منصف محمد السلاوي
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ندوة صحفية قبل عدة أيام، إن لجنة علمية تضم كبار العلماء في مجال صناعة اللقاحات المضادة للفيروسات تعمل بجد للبحث عن لقاح فعال ضد فيروس كورونا، وأن اللجنة تقترب بشكل كبير من تحقيق الهدف، وأن التجارب السريرية ستعلن عنها في وقت قريب.
و قد وقع الإختيار على نخبة كبيرة من العلماء وضمنهم علماء عرب، في مقدمتهم العالم المصري الدكتور عادل طلعت و العالمة المصرية هبة مصطفى و من الجزائر العالم حكيم جاب الله، وفي مقدمة العلماء الكبار المكلفين بإيجاد هذا اللقاح أيضا، منصف محمد السلاوي، من المغرب وذلك نظرا لمؤهلاته الأكاديمية والعلمية، و انجازاته العديدة في هذا المجال، و هو عضو بمجلس أمناء جامعة حمد بن خليفة، ورئيس مجلس إدارة اللقاحات في شركة “جلاكسو سميث كلاين”، وهو عضو أيضا بمجلس إدارة شركة موديرنا، التي أجرت أول اختبار للقاح على سيدة في أمريكا قبل أيام.
هذا العالم الذي كان غير معروف للكثيرين قبل ظهور فيروس كورونا، والذي احتل المرتبة 29 بين الشخصيات المؤثرة في العالم وفقا لتصنيف مجلة فورتشن الأمريكية في عام 2016، أصبح الآن محط أنظار الجميع، ليس فقط في المغرب، بل في العديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. من هو الدكتور والعالم منصف محمد السلاوي؟
من هو منصف محمد السلاوي
يعد منصف محمد السلاوي باحثا مغربيا عالميا، مختصا في إنتاج جميع اللقاحات المضادة للفيروسات الخطيرة التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين. حصل منصف السلاوي على درجة الدكتوراه في البيولوجيا الجزيئية والمناعة من جامعة بروكسل في بلجيكا، وأكمل دراسات ما بعد الدكتوراه في كلية الطب في جامعة هارفارد وجامعة تافتس في بوسطن. يشرف الآن منصف السلاوي على مهمة تطوير لقاح مضاد لفيروس كوفيد 19 رفقة اللجنة العلمية في الولايات المتحدة.
أصل و نشأة منصف محمد السلاوي
منصف السلاوي ولد في مدينة أكادير المغربية في يوليوز عام 1959، ونشأ في مدينة الدار البيضاء. كان حلمه أن يصبح طبيبا، ودرس في المدينة حتى الباكالوريا في ثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء. ثم غادر المغرب عندما كان في السابعة عشرة من عمره لدراسة الطب في فرنسا. قرر الالتحاق بإحدى الجامعات، ولكن لم يحالفه الحظ. بعد ذلك، قرر الانتقال إلى بلجيكا والبقاء هناك لمدة سنة واحدة. درس في جامعة بروكسل الحرة واستقر هناك لمدة سبعة وعشرين عاما. حصل على دكتوراه في علم المناعة وكان أستاذا في علم المناعة بجامعة مونس في بلجيكا. استكمل منصف السلاوي دراسات ما بعد الدكتوراه في كلية الطب بجامعة هارفارد وكلية الطب بجامعة تافتس في بوسطن.
الحياة الخاصة لمنصف السلاوي
تزوج الدكتور منصف محمد السلاوي برفيقة دربه البروفيسورة، التي كانت أيضا عالمة فيروسات، و أنجب منها ثلاثة أبناء و كانت هذه السيدة هي أول من اكتشف لقاحا هاما ضد فيروس خطير كان يهاجم الأبقار خلال الثمانينات، بعد حصوله رفقة زوجته على شهادة الدكتوراه قرر الاثنين أن يغادرا بلجيكا، و قدموا ملف الترشح لمتابعة الدراسة في سلك الدكتواره بجامعة هافارد، و قضوا مدة ثلاث سنوات ببوسطن مابين 1983 و1985 و هناك تحصل الدكتور السلاوي على شواهد جديدة وأصبح أستاذ بجامعة هارفارد، و قام بالعديد من الأبحاث العلمية القيمة.
حياة منصف السلاوي العملية
عندما تم اكتشاف مرض الإيدز في سنة 1984، عرض الباحثون عن الكفاءات، على العالم المغربي فرصة الانضمام إلى شركة لقاح في بلجيكا، تدعى “سميث كلاين ريت، التي ستصبح فيما بعد “جلاكسو سميث كلاين”، وهكذا انطلقت مسيرة الباحث المغربي في علم اللقاحات، حيث تم تعيينه كمستشار في علم المناعة.
انضم البروفيسور منصف السلاوي في عام 1988 إلى مجموعة من العلماء الذين يسعون لتطوير لقاحات ضد العديد من الأمراض مثل الملاريا وفيروس الروتا وسرطان عنق الرحم والمكورات الرئوية خلال 15 عاما فقط.
في عام 2003، أصبح الدكتور السلاوي مسؤولًا عن تطوير الأدوية الأكثر تعقيدًا في شركة GSK، وبعد ثلاث سنوات، انضم إلى مجلس الإدارة ليصبح مسؤولًا عن تحقيق العديد من الأهداف الكبرى للشركة وإثبات مكانته بقوة.
هنا يأتي المرحلة الأكثر أهمية في حياته، حيث قامت شركة جي إس كي بتطوير منتج واحد فقط خلال الفترة من عام 1995 إلى عام 2006، وصرفت مبالغ هائلة تتراوح ما بين 5 إلى 6 مليار دولار سنويا، واستخدمت عددا كبيرا من الباحثين لفترة طويلة. وبعد ذلك، ونتيجة لعدم تحقيق النتائج المتوقعة، أصبح من الضروري إجراء تغييرات جذرية في أقسام الشركة، ولذلك قامت الشركة بالاستعانة بخبراء عالميين في هذا المجال، حيث قام هؤلاء الخبراء بقيادة قسم البحث والتطوير وقسم اللقاحات، وتم تنظيم البحث في أقسام تضم ما بين 2500 و 3000 شخص. وتم إعادة بناء كل شيء من جديد، وتكوين فرق علمية من 80 شخصا يتمتعون بالخبرة والكفاءة في مختلف المجالات العلمية. وفي وقت قصير، تم الحصول على نتائج متميزة للأعمال المنفذة بين عامي 2011 و 2016، حيث شهد قسم البحث والتطوير للشركة العملاقة تطورا ملحوظا، وتم تطوير 24 دواء جديد لمجموعة من الفيروسات بفضل الجهود المبذولة من قبل هذه الفرق، على الرغم من تخفيض الميزانية بنسبة 40٪ (3.5 مليار دولار سنويا) وتخفيض عدد الباحثين إلى 9000 فقط.
في عام 2017، وبعد مسيرة علمية طويلة مليئة بالنجاحات والتفوق، قرر العالم المغربي منصف محمد السلاوي التقاعد من عمله في المجموعة العملاقة المتخصصة في البحث وتطوير لقاحات الفيروسات في الولايات المتحدة وترك المجال للشباب الباحثين.
و بعد تقاعده الجزئي واصل رئاسة شركته الفرعية Galvani، و هي شركة تابعة لشركة GSK متخصصة في الإلكترونيات الحيوية، تم إنشاؤها بالتعاون مع Google ، والمتخصصة في الإلكترونيات الحيوية، و هو أيضا رئيس شركة الأدوية الحيوية Sutrovax في كاليفورنيا، وثلاث شركات أخرى تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، قائمة وظائفه لا تزال طويلة، فهو أيضًا، شريك في شركة Medicxi للاستثمار في علوم الحياة، وعضو مجلس إدارة مجموعة سويسرية متخصصة في الصناعة الكيميائية والصيدلانية، Lonza.
تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا
يشارك منصف السلاوي، الرجل الثاني في شركة GSK العملاقة للأدوية سابقا، في مشروع لقاح ضد Covid-19، حيث يرأس لجنة البحث والتطوير في شركة Moderna الأمريكية، المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية، وهو أيضا عضو في مجلس إدارتها، وفي اللجنة التي شكلها مع خبراء عالميين لتقديم المشورة حول الاتجاه الذي يجب اتخاذه للقاح.
تتلقى هذه الشركة منحًا من عدة منظمات لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا القاتل، و تتكون من خبراء عالميين يقدمون المشورة للشركة بشأن هذا اللقاح، وقد بدأت الدراسة السريرية في 25 مارس، لذلك تقوم الشركة حاليًا باختبار هذا اللقاح، وستنعكس النتائج خلال الأشهر المقبلة، بنهاية العام سنعرف على الأرجح ما إذا كانت الشركة ستنجح و تتمكن من إنتاج اللقاح أم لا.
تجري عدة مشاريع لقاحات أخرى حول العالم، ومع ذلك، فإن “موديرنا” هي الوحيدة التي دخلت مرحلة التجارب السريرية.
حتى إذا غادر الدكتور السلاوي المغرب في سن مبكرة، سيظل فخرا لبلده، بتجاربه وأفكاره وخبرته العلمية والأكاديمية. إنه خير سفير للمغرب في مجاله. والوطن سيظل في القلب والوجدان، حيث قام العالم الكبير منصف السلاوي بزيارة بلده الأم عدة مرات، وكان من المقرر أن يزور المغرب خلال الشهور المقبلة قبل تفاقم أزمة فيروس كورونا القاتل وتكليفه بهذه المسؤولية الكبيرة. لا يسعنا سوى أن نتمنى له التوفيق ولكل عالم يقوم بمهمة جليلة مثل هذه، حيث ينقذ أرواح الملايين من البشر المهددين بالموت والمر.