قصص قصيرة عن الصحابة
لدينا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قدوة حسنة نستلهم منها ونسلك طريقه، وبعده توجد الصحابة رضوان الله عليهم، فهم عاشوا معه وتعلموا منه أصول الدين وحب المولى عز وجل. قد قدموا لنا أمثلة في الشجاعة والكرم والذكاء والاجتهاد وغيرها الكثير. ولا يزال المسلمون يروون القصص الجميلة من سيرتهم الطيبة حتى اليوم لنستفيد منهم ونسلك طريقهم.
عمر بن الخطاب
تتضمن سيرة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- العديد من القصص التي تحمل في طياتها العديد من العبر والعظات لنا وللعالمين، ومن بينها:
يوما ما، جاءت امرأة تشكو لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ترغب في الطلاق من زوجها، فسألها عن السبب، فأخبرته بأنها نظرت عليه من كوة الباب ووجدته أقصرهم وأقبحهم وأقذرهم وأنتنهم، فنصحها الصحابي بالعودة إلى بيتها وطلب من زوجها الحضور، وعندما نظر إليها، وجدها صادقة فيما أخبرته.
فأمر بأن يأخذوا الرجل إلى بيت المال ويغتسل بالماء، ثم يعطرونه ويهتمون بحلقته وشعره، وأمر بأن يعطوه ثوبا جديدا من الملابس الموجودة في بيت المال. وأمر أيضا بإحضار زوجته إليه، وأخبر الزوج بأن يمسك يدها عند حضورها للمجلس. ولكنها سحبت يدها وأخبرته أن يحتشم في حضور أمير المؤمنين، ولم تكن تعلم أنه هو زوجها. ثم طلب منها أن تنظر إلى هذا الرجل بتمعن، فقالت إنه يشبه زوجي. وفي ذلك الوقت، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: “والله إني أزين لزوجتي كما أحب أن تتزين زوجتي لي.” وهكذا استخدم الصحابي الجليل أموال بيت المال لإعمار منازل المسلمين.
قصة من حياة عمر بن الخطاب
أيضاً من القصص التي وردت عنه –رضي الله عنه-:
في عهد الصحابي الكريم كان هناك رجل يدعى أبي كلاب وكان رجلاً طاعناً في العمر واقترب من التسعين وضعف بصره، جاء للصحابي وسأله ما بك أبى كلاب؟ فأخبره أنه مشتاق لابنه كلاب، فسأله عمر: وأين هو كلاب؟، قال له: مع سعد يحارب فأخبره أن يعود لداره وأمر محمد بن أبي مسلمة أن يرحل من المدينة ليحضر كلاب على الفور.
فحينما جاء كلاب نزل عند أمير المؤمنين فسأله: ماذا تفعل مع أبيك؟ أخبره بأنه ينبغي أن يحضر ناقة أكثر تحتوي على الحليب ويهدأها ويغسلها بالماء البارد ثم يحلبها ويسقي أبيه منها، ثم يذهب إلى زوجته وأبنائه. أخبر عمر أن يفعل الشيء نفسه، فجلب الناقة وهدأها وغسل درعها بالماء البارد وحلبها. بعد ذلك، أرسل عمر لأبي كلاب وأعطاه الإناء ليشرب الحليب. وعندما وضع الإناء بالقرب من فم الرجل، انهار وانتابه بكاء شديد. فقال عمر له: ما الذي بك؟ فأجاب بالبكاء: والله يا أمير المؤمنين، لو لم تقل أنني مجنون، لكنت أشم رائحة الكلاب في الإناء. فجاءت الكلاب وحضنته وبكى عمر، وبكى الحاضرون في المجلس. فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: يا ويل عبد يحق له أن يخدم والده أو أمه، أحدهما أو كلاهما، ولم يدخلاه الجنة.
علي بن أبي طالب
سيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه ورضي الله عن وجهه – كان من الصحابة الكرام الذين تميزوا بالحكمة والفطنة، وله العديد من الأقوال والقصص الخالدة التي نستفيد منها الكثير، ومنها:
في يوم ما، حضر رجال الأمن إلى الصحابي علي بن أبي طالب وأخبروه أنهم وجدوه في مكان مهجور وقد قتل رجلا. نظر الصحابي إلى الرجل ووجد سكينا في يديه والدماء تتقطر منها. سأل الصحابي الرجل إذا كان هو القاتل، وأخبره الرجل بأنه هو القاتل. وعندما كان علي يبحث عن هوية المقتول ليحضر أهله للانتقام له أو ليأخذوا الدية، جاء رجل آخر ودخل عليهم وقال له يا أمير المؤمنين، أنا القاتل. استغرب الصحابي مما سمع، إذ أعلن رجل واحد أنه القاتل وآخر اعترف بفعلته. نظر الصحابي إلى الرجل الأول وسأله إذا كان هو القاتل، فأخبره بأنه كان يعمل كجزار وأثناء ذبحه لحبشة، دخل إلى هذا المكان المهجور ليقضي حاجته وفاجأه بوجود رجل مقتول والدم يتقطر منه. وعندما رأى الرجال الآخرين هذا المشهد، كيف يمكنهم أن يصدقوه وبين يديه سكين ودماء.
ثم التفت علي -رضي الله عنه- إلى الرجل الآخر وسأله: `كيف قتلته؟` فأخبره بأنه أراد سرقة ثروة هذا الرجل، فقام بطعنه. عندما سمع أصوات أقدام تقترب، هرب واختبأ. وعندما علم أن الشخص الذي أمسك به سيقتل، خشي أن يصبح قاتلا لشخصين. تعجب الصحابي من ما سمع، فنظر إلى ابنه الحسن -رضي الله عنه- وسأله عن رأيه في هذا الوضع. فأخبره بأن هذا الرجل أنقذ نفسا، ومن ينقذ نفسا فكأنما أنقذ البشرية بأكملها. فتنازل الصحابي الجليل عن مطالبته بالقصاص ودفع دية المقتول من بيت المقتول.
من الحكايات التي تؤكد لنا على ذكاء علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أيضا، أنه دخل يوما على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وكان حينها أمير المؤمنين، فوجده يرغب في فرض الحدود على امرأة ولدت من زوجها بعد ستة أشهر فقط من الزواج، والمدة المعتادة للحمل هي تسعة أشهر، فطلب علي – رضي الله عنه – منه أن يتأنى ويعيد النظر في الأمر من خلال قراءة القرآن الكريم، فأخبره بأن الله – عز وجل – يقول في الآية الكريمة `وحمله وفصاله ثلاثون شهرا`، وفي آية أخرى يقول عز وجل `وفصاله في عامين`، إذا إذا كانت فترة الرضاعة تستغرق عامين، أي أربعة وعشرين شهرا، وفترة الحمل والرضاعة مجتمعة هي ثلاثون شهرا، فأقل مدة للحمل هي ستة أشهر، فقال عمر – رضي الله عنه – `بئس الموقف في بلد لا يوجد فيه الأب الحسين`.
عثمان بن عفان
عثمان بن عفان، ذو النورين، الصحابي الجليل، كان مشهورا بحيائه، ومن بين القصص الجميلة التي تحكي عن حيائه، روت عائشة -رضي الله عنها- أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا وكانت ركبته وشيء من فخذه مكشوفا، وعندما دخل أبو بكر -رضي الله عنه- سلم عليه، ثم دخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فسلم عليه.
وحينما جاء عثمان بن عفان –رضي الله عنه- وأستأذن ليدخل فسوى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثيابه وأذن له، فلما رحل فقالت له: عجباً يا رسول الله دخل أبو بكر فلم تهش له ولم تبال به ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تبال به ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام-:”ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة”.
أيضاً من القصص التي وردت عن الصحابي الجليل عثمان بن عفان –رضي الله عنه- هي قصته مع زوجته رقية –رضي الله عنها –، فمرضت مرضاً شديداً في أعقاب تجهيز رسول الله –صلى الله عليه وسلم- للخروج في غزوة بدر فما كان من الصحابي الكريم إلا أن استأذن من رسول الله –صلى الله عليه سولم- ليجلس مع زوجته ليمرضها وينتبه لها، ضارباً لنا مثلاً في فقه الأولويات ومحبة الزوجة وسبيل البيوت الآمنة التي تقوم على الرحمة، لذا منحه رسول الله-صلى الله عليه وسلم- سهماً من الغنائم فقد عد جهاده مع زوجته لا يقل عن جهاده في سبيل الله.