ادبفنون

ما هو الرسم القصصي

إذا كان الشخص مهتمًا بالفنون الأوروبية التاريخية، فمن المحتمل أن يكون سمع بمصطلح الرسم القصصي. وعلى الرغم من أن الرسوم القصصية تصف الأحداث التاريخية، إلا أن الرسم القصصي هو أمر أكثر تعقيدًا بعض الشيء من ذلك .

الرسم القصصي

تصف وتصوّر الرسوم القصصية قصصًا مهمة حدثت في التاريخ والأدب والدين والأساطير، ويمكن لهذه اللوحات أن تعرض قصصًا مجازية. انتشرت الرسوم القصصية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولكن فكرتها كانت شائعة منذ عصر النهضة.

في ذروة انتشار الرسوم القصصية وأوجها، كانت هذه الرسوم تعتبر الأكثر أهمية في فن الرسم، وأراد معظم الفنانين الشهرة بتطويرها ومتابعتها. وكانت الرسوم القصصية في القمة والصدارة التسلسل الهرمي لأساليب الفنون الأوروبية الأكاديمية، لذلك كان هذا النوع من الرسم هو الأكثر ربحية وقيمة، وأراد الفنانون الطامحون العمل به ومتابعته.

حاول الرسامون والفنانون المتخصصون في تصوير اللوحات الشخصية (وهي المرتبة الثانية في التسلسل الهرمي) وتصوير المناظر الطبيعية بشكل مستمر إضافة عناصر من الرسم القصصي إلى لوحاتهم، كطريقة لرفع قيمة لوحاتهم .

خصائص الرسوم القصصية

الرسوم القصصية عادة ما تكون كبيرة في الحجم مليئة بالمحتوى. القصص الموجودة فيها والشخصيات المستمدة عادة ما تكون من الكتاب المقدس والعصور الكلاسيكية القديمة وغالبا ما تتناول الرسوم القصصية موضوعات شائعة. هذه الرسوم عادة ما تقدم درسا أخلاقيا أو تحث على فضيلة ما، وقد تميزت بمستوى عال من المحاكاة والقصص المجازية في بعض الأحيان، واحتوت على العديد من التفاصيل والرمزية وتميزت أيضا باحتوائها على تركيبة معقدة جدا من الشخصيات.

مفاهيم الرسم القصصي

في الغالب، تكون مواضيع الرسوم القصصية مستمدة من مصدر مكتوب ويمكن الاعتماد عليها أو اعتبارها قصة حقيقية أو مجرد أسطورة بطابع مجازي. ولا يقتصر ذلك على المواضيع الدينية فحسب، بل يشمل أيضا الأحداث التي وقعت في الماضي القريب وتم تقديمها كمشهد من التاريخ الكلاسيكي، مثل لوحة `غافين هاميلتون يكتشف روائع تدمر` التي رسمت في عام 1758

ما يميز الرسوم القصصية عن التراكيب الأخرى مثل petit genre، هو التركيز على لوحات تصور حياة الأشخاص اليومية وهم يمارسون نشاطاتهم اليومية، ويتميز بالمقياس والترتيب والتركيب الدقيق والاستخدام المعقد للألوان والصور المجازية والإيماء.

كان بيتر بول روبنز (١٥٧٧-١٦٤٠) ونيكولا بوسين (١٥٩٤-١٦٦٥) وجيوفاني فرانشيسكو باربيري (المعروف باسم غويرتشينو، ١٥٩١-١٦٦٦) من أبرز مؤيدي هذا النمط. واعتبر هذا النوع من الفنون التشكيلية أحد أصعب الأنماط وأكثرها تحديا وإلهاما للعقل، حيث يتطلب معرفة واسعة بالعديد من المصادر الأدبية والتاريخية والمراجع، ومعرفة بالكتب المقدسة، لكي يكون الفرد قادرا على فهم الصورة أو قراءتها

تطور الرسم القصصي

في القرن السابع عشر، تم تكبير وتقدير اللوحات والرسوم القصصية التي تصور موضوعات كلاسيكية في التاريخ الحديث، حيث قام الفنانون برسم الشخصيات المجازية جنبا إلى جنب مع الشخصيات المعاصرة آنذاك لتقديم إنجازات الأبطال الحديثين على أنها محاكية لأبطال الماضي. كما ساهم الطراز الباروكي في جعل الرسوم القصصية أكثر ملحمية في الشكل والتركيب. هذه الأعمال هي أعمال معقدة جدا تحتوي على العديد من الشخصيات والتفاصيل الغنية والملامح المبالغ فيها، مثل لوحة بنجامين ويست الضخمة لألكسندر الثالث ملك اسكتلندا المنقذ من غضب الأيل بواسطة شجاعة كولين فيتزجيرالد (“موت الأيل”)، 178.

تم تنظيم الرسوم القصصية بأسلوب كبير في التدريس والممارسة في أكاديمية رويال دو بانتور والنحت في باريس. تم اعتبارها أعلى شكل فني فوق المناظر الطبيعية والبورتريه والحياة الساكنة. ومع ذلك، في ظل التغيرات في الذوق وتغير الزمن والتحولات الكبيرة في الحياة، يتم تحدي سيطرة لوحة التاريخ في هذا التسلسل الهرمي الصارم للأنواع. في الواقع، كان أسلوب الروكوكو الذي تمت تجسيده في أعمال الفنانين الفرنسيين جان أنطوان واتو (1684-1721) وفرانسوا باوتشر (1703-1770) بتركيزهما على المتعة والجمال، يتعارض مع الجدية والشكلية في رسم التاريخ.

تاريخ الرسوم القصصية

بعودة إلى الماضي البعيد، فإن القصص المصورة جذورها تعود إلى ذلك الزمن، حيث كانت موجودة منذ القدم، ولكنها تطورت في السنوات الأخيرة. ومنذ ذلك الحين، تم تصوير القصص المصورة في الفترة الكلاسيكية، حيث كان الجميع يرتدي التوغا (الثوب الروماني الفضفاض)، حتى الفرنسيون في القرن الثامن عشر، مثل مشهورة موت مارات بواسطة جاك لويس دافيد. لكن الفنان الأمريكي بنجامين ويست حقق إنجازا كبيرا وقفزة عبقرية عندما قام بتصوير الجيش في الزي العسكري قبل حدوث الثورة الأمريكية. مع عهد نابليون بونابرت، أصبح عرض التاريخ الحديث في بيئات حديثة أكثر شيوعا

كما كان متوقعا، يفضل الفنانون الكلاسيكيون الجدد رسم التاريخ، وقاموا برسم جميع التفاصيل الدقيقة المتعلقة به بالكامل، تماما مثلما فعل الرومان، الذين وجدوا إلهاما كبيرا في الدراما والمراجع الأدبية المتعلقة بتلك القصص التاريخية. ومع بداية القرن التاسع عشر، رفض الفنانون في تلك الحقبة الأمور المتعلقة بالرسوم القصصية التي تجسدت فيها الأمور التي يرفضونها، مثل الأخلاق، والسرد، والكلاسيكية، والتفاصيل الطبيعية. وبالتالي، انخفضت شعبية الرسوم القصصية في القرن التاسع عشر وأصبحت نادرة في العصر الحالي

الرسوم القصصية هي نوع من أنواع الرسم وليست أسلوبا في الرسم، وهناك العديد من الفنانين الذين نجحوا في ذلك المجال على مر العقود، ومن المحتمل أن يكون الفنان جاك لويس ديفيد هو الأكثر شهرة من جميع فناني الرسوم القصصية، وعادة ما تكون اعماله هي أول شيء يخطر على بال الأشخاص المهتمين بالفنون والآداب عن سماع مصطلح الرسوم القصصية، وعلى أي حال، هناك العديد من اللوحات الأخرى المهمة جدا والتي تختلف عن لوحات دايفيد

دور الإمبراطورية البريطانية في الرسم القصصي

خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، الرسوم القصصية كانت واحدة من الأشياء القليلة التي يمكن أن يقوم الجمهور البريطاني في تجربتها. في هذا السياق، أصبحت الرسوم القصصية شكل من أشكال التوثيق، واشتهر العديد من الفنانين مثل بنجامين ويست وهنري نيلسون أونيل الذين اهتموا بتوثيق مشاهد من التاريخ الحديث والمعاصر بدلا من التاريخ القديم والأزياء القديمة، وقاموا بتصوير الناس بارتدائهم ملابس حديثة بدلا من الملابس الخالدة في الرسوم القصصية القديمة

وشهدة الخمسينات من القرن التاسع عشر تغير في الاهتمام باتجاه القصص الإنسانية والمواضيع الحميمة بدلا من تقديم صور أدبية أو تاريخية والاستناد إلى مراجع تاريخية، حيث تلقت الرسومات العسكرية انتقادات واسعة لأنه لا يمكن ان يعتمد عليها في الدقة، وتم عرض القليل فقط من الرسوم العسكرية في الأكاديمية الملكية، مثل رسمة فيليب ويلسون ستير What of the War? ماذا عن الحرب؟ التي عرضت آنذاك والتي أشارت إلى ردود الفعل الخاصة بالمدنيين بسبب الخسائر الناتجة عن زهق الأرواح بسبب الصراعات في الخارج

شهد القرن العشرين تراجعاً كبيراً في دورالرسوم القصصية، لدرجة أنها باتت على مشارف الانهيار، واختفت تماماً من الأوساط الفنية بعد تفكك الإمبراطورية في أعقاب الحرب العالمية الثانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى