اسلاميات

آثار التوكل على الله

معنى التوكل وآثاره على المؤمن

إن التوكل على الله من أعظم العبادات التي يؤديها المؤمن، فهو يقوم بتحويل حياة الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة واليقين، فإذا قام العباد بتحقيق التقوى والتوكل، والاعتماد على الأخذ بالأسباب في كافة جوانب الحياة، فسوف يؤدي إلى تيسير أمور الحياة الدنيا والآخرة وقضائها.

كثيرون يفوضون أمرهم إلى الله، ويكفيهم ربهم فيما يهمهم، وقد ذكر الله في القرآن الكريم: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) [سورة الطلاق: 2-3]. ولكن، ما هو التوكل؟

  • التوكل لغة: يقول ابن المنظور في لسان العرب: `وكل بالله وتوكل عليه` يعني: الاستسلام لله والاعتماد عليه، ويقال توكل بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلان: أي ألجأته إليه واعتمدت فيه، ووكل فلان فلاناً إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه.
  • التوكل اصطلاحًا: ابن عباس رضي الله عنه يقول إن التوكل هو الثقة بالله والاعتماد عليه، وأن الثقة الحقيقية هي أن تثق في الله وفيما لديه، فإن ذلك أعظم وأبقى مما تملك في حياتك الدنيا. وعندما سئل أحمد بن حنبل عن التوكل، قال: “إنه قطع الاستشراف بالاستعانة بالله والاعتماد عليه”، وبالنسبة لابن القيم رضي الله عنه، فإن التوكل هو نصف الدين، والنصف الآخر هو التوبة والرجوع إلى الله، فإن الدين هو الاستعانة بالله والعبادة له، والتوكل هو أن نعتمد على الله في جميع الأمور الدينية التي لا يمكن أداء الواجبات والأعمال المستحبة إلا بها. ويعتبر التوكل أعلى وأوسع المنازل ومراتب العبودية، ويظل مستمرا بين الناس بسبب سعة التوكل وكثرة حوائج الناس.

ثمرات التوكل على الله

يمكن القول بأن التوكل على الله أشبه بالشجرة الكبيرة التي تنبت الثمار النافعة، وتمد المؤمنين بالكثير من الخيرات. ومن ثمار التوكل على الله:

  • يكسب المتوكلون محبة الله عز وجل، كما جاء في قوله تعالى: `إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ` (آل عمران: 159).
  • التوكل هو أحد أسباب الفوز بالجنة، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: `والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم أجر العاملين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون` (العنكبوت: 59).
  • التوكل يهب المؤمنين النصر، القوة الروحية، الشجاعة، قوة القلب، ورّد شرور الأعداء، فقد قال تعالى (الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)، ( آل عمران: الآية 174).
  • التمسك بالحق والثبات عليه، كما في قوله تعالى: (فتوكل على الله إنك على الحق المبين)، المذكور في سورة النمل،الآية 79.
  • تحقيق الإيمان بالله أمر مؤكد، وقد أمر بذلك الله تعالى في قوله (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)، (المائدة: الآية 23).
  • يكفي الله عباده المتوكلين عليه في كافة أمورهم، ويأتي ذلك على وفق قول الله تعالى `وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ` (الطلاق: 3).
  • التوكل على الله هو أحد الأسباب التي تجلب الرزق وتزيده، وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إذا توكلتم على الله حق توكله، رزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا.
  • يؤدي التوكل إلى قوة العزيمة، والقدرة على الثبات على أمور الدنيا، قال تعالى (فإذا عزمت فتوكل على الله)، ( آل عمران: الآية 159).
  • من أهم ثمار التوكل أنه يحمي المسلم من تسلط الشيطان عليه، فقد قال الله عز وجل (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)، (النحل: الآية 99).
  • التوكل على الله يمنع الحسد والعين والسحر، وقد قال الله عز وجل على لسان نبيه يعقوب عليه السلام (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)، ( يوسف: الآية67).

كيفية التوكل على الله حق توكله

التوكل على الله هو أساس العبادة، وعندما يكون التوكل متماسكا في قلب المؤمن، يحدث ذلك تأثيرا كبيرا. هناك العديد من الأدلة من السنة النبوية التي تشير إلى هذا الأمر، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رجل أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف، فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فشام السيف، فها هو جالس). ولكن، كيف يمكن أن نحقق التوكل على الله؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال عن طريق اتباع ركنين أساسيين:

  • الأخذ بالأسباب.
  • الدعاء بصدق إلى الله والاحتفاظ بالظن الحسن به.

الركن الأول الأخذ بالأسباب

يشير أخذ الأسباب إلى أنه إذا أراد الشخص أن ينجح في الدراسة، يجب عليه أولاً أن يدرس. وإذا كان يريد السفر، فيجب عليه التحضير للسفر. وإذا أراد الشفاء من أي مرض بإذن الله، عليه أن يذهب إلى الطبيب ويأخذ العلاج.

ولكن كل هذا يجب أن يكون مصاحبًا بالاعتقاد أن تلك المسببات وحدها لا يمكنها أن تنجح، بل أنها عبارة عن وسائل تصل إلى مشيئة الله تعالى، فإذا تم تناول المريض للدواء مع عدم اعتقاده بأن الشفاء ليس في الدواء، بينما أنه مجرد وسيلة للشفاء، وأن الله عز وجل قادرًا على أن يشفيه عن طريق الدواء أو بغيره.

يؤكد هذا أن الكثير من الناس يتعافون من الأمراض بدون دواء ويدعون الله تعالى، ولكن الله عز وجل أمر عباده بأن يلجأوا إلى الأسباب كما قال في قوله تعالى عن ذي القرنين (فَاتَّبِعْ سَبَبًا) [الكهف: 85].

الركن الثاني التوجه بالدعاء إلى الله

الركن الثاني في تحقيق التوكل على الله يكون عن طريق الاتجاه إلى الله تعالى ودعوته بكل ما يريده الداعي مع التأكيد على أن يقدر الله الخير أينما كان، فعند تناول الدواء يتم القول: (اللهم اشفني) ويجب أن يكون هناك اعتقاد ويقين تام بأن الشافي الأساسي هو الله وليس الدواء، وإنما الدواء ليس إلا سبب للشفاء.

بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة والدعاء، يجب أن يتمتع المؤمن بإحسان الظن بالله تعالى، لأن الله يستجيب لأدعية عباده حسب ظنهم به، وأشار الله عز وجل في الحديث القدسي إلى ذلك بقوله: `أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء`. وهذه هي الحقائق حول التوكل على الله.

أجمل ما قيل عن التوكل على الله

تم التحدث كثيرًا عن التوكل على الله وآثاره في الحياة في جميع المجالات، ومن أفضل ما قاله الشافعي رحمه الله عن التوكل هو ما يلي:

توكلت في رزقي على الله خالقي                     وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقي فليس يفوتني                     ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله                        ولو لم يكن منى اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة              وقد قسم الرحمن رزق الخلائق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى