مقتطفات من حياة الصحابة في رمضان
شهر رمضان المبارك هو أفضل الشهور التي يمر بها المسلمون وينتظرونها من عام لآخر، وحثنا الرسول الكريم على الدعاء والتقرب من الله ودعوته لنيل الفوز في الدنيا والآخرة.
يمثل لنا في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفي صحابته الكرام أفضل مثال للعبادة في شهر رمضان والتقرب إلى الله بأحب الأعمال، وكيف كانوا يستعدون لشهر رمضان الكريم.
الهدف من صوم شهر رمضان
الهدف من الصوم هو تقريب المؤمنين من الله، والصيام لفترات طويلة يذكرنا بالمعاناة الشديدة التي يعانيها الفقراء، وغالبًا ما يزيد المسلمون من التبرعات للفقراء والجمعيات خلال شهر رمضان الكريم لتوفير الكثير من احتياجاتهم اليومية. وبالإضافة إلى ذلك، الصيام هو أكبر تدريب للنفس على التحكم بالنفس وضبطها.
كما يرى الأطباء والمتخصصين في التغذية أن الصيام يساعد الجسم على التخلص من كافة الشوائب والسموم التي تصيب الجسد والأخلاق والصفات الضارة التي تصيب النفس والروح، كما يمكنك التخلص من العادات المضرة بالصحة مثل التدخين أو الإفراط في تناول القهوة وتناول الكثير من الطعام.
استعداد الرسول والصحابة لشهر رمضان
اعتاد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على إعداد أصحابه لإعداد ذواتهم لهذا الشهر والاحتفال به من خلال العبادات والطاعة، وقال أنس بن مالك: بدأ رمضان وكما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (هذا الشهر بدأ فيه ليلة خير من ألف شهر مشتق منها ، مشتقة من الخير كله ، ولا شيء مستمد من صلاحه إلا البائس).
وبهذه الطريقة، يتطلع جميع الصحابة الكرام لشهر رمضان المبارك ولأجره العظيم.
بعد ذلك، حذر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أصحابه من أمر يمكن أن يؤدي إلى فقدان سعادة رمضان وأجره العظيم، وفي هذا السياق قال النبي صلى الله عليه وسلم: `لا يصوم أحدكم قبل رمضان بيومين أو يومين، إلا إذا جاء صومه بالصدفة`.
على الرغم من أن الصوم هو طاعة، إلا أن القيام بالصوم مباشرة قبل شهر رمضان سيقضي على الفرح الذي يشعر به المسلم في أول يوم من رمضان، لأنه يجعل الأيام مماثلة، ولذلك نهى النبي عن ذلك.
صور من حياة الصحابة في رمضان
لقد أدرك الصحابة الأبرار الفضل العظيم لشهر رمضان عند الله تعالى فكان ذلك سببا في اجتهادهم في العبادة ما بين صيام وقيام وتفطير صائم وإطعام الفقراء والعطف على المساكين، كل هذا مع ما كانوا فيه من جهاد وحرب لكافة أعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا، وهكذا حوى تاريخهم صورا مشرقة وقدوات مباركة في كل أحوالهم من عبادة وجهاد وتزكية للنفوس ونفع للناس، ومن أبرز العبادات التي يقومخ بها الصحابة في رمضان ما يلي:
الإفطار مع المساكين
من أحد المواقف العجيبة التي ذُكرت عن ابن عمر – رضي الله عنهما – وحالته، أنه إذا حل شهر رمضان لا يفطر إلا مع المساكين، ويحافظ على ذلك دائمًا وباستمرار، مهما تعاقبت السنون، وإذا منعهم أهله عن ذلك لم يتناول الطعام تلك الليلة.
وكان رضي الله كما ذكر عنه إذا جاءه سائل وهو جالس على طعامه كان يأخذ نصيبه من الطعام ويقوم بإعطائه إلى السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي من الطعام فيصبح صائما ولم يأكل شيئا، بل ولم يكن هذا التصرف من ابن عمر – رضي الله عنهما – خاصا به وحده بل كان أحد السمات الأساسية للصحابة وكافة التابعين في رمضان.
وفي ذلك يقول أبو السوار العدوي – رحمه الله -: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ولم يفطروا أحدًا منهم على طعامه الخاص فقط، بل إذا وجد من يأكل معهم، شاركوه الطعام، وإذا لم يوجد، أخرجوا طعامهم إلى المسجد وأكلوا مع الناس.
وروي عن بعض السلف قوله :قال النبي صلى الله عليه وسلم: `لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعامًا يشتهونه، أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل`.
كان السلف الصالحين مثل ابن المبارك والحسن، رحمهما الله، يستحبون تقديم الطعام لإخوانهم وهم صائمون، وكانوا يخدمونهم ويهتمون براحتهم، وهذا يعتبر صدقة تستمر لمدة 40 سنة.
إخلاص النية
ومن أغرب وأعجب الصور العجيبة في إخلاص النية وعلو الهمة التي جمعت بين المواظبة على الصوم والصدقة في دأب عجيب ما رواه ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند – رحمهما الله تعالى – قال: “صام داود بن ابي هند اربعين سنة لا يعلم به أهله، فقد كان خزازا يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدق به في الطريق ويرجع عشيا فيفطر معهم”.
علو الهمة
وقال الحافظ ابن الجوزي – رحمه الله – معلقا: تعني هذه المقولة أن أهل السوق يعتقدون أنه تناول الطعام في المنزل، بينما يعتقد أهل المنزل أنه تناول الطعام في السوق. ومن أمثلة الأشخاص ذوي الطموح العالي في إطعام الآخرين، حكاية حماد بن أبي سليمان الذي كان يفطر خمسمائة شخص في شهر رمضان.
الإكثار من قراءة القرآن وختمه أكثر من مرة
كان السلف يولي اهتمامًا كبيرًا لكتاب الله، وخاصة في شهر رمضان، وكان بعضهم يختم القرآن في كل عشرة ليالٍ، وبعضهم في كل سبعة، وبعضهم في كل ثلاثة أيام، وكان هذا الحال عجيبًا جدًا ولا يمكن تصورهذا الأمر إلا بالإفراط في حب الله والرغبة في الاقتراب منه.
وكان بعضهم يكمل قراءة القرآن كل يوم مرة، من بينهم الصحابي الجليل ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، وكان للإمام الشافعي ستون ختمة في رمضان يقرؤها في غير صلاة.
ومن أحوالهم في الإقبال على القرآن والتفرغ له: كان الزهري – رحمه الله – يتجنب قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم عندما يدخل شهر رمضان، ويقبل على تلاوة القرآن.
كان سفيان الثوري -رحمه الله- يترك جميع العبادات ويتفرغ لقراءة القرآن عند دخول شهر رمضان.
قصة التراويح
تحكي إحدى قصص الصحابة عن همتهم العالية في قيام ليلة رمضان، حيث حرص الصحابة على قيام الليل في جماعة في شهر رمضان، منذ بدايته وحتى نهايته.
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم عندما صلى في المسجد من جوف الليل فصلى بصلاته ناس من أصحابه ثلاث ليال فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله – أي أمتلا من الناس – فلم يخرج إليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما أصبح قال – صلى الله عليه وسلم -: “قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان”.
الحرص على قيام الليل
إن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يحرصون على أداء القيام في رمضان والاستفادة من تلاوة القرآن في هذه الصلاة، ولذلك كان القيام والاستمرار فيه خلال الليل برهانًا واضحًا على هذا الحرص.
تجد ذلك أيضا في خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما دخل المسجد في ليلة رمضان ووجد الناس يصلون منفردين، فصلى الرجل لنفسه وصلى آخر الرجال بصلاتهم الجماعية. فقال عمر – رضي الله عنه -: `والله إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أفضل.` ثم قرر أن يجمعهم على أبي بن كعب. وعندما خرج في ليلة أخرى، وجدهم يصلون بصلاة قارئهم، فقال: `نعمت هذه البدعة.