تعتبر مدينة تازة بوابة شرق المغرب بامتياز كما يشير إليها المؤرخون. إنها واحدة من أقدم المدن في العالم. اسمها مشتق من اللفظ الأمازيغي `تيزي`، كما يشير العديد من المصادر التاريخية إلى أنها تعني الممر بين جبلين. لا يمكن الوصول إلى الجهة الشرقية، التي تعتبر وجدة عاصمتها، بدون المرور عبر تازة أولا. كانت تازة عاصمة مهمة ونقطة تحول حاكمة منذ حكم إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. كان من المستحيل السيطرة على المغرب دون السيطرة على هذه المدينة. لعبت دورا مهما في تاريخ المغرب على المستوى العلمي والثقافي والجهادي ضد الاستعمار. لنتعرف على المدينة من خلال هذا المقال.
تاريخ مدينة تازة
تأسست المدينة قبل الفتح الإسلامي في نهاية القرن السابع الميلادي من قبل الأمازيغ (البربر). بعض المؤرخين يدعون أن المدينة قد تأسست أثناء الحقبة الرومانية. البربر تحالفوا مع الإدريسيين في عام 790 وانضموا فيما بعد إلى الفاطميين في القيروان عام 1074م. تحت حكم المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين دخلت المدينة لاحقا في عام 1132 وكانت عاصمة مؤقتة للملك عبد المومن بن علي. بعد فترة من حكم الموحدين، احتاجت المدينة إلى حماية من قبائل “زناتة”، لذا تم بناء سور يتخلله بعض القلاع لصد الغزاة. يوجد في المدينة القديمة سبعة أبواب مشهورة وهي: باب الريح، باب الجمعة، باب الشريعة، باب الزيتونة، باب طيطي، باب أحراش، باب القبور. في عام 1248، استولى المرينيون على المدينة وحكموها، ثم جاء دور الدولة العلوية. واحدة من الأحداث المهمة في تاريخ المدينة هي تمرد الجيلالي الزرهوني المشهور “ببو حمارة” على السلطان العلوي في عام 1902، حيث اتخذ تازة مقرا له لمدة سبع سنوات قبل أن يثور عليه أمازيغ المنطقة تعبيرا عن الولاء للأسرة العلوية. على الرغم من أن تازة صمدت أمام العثمانيين، إلا أنها سقطت في أيدي الفرنسيين في مايو عام 1914 وأصبحت واحدة من آخر المدن التي خضعت لنظام الحماية الفرنسية كما ذكر.
وجدت مجموعة من البقايا الأحفورية في المدينة، وهي دليل على أن الكهوف في المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري القديم. تم العثور على العديد من الحلي والفؤوس والأدوات الخزفية التي كان يستخدمها الإنسان البدائي، وهذه المواد معروضة حاليا في متحف تازة كشاهد على تاريخ المدينة العريق والتاريخ العريق للمغرب. لعبت المدينة دورا استراتيجيا في تاريخ المغرب، حيث شهدت العديد من الأحداث الكبيرة بين الحكام المتعاقبين عليها، ومعالمها الحالية تعكس تلك الحقب الزمنية. في الماضي، كان هناك سيطرة على تازة تحكم في الحركة التجارية والعسكرية للمغرب.
تتشكل المدينة الآن من مدينتين تازة العليا و تازة السفلى، و يربط بينهما منحدر مدرج وباب علوي يسمى باب الريح تاريخياً، و قد عاشت مدينة تازة فتراتٍ حاسمة من تاريخ المغرب خاصّة مقاومتها للاحتلال الفرنسي خلال فترة الحماية. حيث يستطع الاستعمار الدخول إلى تازة إلا بمشقة الأنفس” حيث استمرت المقاومة إلى غاية بداية الثلاثينات. أهمية هذه المدينة تكمُن فيما جاء على لسان الجنرال الفرنسي “ليوتي” حين اعتبر انه من الصعب السيطرة على المغرب من دون السيطرة على ممرّ تازة الذي يصل المغرب الغربي بالشرقي من هنا، تبرز أهمية تازة استراتيجياً في التخطيط السياسي والعسكري.
مناخ و موقع مدينة تازة
موقع المدينة استراتيجي، يقع بين سلسلتيْن جبليتيْن تقتسِمان جغرافية المغرب، سلسلة جبال الريف شمال البلاد، وجبال الأطلس المتوسط. تقع مدينة تازة في الجزء الشمالي من المغرب بين جبال الريف وجبال الأطلس، وذلك على بعد حوالي 120 كيلو متر من مدينة فاس و210 كيلو متر من مدينة وجدة تقع تحديدا جنوب جبال الريف وتتكون المدينة من بلدتين منفصلتين تم بنائهما على تراسات منفصلة تطل على وادي جبلي. و تقع المدينة القديمة على ارتفاع حوالي 1900 قدم (أي 580 متر) فوق مستوى سطح البحر وتحيط بها التحصينات المختلفة. بينما تقع البلدة الجديدة التي أسسها الفرنسيون في عام 1920 في سهل خصب على ارتفاع 1500 قدم (أي 450 متر).
يتميز مناخ فصل الصيف في مدينة تازة بالحرارة العالية، حيث يعد مناخًا موسميًا، أما في فصل الشتاء فتكون درجة الحرارة باردة نسبيًا، وتصل كمية الأمطار المتوسطة إلى 900 ملم في العام، ويفضل الزوار والمقيمون في المدينة هذا النوع من المناخ بشكل كبير خلال فصل الصيف.
أهم المعالم التاريخية في مدينة تازة
يعود التاريخ الثقافي للمدينة إلى العهد المريني، الذي شهد بناء ثلاث مدارس علمية، وهي: المدرسة اليوسفية التي بناها أبو يعقوب يوسف، ثم المدرسة الحسنية التي بناها السلطان أبو الحسن علي، وأخيرًا المدرسة العنانية التي أسسها الملك أبو عنان فارس.
توجد في تازة العديد من المعالم التاريخية والدينية المهمة. يعرض الماضي العظيم في هذه المعالم، ومن أبرزها `الجامع الكبير` أو `المسجد الأعظم` الذي شيد من قبل الموحدون في عهد السلطان عبد المومن بن علي الكومي. قام المرينيون بتزيينه وإعادة هيكلته لاحقا. يعتبر هذا المسجد واحدا من المعالم التي استمرت عبر الزمن. يتميز بثرياته الفريدة من نوعها في العالم، حيث تزن 32 قنطارا من النحاس وتحمل قصائد شعرية نقشت عليها. صنعت هذه الثريات وتم تعليقها في عام 694 هـ الموافق 1294م بأمر من السلطان المريني يوسف أبو يعقوب. هناك أيضا مدرسة تعود إلى القرن الرابع عشر وتحتفظ بمعالمها في المدينة حتى يومنا هذا.
توجد العديد من المساجد التاريخية القديمة في المدينة، مثل مسجد الأندلس ومسجد سيدي بلفتوح ومسجد سيدي بن عطية، وغيرها… وكانت القصبات لها دور كبير في تأوي الجيوش وحماية العائلات في الماضي. ويبلغ عدد الأبواب التي تربط جدران المدينة القديمة 11 بابا، وهي باب القصبة وباب المنارة وباب الريح وباب الجمعة الفوقية وباب الجمعة التحتية وباب طيطي وباب القبور وباب الزيتونة وباب أحراش وباب شريعة وباب سيدي مصبا.
تحتوي المدينة على العديد من الزوايا مثل الزاوية التجانية والقادرية والتهامية والكبشية والتوازنية، وتوجد فيها العديد من الأضرحة للعلماء والأولياء مثل ضريح سيدي عزوز وضريح سيدي علي بن بري التسولي وضريح سيدي عيسى وغيرها.
و تتميز المدينة بأسوارها الشاهقة الشاهدة على عظمة المدينة وتاريخها العريق . يتخللها “البرج الملولب” الذي يوجد بالواجهة الجنوبية الغربية للمدينة، ويطل على حوض واد تازة يرجع تاريخ بنائه، موازاة مع بناء الأسوار الأولى للمدينة، إلى الموحدين.. ويتمثل دوره في المراقبة والدفاع عن تازة العتيقة.
ومن أعظم معالم المدينة رغم الاندثار حصن البستيون أو البرج العظيم، منشأة عسكرية شيدت على شكل مكعب طول أحرفه 26 مترا، و هذا ما جعله معلمة تاريخية وسياحية بامتياز. حيث كان معقل السلطان احمد المنصور الذهبي و القلاع المدفعية، أنشئ حوالي سنة 1600 أو قبلها بسنوات قليلة، و لعب دور هاما في حماية المدينة، منذ إنشائه إلى غاية عهد الاستعمار الفرنسي. يرجح أن حصن البستيون تم تشييده إثر الهجمات العثمانية القادمة من الجزائر خلال سنوات 1550، 1553 و1573.
السياحة في مدينة تازة
أهم مكان سياحي في تازة يجذب السياح من داخل المغرب وخارجه، يتواجد على بعد 20 كيلومترا جنوب غرب المدينة، وهو المنتزه الوطني تازكة الذي تم إقامته على مساحة تبلغ 580 هكتارا، يتميز بغاباته الكثيفة وتنوعه النباتي والحيواني ويشكل مكانا رائعا لتطوير البيئة الايكولوجية. يحتوي هذا المنتزه على أكثر من 5000 نوع نباتي نادر و27 نوعا من الثدييات و83 نوعا من الطيور ومساحات مزروعة بأشجار الأرز وشلالات، ومناظر طبيعية وكهوف، بالإضافة إلى التصميم المعماري المميز والصناعة التقليدية. وبوجود العديد من المناظر الطبيعية الساحرة على الطريق إلى جبل تازكة (الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 2000 متر)، أبرزها منطقة رأس الماء التي تبعد عن مركز المدينة 10 كيلومترات، وتحتوي على شلالات مائية جميلة تشكل ملاذا طبيعيا لسكان المدينة والمناطق المجاورة. وتعتبر منطقة رأس الماء بداية سلسلة جبال الأطلس المتوسط من الجنوب، بالإضافة إلى وجود منتجع باب بودير المعروف بجذبه لمخيمات وسياحة جبلية على مدار العام. وتتميز تازة أيضا بشلالات ايت إسماعيل الساحرة الموجودة في جماعة مغراوة، والتي تعتبر مركزا سياحيا كبيرا، بالإضافة إلى العين الحمراء التي يزورها الكثيرون من مختلف مناطق المغرب للعلاج من جميع الأمراض المستعصية.
تحتوي مدينة تازة على أسواق متنوعة مثل الحبوب والمنسوجات والمجوهرات، وتحوي أيضا العديد من الأسواق الرائعة التي تجذب الزوار من جميع الأماكن لشراء السلع والهدايا. بالإضافة إلى ذلك، يستمتع السياح بزيارة مسجد الأندلس الشهير، الذي تم بناء مئذنته في القرن الرابع عشر. تشتهر المدينة أيضا بمنطقة القصبة، وتتميز بأسوار المدينة والأبراج المحصنة والعديد من الآثار الجميلة. يستمتع الزوار أيضا بالمناظر الخلابة للجبال ويتمتعون بفرصة استكشاف الكهوف المشوقة والجسور الجميلة.
تقع دوار سيدي مجبار في مدينة تازة على سفوح جبال الأطلس المتوسط، وترتفع 1200 متر فوق سطح البحر، وهي واحدة من الأماكن السياحية الهامة التي تستقبل الزوار طوال العام، بالإضافة إلى أماكن أخرى رائعة مثل باب بودير وباب الزهر وجبل بويبلان.
كما تتميز مدينة تازة بالعديد من المغارات المعروفة دوليا ومحليا و أبرز مغارات الإقليم مغارة فْرِيوَاطُو الأكبر إفريقيا المكتشفة سنة 1935م على مقربة من تازة جنوباً بحوالي العشرين كلم، مغارة تعتبر الأعمق على الصعيد الإفريقي بمدخل يقدر عرضه بـالثلاثين متراً. بالإضافة إلى حوالي 300 مغارة مكتشَفة في الإقليم منها مغارة تسمى الشّْعْرة والمغارة “الحمراء” ومغارة “باب تازة”.