مدينة العرائش تعتبر واحدة من المدن التاريخية السياحية المهمة في المغرب، إذ تقع على الساحل الأطلسي في شمال المغرب عند مصب نهر لوكوس. كانت المدينة تحت السيطرة الإسبانية من عام 1610 حتى 1689 ومن عام 1912 حتى 1956، وتتميز ببناياتها ذات الطابع الإسباني التاريخي البسيط وتضم العديد من المعالم التاريخية الهامة، بما في ذلك المدينة الأثرية ليكسوس، وقلعة الكبيبات، وحصن اللقلاق الذي بني عام 1710 من قبل الإسبان، بالإضافة إلى معالم أخرى. إنها أيضا مركز مهم للزراعة وصيد الأسماك. سنتعرف على المدينة من خلال هذا المقال.
تاريخ مدينة العرائش
تعد هذه المدينة من المدن الهامة والاستراتيجية في شمال المغرب، وقد تعرضت لحملات استعمارية عديدة عبر الزمن. وأولى حكام المغرب الكثير من الاهتمام لها نظرًا لموقعها المميز القريب من أوروبا، لحمايتها من الهجمات المكثفة للإسبان والبرتغاليين الذين كانوا يطمحون لاحتلالها مهما كلف الأمر.
لقد حاول البرتغاليون والإسبان السيطرة على المدينة لعدة سنوات وفشلوا بشكل كبير، وقام البرتغاليون بإنشاء قلعة قريبة منها في عام 1489، ولكن لم تكن هجماتهم على مدينة العرائش ناجحة حتى نجحوا في السيطرة عليها في عام 1610 بعد أن وقعوا معاهدة تسليم المدينة للإسبان مقابل مساعدة الملك السعدي في الحصول على الحكم، واحتلوا المدينة لمدة ثمانين عاما حتى حررها الملك المغربي مولاي إسماعيل في عام 1689. ومع ذلك، استمر الهجوم الاستعماري على المدينة وتم احتلالها مرة أخرى في عام 1911 وسيطرت عليها إسبانيا لمدة 45 عاما حتى عام 1956. وعانت المدينة من هجمات فرنسية ونمساوية لفترات طويلة، ومع ذلك، بقيت المدينة قوية وصامدة.
موقع و مناخ مدينة العرائش
تُعد مدينة العرائش واحدة من أقدم المدن المغربية، حيث عرفت أربع حقب تاريخية فينيقية وقرطاجية ورومانية وإسلامية، وبسبب موقعها الإستراتيجي المميز، تعرضت للعديد من الغزوات الإيبيرية. وفي العهد المريني، حظيت المدينة بالاهتمام الكبير وازدهرت بشكل كبير.
تقع مدينة العرائش في منطقة طنجة تطوان الحسيمة، على بعد حوالي 85 كيلومترا من طنجة و105 كيلومترات من تطوان في شمال غرب البلاد، على ساحل المحيط الأطلسي، على الضفة اليسرى لوادي لوكوس. يبلغ عدد سكانها 125,008 نسمة وفقا لأحدث إحصاء. تتميز المدينة بمناخ البحر المتوسط الحار في الصيف مع هطول الأمطار الغزيرة. يكون الصيف مشمسا وحارا إلى حد ما، مما يجعله مناسبا لزيارة شواطئ المدينة الجميلة والسباحة في مياهها العذبة. أما فصل الشتاء، فيكون رطبا وباردا بالنسبة لسكان المدينة.
السياحة في مدينة العرائش
تتميز هذه المدينة بجمال طبيعتها الفريد بين الجبال والبحر والغابات، كما تزخر المغرب بثروة من السمك والزراعة الهائلة.
تظهر المنازل الموجودة في ساحة المدينة القديمة أو “بلاصا إسبانيا” بطريقة جميلة على الطراز الأندلسي، ويتجول السياح من مختلف مدن المغرب بين هذه المنازل والسوق القديم المجاور لها ببنائهالعتيق المثير للإعجاب لاستكشاف المدينة.
وتحتوي مدينة العرائش على شواطئ رائعة تعجب السياح، حيث يستمتعون بالجلوس على رمالها الذهبية والاسترخاء وممارسة الأنشطة الرياضية، بالإضافة إلى السباحة والغوص في مياهها العذبة. يمكن للسياح أيضا استكشاف المناطق الجبلية الفريدة وزيارة الحدائق المميزة التي تقام فيها أنشطة رياضية مثل المشي لمسافات طويلة والتعرف على النباتات والأشجار والطيور المختلفة. تتميز المدينة أيضا بالمعالم الأثرية القديمة والفريدة التي تعكس الحضارات المتعددة التي مرت عليها، فمثلا على الضفة اليسرى لمصب نهر لوكوس يوجد أطلال مدينة ليكسوس الأثرية، وهي المستوطنة الفينيقية التي استوطنها القرطاجيون وبعدهم الرومانيون.
من أجمل معالم المدينة كذلك السياحية نذكر :
بناء الكوماندانسيا
بناه الملك العلوي مولاي إسماعيل عند استرجاع المدينة من الأسبان بالحملة الأولى وجعله قصرا له. وبعدها قام الأسبان بحملة أخرى على العرائش واستخدموا بناء الكوماندانسيا كمقر للحكم العسكري. ويحتوي على ساعة كبيرة التي قام الأسبان بأخذها معهم بعد الحملة الثانية على المدينة. ويعتبر من أهم المزارات التاريخية في المدينة، ويقع في حي القصبة خلف البناء بالقرب من المتحف الأثري ومسجد الأنوار.
حديقة الأسود
تضم هذه الحديقة الجميلة مجموعة من التماثيلات الكبيرة للأسود، وتحتوي على ممرات واسعة للمشي ومجموعة من الأشجار والنخيل، كما تتوفر فيها مقاعد للجلوس وتحيط بها بعض المقاهي والمطاعم.
شاطئ رأس الرمل و السوق الصغير
يتمتع هذا المكان بطول يبلغ حوالي 5 كم، ويقدم فرصة ممتازة للاستمتاع بالسباحة، لعبة الكرة الطائرة الشاطئية، ركوب الأمواج، ولعبة كرة القدم. يتميز بوجود حاجز صخري يمتد لحوالي 750 مترا لتهدئة الأمواج. يعتبر هذا الشاطئ أحد أهم أماكن الترفيه التي يتوجب على سكان المدينة زيارتها، خاصة في فصل الصيف. بالإضافة إلى ذلك، يتواجد بالقرب من الشاطئ مجموعة من المطاعم التي تقدم أشهى وجبات السمك والسردين المشوي، والتي تشتهر بجودتها خاصة بالقرب من ميناء العرائ.
يوجد في المدينة سوق شهير بُني على يد السلطان محمد بن عبد الله، ويُعد من أقدم الأماكن المشهورة فيها بسبب أهميته وموقعه المميز وسط المدينة، ويتدفق إليه يوميًا مئات السكان لشراء الخضار والفواكه واللحوم والملابس وغيرها من المواد..
منتجع ليكسوس بيتش
ثم أنشئ قريبا من المدينة، ويضم تراسا وصالة مشتركة وملعب تنس ومركزا رياضيا، ويحتوي على مرافق متنوعة. يمكن للزوار لعب تنس الطاولة في هذا المنتجع، ويقدم المطعم أشهى الأطعمة المغربية والعالمية. يتميز المكان بمسبح كبير في الهواء الطلق، وهو واحد من المنتجعات الناجحة في المدينة حيث يتوافد عليه العديد من سكان المدينة والمدن المغربية. يقع مطار طنجة ابن بطوطة القريب على بعد 58 كم من المنتجع.
مدينة ليكسوس الأثرية ونهر اللوكوس
مدينة أثرية تبعد 3 كلم عن مدينة العرائش، مستوطنة فينيقية استوطنها القرطاجيون قبل أن تصبح فيما بعد مستعمرة رومانية وجزء من مقاطعة موريطنية الطنجية، تضم المسرح المُدرج، منزل إله الشمس، معبدين، وحي قصر العدالة. تم تشييدها سنة 1180 قبل الميلاد على يد أحد ملوك الأمازيغ، وعرفت ازدهارا واسعا في عهد يوبا الثاني طوال القرن الأول قبل الميلاد.
تقع هذه المدينة على الضفة اليمنى لوادي اللوكوس، فوق هضبة تسمى التشوميس، وتبلغ مساحتها أكثر من 75 هكتارًا. يسمي أهل المنطقة هذه المدينة `الشميش`، وتطل على الساحل الأطلسي على ارتفاع 80 مترًا.
تحتوي المنطقة على بقايا للمساكن والقصور التي تتميز بأعمدتها الضخمة وأرضيتها المزينة بالفسيفساء، بالإضافة إلى بعض الأماكن المخصصة لتجفيف وتمليح السمك، والتي كانت تميزًا لسكان المدينة في تلك الفترة.
نهر اللكوس هو نهر ينبع في منطقة شفشاون ويصب في المحيط الأطلسي شمال مدينة العرائش. يعتبر هذا النهر ثالث أوسع مجرى مائي في المغرب بتدفق يبلغ متوسطه 50 متر مكعب في الثانية. أحد روافده هو `وادي المخازن` الذي يحمل أهمية تاريخية كبيرة في المغرب، حيث شهدت فيه معركة الملوك الثلاثة في القرن السادس عشر والتي كانت واحدة من أعظم المعارك في تاريخ المغرب. في تلك المعركة، قاد عبد الملك السعدي المغاربة وقضى فيها بالاستشهاد.
بعض المعالم التاريخية في مدينة العرائش
تتميزمدينة العرائش بثقافتين، المغربية والإسبانية، وتتميز هندستها المعمارية بخصوصية الأسلوب الأندلسي الذي ما زالت آثاره موجودة في جميع أنحاء المدينة، كما تتميز وسط المدينة المسمى بساحة التحرير بجمالية بناياتها ومنظرها الساحر.
السوق المركزي في المدينة يحتوي على محلات تبيع الخضروات واللحوم والسمك وغيرها من الأشياء. تم بناء هذا السوق القديم ذو العمارة المميزة في المدينة من قبل الإدارة الإسبانية أثناء فترة الحماية في المغرب في عام 1924. تشتهر المدينة أيضا بأزقتها الضيقة والقديمة والبوابات المشهورة مثل باب القصبة وباب البحر وباب القبيبات، وتحتوي أيضا على مساجد قديمة مثل جامع الكبير الذي تم بناؤه في القرن الثالث عشر.
المتحف الأثري للمدينة
هو قلعة بناها السلطان يوسف بن عبد الحق المريني في عام 1279 ميلادية، ثم استخدمته الإسبان عند استعمارهم للمدينة كمخزن للأسلحة، تقع بالقرب من حي القصبة من الخلف، وتجاور الكوماندنسيا على ربوة تطل على مدخل المدينة مباشرة. يحتوي المتحف على جميع الآثار التي تشهد على حضارة المدينة خلال فترات الرومان والفينيقيين والإغريق والإسلام بعد ذلك. تم اعتماد المتحف في عام 1973، ويحتوي على تحف وآلات حربية وأواني فخارية تعرفنا بالحضارات التي تعاقبت على هذا الأرض.
برج اللقلاق و حصن الفتح “القبيبات”
تزْخرُ مدينة العرائش بكثيرٍ من المآثر التاريخية العريقة، أهمها حصن الفتح الذي يقال انه كان قصر المولى اسماعيل، و تحوّل إلى قلْعة للمقاومين المغاربة، ثم تحوّل في عهد الاحتلال الاسباني إلى مستشفى، أما برج اللقلاق فهو صرح عسكري قديم كان اسمه في البداية برج النصر، كناية على الهزيمة النكراء التي ألحقها المغاربة بالبرتغال في معركة وادي المخازن، حيث قام السلطان احمد المنصور الذهبي بتشييده ليخلد ذلك الانتصار العظيم، الحصن كان يسكنه طائر اللقلاق طيلة سنوات، و هذا ما جعل سكان المدينة يسمونه ببرج اللقلاق.
كانت مدينة العرائش دائماً مدينة مقاومة وحضارية، ولم تفقد رمزيتها ورونقها وجمالها على الرغم من التهميش الذي تعرضت له منذ سنوات، وهي بالتأكيد مدينة سياحية جميلة تستحق الزيارة.