دور عقار سورافينيب في علاج سرطان الغدة الدرقية

لقد خلق الله تعالى جسم الإنسان بعدد من الأعضاء والأجهزة والغدد والأنسجة التي تعمل معا بشكل إبداعي، حتى يستقيم حياة الإنسان ويتمكن من التجاوب مع البيئة من حوله. فالعديد من المواد الكيميائية التي يفرزها الجسم بشكل طبيعي تعتبر من أهم المركبات التي تساعد على تنظيم وظائف الجسم الحيوية وتطوير مختلف أنسجة وأعضاء الجسم، ومن أهم تلك المركبات هي الهرمونات .

الغدة الدرقية

تعتبر الغدة الدرقية Thyroid gland واحدة من أهم الغدد الصماء في الجسم ، حيث أنها هي المسؤولة عن إفراز هرمون الثيروكسين Thyroxine أو المعروف باسم T4 وهو المسؤول عن تنظيم العمليات الحيوية داخل الجسم والمسؤول عن قوة وسلامة الجهاز العصبي والتمثيل الغذائي والحرق أيضًا ، كما أنها تقوم بإفراز هرمون اخر بمعدل أقل وهو هرمون ثلاثي يود الثايرونين Triiodothyronine وهو من الهرمونات الهامة أيضًا للحفاظ على صحة أنسجة الجسم والقلب .

هناك هرمون آخر لا يتم إفرازه من الغدة الدرقية، بل هو المسؤول عن تنظيم إفراز هرمونات الغدة، وهو الهرمون المحفز للغدة الدرقية المعروف باسم TSH أو Thyroid Stimulating Hormone، والذي يفرزه الغدة النخامية في المخ (Pituitary gland)، وبالتالي، عند زيادة هذا الهرمون عن الحد الطبيعي، تصبح الغدة كسولة وغير نشطة، وعند نقص إفراز الـ TSH، تعاني الغدة الدرقية من فرط النشاط .

الغدة الدرقية تقع في منطقة الرقبة أمام القصبة الهوائية. تتكون من فصين متجانسين، مما يجعلها تشبه شكل الفراشة ولونها بني محمر. تحتوي الغدة الدرقية على العديد من الخلايا المعروفة بالخلايا الكيسية، التي تفرز هرمونات T3 و T4، بالإضافة إلى بعض الخلايا الأخرى المعروفة باسم الخلايا C التي تفرز الكالسيتوني .

وظائف الغدة الدرقية

تتضمن الغدة الدرقية عددًا كبيرًا جدًا من الوظائف والفوائد في الجسم، ومن بين أهمها:

التمثيل الغذائي

تلعب الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية دورا أساسيا في تنظيم عملية الأيض في الجسم. فهي المسؤولة عن ضبط معدل الأيض الأساسي المعروف اختصارا بـ BMR وتساعد في هضم الطعام وإنتاج الطاقة في الجسم. كما تلعب دورا في تنظيم درجة حرارة الجسم، حيث تنتج عملة الطاقة في الخلايا وتعرف باسم ATP، وهي العملة الرئيسية المستخدمة للحصول على الطاقة اللازمة لجميع العمليات الحيوية داخل الجسم وتتحول فيما بعد إلى AD .

حماية القلب والشرايين

تُعد هرمونات الغدة الدرقية وخصوصًا هرمون الـ T3 من أهم الهرمونات التي تُساعد على تنظيم عمل حجرات القلب وضبط معدل الانقباض والانبساط وتعمل على تقليل مقاومة الأوعية الدموية مثل الشريان التاجي (الأورطى) ، وهي تؤثر أيضًا على الجهاز العصبي وهذا بدوره يؤثر بشكل غير مباشر على عمل القلب والأوعية الدموية .

تنظيم حركة العضلات

الغدة الدرقية كذلك هي المسؤولة عن تنظيم حركة انقباض وانبساط العضلات وخصوصًا العضلات الهيكلية بالجسم ؛ حيث أنها تعمل على رفع معدل انتقال أيونات الكالسيوم Ionized Calcium إلى هذه العضلات وتُساعد على تحفيز عملية الأكسدة وإنتاج الطاقة أيضًا في العضلات التي تعطيها القدرة على الحركة .

الحفاظ على الوزن

تعمل الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية على تنظيم سرعة الأيض وعملية الهضم في الجسم. عند حدوث اضطراب في وظيفة الغدة الدرقية، يقل معدل الأيض ويزداد الوزن. وعند حدوث زيادة في نشاط الغدة الدرقية، يرتفع معدل الأيض والحرق، مما يؤدي إلى فقدان وزن المريض بشكل ملحوظ. في كلا الحالتين، يتطلب العلاج والتدخل الطبي لضبط وظيفة الغدة الدرقية .

الحفاظ على الحمل

كما أن هرمونات الغدة الدرقية هي التي تعمل على بناء الجهاز العصبي للجنين ، حيث أن هذه الهرمونات تصل عبر مشيمة الأم إلى الجنين خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل ، وعند استكمال الشهر الثالث من الحمل ؛ تبدأ الغدة الدرقية لدى الجنين في إفراز الهرمونات التي تُساعد على استكمال عملية التطور العصبي والمخي للجنين .

هرمون الكالسيتونين

يعتبر هرمون الكالسيتونين (Calcitonin) من الهرمونات التي تفرزها بعض خلايا الغدة الدرقية. يعمل هذا الهرمون على تنظيم مستويات الكالسيوم والفسفور في الجسم. يساعد في تثبيط نشاط الخلايا المسكرة للعظام ويعزز نقل الكالسيوم من الدم إلى العظام، مما يحافظ على توازن طبيعي لمستوى الكالسيوم في الدم .

أورام الغدة الدرقية

في بعض الأحيان ؛ قد يتعرض بعض المرضى إلى فرط نشاط كثيف جدًا في الغدة الدرقية نتيجة نمو بعض الأورام بها ، وقد تكون تلك الأورام حميدة وقد تكون سرطانية ، وفي كلتا الحالتين فإن التدخل الجراحي من أجل إزالة الورم أو إزالة جزء من الغدة الدرقية يكون ضروري للحفاظ على حياة المريض .

يمكن حدوث قصور نشاط الغدة الدرقية في بعض الأحيان نتيجة وجود ورم في الغدة النخامية، مما يؤدي إلى إفراز هرمون TSH بمعدل عالٍ، وبالتالي يؤدي هذا إلى تقليل إفراز T3 و T4 .

دور دواء سورافينيب في علاج سرطان الغدة الدرقية

سورافينيب هو دواء يستخدم لعلاج بعض أنواع السرطان مثل سرطان الكبد. ووفقا لدراسة نشرت في عام 2014، تبين أن هذا الدواء يلعب أيضا دورا هاما في علاج سرطان الغدة الدرقية .

أظهرت الدراسة أن استخدام دواء سورافينيب (Sorafenib) يمكن أن يكون مفيدا لمرضى سرطان الغدة الدرقية، سواء كان السرطان ناتجا أساسا عن الغدة ذاتها أو نتيجة انتشار المرض من مناطق أخرى في الجسم عن طريق عملية التسرطن (Metastasis). وخاصة للمرضى الذين لم يحققوا نتائج إيجابية من العلاج باليود المشع. وأشارت النتائج إلى أن المرضى الذين استخدموا سورافينيب عاشوا لفترات أطول بالمقارنة مع المجموعة الضابطة التي تلقت علاجا وهميا .

تم اختيار مجموعة عشوائية من مرضى سرطان الغدة الدرقية وتناولوا 400 مجم من دواء سورافينيب مرتين في اليوم، وأظهرت النتائج أن 42٪ من المشاركين استمروا لمدة 6 أشهر بحالة مستقرة دون أي تطور سلبي في المرض، بينما سجلت المجموعة التي تناولت دواء وهمي نسبة استقرار بلغت 33٪ .

وبناء عليه، فإن نتائج هذه الدراسة يمكن أن تفتح الباب أمام إمكانية ابتكار وسائل علاجية جديدة لمرضى الأورام وسرطانات الغدة الدرقية، سواء كانت تلك الأورام ناشئة من الغدة الدرقية نفسها أو نشأت نتيجة انتشار المرض من عضو آخر في الجسم، وخاصة بالنسبة للأشخاص الذين لم يستجيبوا لعلاج اليود المشع أو الذين لم يعد لديهم أي استجابة علاجية تجاه استخدام اليود المشع .