من هو مولاي إدريس الأول
إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، هو أول من دخل المغرب من الطالبيين، ومؤسس أول حضارة عربية في المغرب، ومؤسس دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى، ونسبت إليه. سنتعرف على شخصية المولى إدريس، وحياته، وسيرته العطرة من خلال هذا المقال.
نسب وعائلة مولاي إدريس الأول
يعود أصل الأشراف الأدارسة إلى إدريس الأول بن عبد الله الكامل المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، وسيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، بنت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأمه هي عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث الشاعر بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن نمرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، يعود نسب إدريس الأول إلى رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم من جانب فاطمة الزهراء رضي الله عنه.
ما الذي حدث في معركة فخ
اجتمع آل البيت برئاسة عبد الله الكامل المحض بعد العهد الأموي وقرروا مبايعة محمد النفس الزكية والثورة على الحكم العباسي، فأرسل إليه الحاكم العباسي ابو جعفر المنصور جيشه الضخم الذي قضى على هذه الحركة العلوية وقتل محمد، و مولاي كما يقول بعض المؤرخين ان إدريس كان هو ابن عم الحسين بن علي أخو محمد النفس الزكية، وقد ثار على العباسيين عدة مرات منذ توليهم الخلافة، ففي سنة 169 هـ في المدينة قامت ثورة العلويين ضد الحكم العباسي في واقعة فخ بقيادة الحسين بن علي، الذي تم قتله هو والعديد من رجاله في منطقة فخ بالقرب من مكة المكرمة، وبخصوص هذه الواقعة روى أبو الفرج الأصفهاني أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ مع أصحابه بفخ، فقال يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة. وروي عن الإمام الباقر أن جبرئيل قال لنبينا المصطفى (ص): يا محمد إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين.
بعد أن فشلت الثورة وقتل الحسين وأصحابه بموقعة فخ أمر والي المدينة العباسي بالهجوم على دار الحسين و بيوت أهل بيته و من دعمه، فهدّمها وأحرق المزارع، و نهب الأموال، كما أجبر الأهالي على التبري من آل أبي طالب ومهاجمتهم و النيل منهم، فقرر المولى إدريس الأول الهرب باحثا عن مكان آمن بعيد عن أعدائه العباسيين، فذهبوا إلى مدينة ينبع متنكرين ومنها إلى ايلات، فالعقبة ثم إلى مصر ومنها إلى برقة فطرابلس ومنها إلى القيروان ثم تلمسان، فدخل إلى المغرب رفقة خادمه راشد ويقال أخوه في الرضاعة، فاستقر بمدينة طنجة، وبدأ يدعو القبائل المغربية لنصرته، قبل أن يدخل مدينة وليلي سنة 172هـ/789م، وتبايعه قبيلة أوربة.
لجوء إدريس الأول إلى المغرب
انتقل مولاي إدريس إلى مصر ثم استقر في شمال أفريقيا بالمغرب الأقصى في عام 172 هـ، واستقر في قبيلة أوربة البربرية التي كانت تحكمها آنذاك الأمير إسحاق بن محمد بن عبد الحميد، واستضافه ودعمه وزوج ابنته كنزة لابنه الوحيد إدريس الثاني، وجمع قبائل البربر لدعمه وأخذوا بيعته بعد أن علموا أنه حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما تمت البيعة قام بتجهيز جيش ضخم فغزا بلاد “تامسنا” وما حولها وفتحها، وأسلم أهلها على يده، عمل إدريس الأكبر على تكوين جيش من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة وهوارة، وبدأ في شن حملات من اجل نشر الإسلام في بقية مناطق المغرب، واستطاع إدريس أن يجمع الكثير من الأنصار و يبني دولة قوية موسعة.
في عام 173 هـ، ذهب إلى المغرب الأوسط وهاجم “تلمسان” لفتحها. أطاعوه وأخذوا يبايعونه، واستولى على مدينة سبتة وزاد عدد أنصاره حوله. ثم عاد إلى وليلي وجعلها عاصمته وتخلى عن طاعة بني العباس، وبدأ يخطط لحملاته نحو الشرق. هذا أثار تخوف الخلافة العباسية من قوة إدريس الأول وتقدمه نحو الشرق، فربما يشتاق إلى مكان ولادته في الحجاز وإذا استطاع الوصول إلى المشرق، فهذا يعني نهاية دولة العباسيين. قام هارون الرشيد بإرسال جيش لمحاربة مولاي إدريس ومنعه من الوصول إلى هناك بفاصل زمني بينهما. كما تأمل في عواقب هزيمة جيشه أمام جيش مولاي إدريس في حال اتخذ خطوة غير محسوبة، وأن هذا سيجلب له المشاكل وربما يؤدي إلى حرب يشنها إدريس للهجوم على مصر والشام. لجأ هارون الرشيد إلى حيلة للتخلص منه، فأرسل رجلا ذكيا وماكرا يدعى سليمان بن جرير الشماخ ليتظاهر أمامه بأنه لا يخضع لسلطة بني العباس ويقترب منه. ثم تمسك به وتقرب منه، وبعد أن سيطر عليه بكلماته اللطيفة، جعله يتنفس السم القاتل في يوم ما وقتله بالغدر وهرب. ولكن حتى بعد وفاته، بقي البربر الأمازيغ مخلصين لإدريس، فبايعوا ابنه إدريس الثاني وتولى الحكم.
من هي زوجة المولى إدريس الأول
سيدة أثرت في تاريخ المغرب، تدعى كنزة الأوربية، مشتقة من قبيلة أوربة التي تنتمي إليها، وهي قبيلة أمازيغية تعرف حاليا بمنطقة زرهون. هي ابنة زعيم القبيلة، إسحاق بن عبد الحميد الأوروبي، وزوجة المولى إدريس بن عبد الله بن الحسن، الابن الأول لعلي بن أبي طالب، الذي تم اغتياله أثناء حملها بابنها الأول. على الرغم من وفاته، استمرت في إدارة شؤون البلاد والعباد بحزم وقوة قصوى، حتى وضعت المولى إدريس الثاني.
تزوجها المولى إدريس الأول سنة 788م، عندما هرب إلى المغرب خوفاً من أذى العباسيين، استقبلته قبيلة أوربة ودعمته فيما بعد لتأسيس الدولة، و زوجوه من كنزة التي كان لها دور كبير في إرساء قواعد دولة الأدارسة وتجلى ذلك من خلال إعداد ولدها إدريس الثاني مؤسس مدينة فاس لأجل تولي الحكم وتحمل عبء الدولة، حيث أجلسته على كرسي الحكم و هو طفل صغير لم يتجاوز الحادية عشر من عمره، وتقدم القوم لمبايعته على الرغم من سنه، فحكم البلاد بمساعدتها ومشورتها وقام بعدد كبير من الفتوحات، كما لديها موقف عظيم أخر لا يقل أهمية، عندما تولى حفيدها محمد الحكم، قام إخوته بمنافسته وكادت تحدث فتنة كبيرة بين الأشقاء، لولا تدخل السيدة لحل لنزاع والفتنة بينهم، فاقتسم المغرب كما أشارت عليه واختص كل واحد منهم بإقليم، وبفضلها بقيت الدولة متماسكة قوية.
أثار المولى إدريس الأول
من الآثار المهمة التي خلفها المولى إدريس مدينة مولاي إدريس زرهون، المتواجدة بنحو 20 كلم من مدينة مكناس، والتي كانت في عهده أول عاصمة للمغرب، ومن آثاره كذلك مسجد ومنبر للخطبة في تلمسان، الذي كتب فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب وذلك في شهر صفر عام 174هـ، كما يقول بعض المؤرخين أن المولى إدريس الأول بنى مدينة فاس سنة 172هـ، وأتم بناءها ابنه إدريس الثاني.
كما قام بضرب السكة بتدغة عندما نقش في وسط وجهها “الله وحده لا شريك له” وبدائرتها “بسم الله” ضرب هذا الدرهم بتدغة عام 174هـ. ونقش في الوجه الآخر صورة هلال ثم “محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم” وتحته”علي” ثم وهذا ما أمر به إدريس بن عبد الله جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” وكان وزن هذه القطعة غرام ونصف من الفضة الخالصة وسميت هذه السكة بالدرهم الإدريسي الفضي.
وفاة المولى إدريس الأول وضريحه
كما ذكرنا سابقا، كان راشد، حاجب المولى إدريس، لا يثق بالشماخ ولا يفارق السلطان أثناء حضوره. غياب راشد عن المولى إدريس في ذلك اليوم كان فرصة عظيمة للشماخ الخائن. دخل الشماخ على السلطان كالمعتاد وتحدث معه، ثم قدم للمولى إدريس قارورة من طيب مسموم. قال له: `هذا طيب جلبته معي وهو من أجود الأنواع، والسلطان أولى به مني.` شكر المولى إدريس الشماخ وفتح القارورة واشتم ما فيها. صعد السم إلى خياشيمه ثم إلى دماغه، فسقط ميتا أمام كرسيه على الأرض.
لاذ القاتل بالفرار بعد ذلك فركب جواده وتوجه على وجه السرعة نحو المشرق، وطارده راشد بوادي ملوية و ضرب رأسه وقطع يده لكنه تمكن من الفرار، ثم عاد إلى القصر وشرع في إعداد جنازة المولى إدريس، وقد تمت مبايعة المولى إدريس الثاني وهو في بطن أمه كنزة، إلى أن وصل إلى سن الثالثة عشرة، حيث تولى الملك.
توفي المولى إدريس الأول سنة 177 هـ/793م، ودفن في جبل زرهون حيث يتواجد ضريحه الذي يقع في ساحة بئر انزران، وهي الساحة الرئيسية وسط المدينة، والتي تعتبر قبلة سنوية للعديد من الأشراف الإدريسيين والمريدين، وأيضا مزارا سياحيا للمسلمين والأشخاص الذين يرتدون ثيابا محتشمة فقط. وتعد هذه المنطقة مكانا لأداء الصلوات حتى الآن، بالإضافة إلى أن المدينة تزين كل عام لاستقبال موسمها السنوي الصيفي الذي يستمر لمدة أربعة أسابيع. ثم يقام حفل كبير يشارك فيه العديد من الطوائف والقبائل المجاورة التي تعرض ثقافتها ومنتجاتها. ويمكن للزوار شراء العديد من الهدايا التذكارية هناك.