطق والتاريخ والهندسة وأيضًا الفلاحة ، فقد كان في زمنه إمامًا لبلاد المغرب ، فبالطبع لم يرحل ذاك العلامة دون أن يترك إرثًا للأجيال القادمة ، بخلاف العديد من الفتاوى والرسائل ترك عدة مؤلفات :
- المفتاح لبناء الفروع على الأسس الصحيحة
- مثارات الغلط
- شرح جمل الخونجي
- كتاب في القضاء والقدر
- كتاب في المعاوضات أو المعاطاة
وفاة أبو عبد الله الشريف التلمساني
حاصر المرض أبو عبدالله وقد وصل في تفسير القرآن إلى قوله تعالى: ” يستبشرون بنعمة من الله وفضل ” فرقد في الفراش ثمانية عشر يومًا ، حتى وافته المنية يوم الأحد 14 ذي الحجة عام 771 للهجرة .
أحدثت وفاة التلمساني حزنًا شديدًا في قلب حاكم تلمسان أبو حمو الثاني، الذي اختارإرساله إلى تونس والمغرب كسفير للمعرفة والعلم .
تم دفنه بجوار قبر والده “أبي يعقوب” بالقرب من المدرسة اليعقوبية، حيث حضر حاكم تلمسان جنازته وأمر بدفنه هناك .