أم كلثوم، الملقبة بـ `كوكب الشرق` وسيدة الغناء العربي، هي مطربة مصرية سحرت جماهير العالم لمدة تزيد عن النصف قرن، ولا تزال أغانيها محبوبة من قبل الكثيرين حتى اليوم. بغض النظر عن تعاقب الأجيال واختلاف الثقافات، لا يوجد شخص يشكك في عظمتها وروعة إرثها الفني. لذلك، يعتبر استكشاف معلومات عن حياتها الشخصية والفنية موضوع بحث دائم ومستمر.
معلومات عن ام كلثوم
ولدت أم كلثوم في الواحد والثلاثون من ديسمبر عام (1898م) بقرية طوماي الزهايرة بمدينة الدقهلية، والدها هو الإمام (إبراهيم البلتاجي) وكان هو مؤذن قريتهم إلى جانب أنه كان يغني الأغاني التقليدية والأناشيد الدينية بالأعياد والحفلات الزفاف من أجل الحصول على المال وتغطية نفقات أسرته وهو من تعلمت منه الغناء وورثت عنه الصوت العذب.
حينما لاحظ والدها قوة صوتها وجماله بدأ في اصطحابها معه إلى الحفلات التي كان يغني بها ولكن كان يجعلها تتخفى في ملابس الصبية لكي يخفي على مسمعيها أنها فتاة خشية عليها حيث كان المجتمع المصري آنذاك يعتبر مهنة الغناء للفتيات حتى الديني منه مهنة بغيضة، ولكنها تمكنت من صنع اسم لنفسها بقرى الدلتا المصرية ومدنها منذ كانت في سن المراهقة كما أصبحت نجمة عائلتها.
اشتهرت أم كلثوم بشهرتها، ولكنها أصبحت ربة الأسرة ومصدر دخلهم الرئيسي. في عام 1916، قابل والدها الشيخ أبو العلا محمد والشيخ زكريا أحمد، اللذين نجحوا في إقناعه بالانتقال إلى القاهرة هو وابنتها. كانت هذه الخطوة الأولى نحو نجاحها الفني. أحيت حفلا ليلة الإسراء والمعراج في قصر عز الدين باشا وتلقت خاتما ذهبيا وثلاثة جنيهات كأجر من سيدة القط.
بداية المسيرة الفنية لأم كلثوم
كانت مدينة القاهرة في ذلك الوقت المركز الرئيسي للنجاح الإعلامي والفني في الشرق الأوسط، وكان الجمهور ينظر إلى أم كلثوم وعائلتها على أنهم من الريف ولهم طراز قديم، ولأن أم كلثوم كانت تتمتع بالطموح الجامح والذكاء الشديد، وكذلك الإيمان بموهبتها والإصرار على النجاح، بدأت في دراسة الشعر والموسيقى والأدب لكبار الأدباء والفنانين الماهرين.
كانت تتطلع أيضا لأخلاق وعادات السيدات الراقيات والثريات في المنازل والتي تمت دعوتها للغناء فيها وتعلم منهن، وبسرعة اكتسبت سمعة جيدة في تلك الصالونات والمنازل، بالإضافة إلى الملاهي والمسارح وغيرها من الأماكن العامة. في منتصف العشرينات من القرن الماضي، قامت بتسجيل أول تسجيلاتها التي أظهرت من خلالها أسلوبا فريدا وموسيقيا مميزا، وأصبحت لها بصمة فنية خاصة.
عصر أم كلثوم الذهبي
اتبعت أم كلثوم في الفترة ما بين الأربعينيات حتى أوائل الخمسينيات أسلوب ناضج في الأداء فضلاً مراعاتها للذوق الشعبي الراقي حيث قامت بالتوجه إلى الملحن زكريا أحمد والشاعر بيرم التونسي أغنيات تتناسب مع الأنماط المصرية الأصيلة والذي كان يعد خروجاً كبيراً عن الأغنيات الرومانسية التي كانت منتشرة في الثلاثينيات.
فيما بعد، قام الشاب الملحن (رياض السنباطي) بتلحين عدد من قصائد الشاعر (أحمد شوقي) التي تم تأليفها، والتي أنتجت نوعا جديدا من الأغاني بطراز مختلف عن تلك التي أنتجها بيرم وزكريا. وعلى الرغم من أن الأعمال الجديدة كانت ذات طابع كلاسيكي واستندت إلى أساليب موسيقية شعرية عربية، إلا أن الجمهور استحسنها ورحب بها بشدة، مما جعل السنباطي يصبح واحدا من أهم وأعظم الملحنين في جيله.
أم كلثوم قوت مسيرتها الفنية وجهودها المختلفة عندما انضمت إلى لجنة الاستماع في الأربعينات. كانت تختار الموسيقى المناسبة من وجهة نظرها الفنية، والتي يمكن بثها إذاعيا. وكان أحد الفنانين الذين نجحوا في اختبار الإذاعة أمامها هو الفنان الكبير عبد الحليم حافظ. قابلت أيضا العديد من الشخصيات السياسية الهامة، بما في ذلك الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات، حيث التقطت صورة مهمة مع الملحن محمد الموجي، وتلقت العديد من الهدايا الفخمة من الأمراء العرب الذين عشقوها وأعربوا عن حبهم لها.
مرض أم كلثوم
تعرضت أم كلثوم للعديد من المشاكل الصحية خلال مشورتها الفنية ومراحل حياتها المختلفة، وذلك بدءا من الثلاثينيات. أصيبت بمشكلات في المرارة والكبد في نهاية عام 1937م. نصحها أحد الأطباء حينها بالبحث عن علاج في بلد يحتوي على مياه جوفية. قضت شهرا في فيشي في الصيف التالي، وعادت إلى مصر مرة أخرى بعد أن شعرت بتحسن بعض الشيء، على الرغم من عدم اتباعها للقيود الغذائية الصارمة التي فرضت عليها، حيث تم منعها من تناول معظم أنواع الطعام. استمرت مشاكل المرارة والكبد معها حتى نهاية حياتها.
وفي عام (1946م) وقعت السيدة أم كلثوم في العديد من المشكلات الشخصية التي جعلت مسيرتها الفنية متعرقلة وذلك للمرة الأولى في تاريخها المهني مما جعلها تعمل بشكل متقطع بل وتفكر أكثر من مرة في التقاعد، وفي وقت لاحق من نفس العام أصيبت بالتهاب في الجهاز التنفسي العلوي، قام الأطباء بتشخيص وجود مشكلة بالغدة الدرقية نتج عنها أعراض جسدية مؤلمة فضلاً عن خوفها من تداعيات العلاج على صوتها.
أصيبت كوكب الشرق باكتئاب خطير والذي قالت عنه واحدة من الصدقات لها والتي تعد من بين عدد محدود جداً من المطلعين على أسرار حياتها وشؤونها الشخصية أنها لم تر أم كلثوم يوما في مثل تلك الحالة سابقاً حيث كانت يائسة بشدة موضحة أن تلك كانت المرة الأولى والوحيدة التي فقدت بها أم كلثوم شجاعتها.
عدد أغاني أم كلثوم
سجلت أم كلثوم، المعروفة بـ كوكب الشرق، مجموعة من الأغاني التي وصل عددها إلى ثلاثمائة أغنية على مدار ستين عاما، حيث تنوعت كلماتها بين الحب واللهفة والشوق والفراق والحنين، بالإضافة إلى الأغاني والقصائد الوطنية التي تعاونت فيها مع كبار الملحنين والشعراء. وبعد مرور هذا العدد الكبير من السنوات على وفاتها، وعلى الرغم من التعقيد الشعري العربي بالنسبة للأجيال الحديثة، لا تزال تترك أثرا في قلب وروح كل من يستمع إليها. قال بوب ديلان عنها: `إنها حقا رائعة`، وقامت شاكيرا وبيونسيه بتقديم رقصات على موسيقاها، وصفتها ماريا كالاس بأنها `الصوت الذي لا يضاهى`.
وفاة أم كلثوم
توفيت أم كلثوم نتيجة الإصابة بالفشل الكلوي عام (1975م) إذ رحلت عن عالمنا منذ خمسة وأربعون عاماً عن عمر يناهز ستة وسبعون عاماً، ولم تتمكن تلك السنوات من طمس ما قد أثرت به على قلوب محبيها، وعلى مر الأجيال مازالت أم كلثوم مدرسة لجميع الملحنين والشعراء والمطربين، وفي كل حفل وكل مناسبة وطنية أو شخصية لا تغيب أغنياتها عن التواجد والحضور.
جنازة أم كلثوم
نادرًا ما يحدث في التاريخ جنازة مثل تلك التي أقيمت بعد وفاة سيدة الغناء العربي، حيث حضرها أكثر من أربعة ملايين مصري وقاموا بحمل نعشها والسير به في الشوارع لعدة ساعات تكريمًا وحبًا لها.