الانسانتنمية بشرية

ماهي البطريركية الذكورية

في المجتمعات الشرقية ؛ هناك عدد كبير من المصطلحات والمفاهيم الشائعة في المجال المجتمعي والتي يتم الاستناد إليها في الكثير من الأحيان لإنهاء جدال أو فض صراعات واشتباكات ، ولكل مجتمع المفاهيم والمصطلحات المترسخة في وجدان أبنائه والتي يعتبرون أن الحيود عنها هو نوع من أنواع التخلف والجحود ؛ في حين أنه يوجد العديد من المفاهيم المغلوطة التي قد تم تمريرها إلى المجتمعات من أجل إحداث نوعًا من الفرقة والاختلاف بين صفوف أبنائها .

مفهوم البطريركية

في العموم، يعني مصطلح البطريركية في اللغة العربية السيطرة والنفوذ الذي يتمتع به بعض الأشخاص على الآخرين دون حق. ويعكس هذا الاستخدام الضيق للعقل والتخلف والتحفظ الذي يؤهل تلك الأشخاص للتعامل مع الآخرين كأنهم أفضل منهم بلا أساس حقيقي. ومن أبرز أشكال البطريركية في العديد من المجتمعات هي البطريركية الذكورية والأبوية .

البطريركية الذكورية

يعد مصطلح البطريركية الذكورية من المصطلحات التي تخص التيار النسوي التغريبي الذي انتشر في الدول العربية والإسلامية، ويعد هذا المصطلح غامضا إلى حد ما فيما يتعلق بالدلالة والمعنى، حيث يشير إلى سيطرة الذكور على كافة مناحي الحياة، بمعنى آخر فإنه يعبر عن تفوق الرجال على النساء واستبدادهم عليهن في كافة مراحل الحياة، وقد أفاد هذا المصطلح الكثير من أتباع التيار النسوي الذين جاءوا إلى الدول العربية .

محاور البطريركية الذكورية

يتجاوز مفهوم البطريركية الأبوية والذكورية الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة، ويتركز على جوانب مختلفة من الحياة، حيث يعتبر دائمًا الرجل هو المسيطر .

يتميز هذا التوجه بالنزعة الأبوية البطريركية، حيث يتحكم الأب في كل شأن يتعلق بالأسرة والعائلة. يعتبر الأب المحور الأساسي للعائلة وعمود البيت، وهو الشخص الذي يتحكم ويملك الرأي الأول والأخير في العائلة والمجتمع بأكمله. وبالتالي، يتمتع بسلطة مطلقة، وهذا يعني أن المجتمع في إطار البطريركية الذكورية يتميز بتفوق الذكور واستسلام الإناث في جميع جوانب الحياة .

تتجاوز الهيمنة الأبوية والذكورية في الأسرة والعائلة لتشمل المجتمع بأكمله، وتسيطر على جميع القيم والتقاليد، وتترسخ في أذهان الشباب من خلال وسائل التربية والتعليم في المدارس والمجتمع. وبالتالي، تصبح هذه الخاصية أساسية وتتناقلها جميع الأجيال بشكل غير مقصود، وهذا ما نلاحظه بشكل واضح في المجتمعات العربية .

نظراً لتقليل دور المرأة في المشاركة المجتمعية وفي مختلف مواقع العمل، فإن العديد من المجتمعات التي تمارس مفهوم البطريركية الذكورية تعاني من تخلف كبير وتراجع عن التقدم، خاصة في المجالات الثقافية والاقتصادية والتعليمية .

من أبرز مساوئ المفهوم البطريركي الذكوري هي أن المرأة لا تمثل أي شيء في المجتمع سوى سلعة يتم اقتناؤها من أجل إشباع أهواء ورغبات خاصة عند الحاجة، وهذا يعد من أسوأ مظاهر البطريركية. وبعض الأشخاص المنتمين إلى هذا التيار الرجعي لا ينسبون أطفالهم إليهم، وكانوا يتبادلون زوجاتهم في بعض الأوقات أيضا، لأنهم لا يرون المرأة سوى كسلعة لإشباع رغباتهم الشخصية .

اثار تطبيق مفهوم البطريركية الذكورية

أدى انتشار هذا المفهوم عبر عناصر التيار النسوي التي قد وفدت إلى المجتمعات العربية منذ القدم إلى وقوع خلل في العديد من المفاهيم لدى الشعوب العربية

يعتبر مفهوم السيادة الذكورية هو السائد دائمًا، وبعض الأفراد يسمحون بفعل المنكرات والأفعال غير المقبولة للرجال ويحرمونها على النساء، ومن المفترض أن يرى العقل السليم أن أي تصرف غير سوي يشوه الرجل والمرأة على حد سواء، وليس فقط المرأة .

انتشار مفهوم البطريركية الذكورية والأبوية ساهم في سلب المرأة حقوقها في الميراث وفي الحياة الكريمة. ومن الأسف أن بعض الأسر لا يزالون يحرمون المرأة من حقها في الإرث بسبب جنسها، ولا يجوز لها امتلاك المال .

من ناحية أخرى، استخدام مصطلح البطريركية الذكورية يسيء لفهم المرأة للحداثة والتقدم. فمفهوم التقدم والحداثة للمرأة يرتبط في العقول بالانحراف عن السلوك الصحيح، في حين أن التحضر والتقدم الحقيقي للمرأة يعني تمكينها بالمعرفة والدين والثقافة والأخلاق الحميدة، وليس العكس .

وعلى الرغم من أن النهج البطريركي الذكوري القمعي لا يمنح المرأة أي حق أو عدالة، إلا أن نفوذ وسيطرة هذه الأفكار جعلت بعض النساء يؤمن بها ويرون أنفسهن على أنهن أقل من الرجال، ويخضعن دائما وبلا توقف لسلطة وهيمنة الرجل حتى لو كان غير محقا. وهذه الظاهرة من أخطر الظواهر الاجتماعية، لأنها تعني صعوبة التخلص من هذه الأفكار الخاطئة من عقول الأجيال القادمة .

مفهوم البطريركية الذكورية في ضوء الإسلام

جاء الإسلام لينقذ البشرية من الجهل والتخلف والرجعية، وليؤسس لمبادئ الحق والعدل والمساواة. وقد منح الإسلام المرأة مكانة هامة وجعل لها منزلة خاصة، مما كرمها على سائر البشرية .

وقد ورد في القران الكريم قول الحق تبارك وتعالى : الرجال هم القوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وعلى الرغم من أن الكثير من أعداء الدين وحتى المنتمين للدين الإسلامي يسيئون فهم هذه الآية ويراهنون على أنها تفويض لقوامة وغلبة وأفضلية الرجل على المرأة في كل شيء، إلا أن المعنى الحقيقي والتفسير الصحيح لهذه الآية الكريمة يشير إلى أن الرجل هو خادم المرأة والمسؤول عن تلبية جميع احتياجاتها ومتطلباتها لأنها كريمة وعزيزة سواء كانت ابنة أو زوجة أو أم أو أخت .

يكفل الإسلام للمرأة حقوقها في الحصول على الميراث والشهادة والتعليم والعمل، وكان رسولنا الكريم الذين تعالى عنه يدير أعمال زوجته السيدة خديجة بعد أن اعتنقت الإسلام، ويعني ذلك أن الإسلام يحافظ على حقوق المرأة المالية والاجتماعية والتعليمية والوظيفية ويحث عليها .

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الإسلام يضمن حق المرأة في قبول أو رفض زواج الرجل للمرة الثانية، كما حدد شروطًا واضحة لتعدد الزوجات، وهذه النقطة هي التي يتناولها أعداء الدين دائمًا لتشويه صورة الإسلام ونشر الأفكار الخاطئة بأن الدين الإسلامي يحرم حقوق المرأة .

وبالتالي، زعم البعض بأن البطريركية الذكورية في الدين الإسلامي هو أمر خاطئ تمامًا، حيث لم تحظ المرأة بعز وأهمية ومكانة ولا اهتمام برأيها وحقوقها إلا من خلال الدين الإسلامي فقط .

يجب التأكيد على أن الاحترام المتبادل لا يقلل من قيمة الرجل ولا من قيمة المرأة، وأن الرحمة والمودة في العلاقة بين الأب وأبنائه وبين الأبناء والأم وبين الزوج والزوجة هي أساس أي مجتمع ناضج ومتسامح ومتحضر، وهذا هو ما يحث عليه ديننا الإسلامي الحنيف .

المراجع

  • سورة النساء [اية: 34]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى