تحليل قصيدة الأطلال للشاعر إبراهيم ناجي
شرح أبيات الأطلال
تعد قصيدة الأطلال واحدة من أشهر الأشعار الرائعة في الحب العذري الجميل، وتحتوي على العديد من الحكم الجميلة التي وصفها الشاعر بأسلوب بسيط. إن أسلوبه السهل يمكن فهمه من قبل العامة، وقد قامت الفنانة القديرة أم كلثوم بترديد جزء كبير من هذه القصيدة وشرح وتحليل أبياتها ينبغي تقسيمها إلى أجزاء: [2]، [3]
شرح الجزء الأول من القصيدة
يا فُؤَادِي رحم الله ٱلْهَوَى
كَانَ صَرْحًا مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِنِي وَٱشْرَبْ عَلَى أَطْلَالِهِ
وَٱرْوِ عَنِّي طَالَمَا ٱلدَّمْعُ رَوَى
كَيْفَ ذَاكَ ٱلْحُبُّ أَمْسَى
خَبَرًا وَحَدِيثًا مِنْ أَحَادِيثِ ٱلْجَوَى
في بداية هذه القصيدة، يخاطب الشاعر قلبه وكأنه يتحدث إليه ويفهم ما يقول. يشتكي لقلبه أن الحب الذي اعتقد أنه لا يوجد مثيل له قد انتهى، وأنه كان مثل بناء عال ثم سقط على الأرض. هذا التشبيه البديع يعبر عن مدى حب الشاعر العظيم. ومع ذلك، يتمنى في نهاية الأبيات أن يصبح حبه ذكرى يحكيها الناس جميعا، مع الأسف لأنه لم يبق سوى الأحاديث والأخبار التي يتذكرها الناس .
شرح الجزء الثاني من القصيدة
لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أَغْرَيْتِنِي
المناداة بصوت عذب ورقيق، ويد تمتد نحوي
كيدٌ مدّته الموج، لغريق بريق
يشعر الساري بالعطش ويريد أن يرى بريقك في عينيك
في هذه الأبيات، يسترجع الشاعر بداية قصة حبه مع حبيبته، وكيف أنها هي التي أغرته بأناقتها ومدت إليه يدا جميلة، كما لو كانت هي الشخص التي أمده بيد العون للنجاة، وكيف أن عينيها كانت تتلألأ بسحر رائع يفتنه. ثم يتذكر أن هذا السحر قد اختفى ويحزن على حبه ويتساءل: أين ذهب هذا السحر الرائع الذي كان يفتنه دائما؟ .
شرح الجزء الثالث من القصيدة
يا طائر الشوق، زرت حبيبًا يومًا
أُغَنِّي أَلَمِي لَكَ إِبْطَـــاءُ ٱلْمُـذِلِّ
ٱلْمُنْعِمِ وَتَجَنِّي ٱلْقَـــادِرِ ٱلْمُحْــتَكِمِ
وحنيني لك يُحرق أضلاعي واللحظات كجمرات في دمي
في الجاهلية كانت هناك عادة لدى الشعراء أنهم كانوا يحدثون الطيور ، ويسمونها طيور الحب ويشكون لها ألمه من المحبوبة ، وعذابهم من الحب ، وقد استحضر الشاعر ذلك في قصيدته فبدأ يحكي لطائر ما يعانيه من ألم وشوق لمحبوبته حتى أن هذا الشوق أصبح كالنار التي تحرقه من الداخل وتكويه مثل الجمر في الدم .
شرح الجزء الرابع من القصيدة
أَعْطِنِي حُرِّيَّتِي أَطْلِقْ يَدَيَّا
إِنَّنِي أَعْطَيْتُ مَا ٱسْتَبْقَيْتُ شَيَّا
آهِ مِنْ قَيْدِكَ أَدْمَى مِعْصَمِي
لِمَ أُبْقِيهِ وَمَـــا أَبْــــقَى عَلَيَّا
مَا ٱحْتِفَاظِي بِعُهُودٍ لَمْ تَصُنْهَا
وَإِلاَمَ ٱلْأَسْرُ وَٱلدُّنْيَـــــــا لَدَيَّا
يعد هذا الجزء من قصيدة الأطلال من أشهر أجزائها على الإطلاق بسبب روعته وبهائه، حيث يصور الشاعر الحب الذي يحمل داخله وكأنه أمر ليس بيديه وإنما بيد الحب الآخر، ولا يملك وسيلة للتخلص منه، حتى ينهي معاناته الشديدة وشوقه الذي يجعله ينزف كالدم من معصمه المقيد بحب حبيبته. يطلب منها أن تفك قيده وتعتقه من هذا الحب، لأنها لم تحافظ على عهودها ولم تقدر هذا الحب الجميل الذي يجمعهما سويا
شرح الجزء الخامس من القصيدة
أَيْنَ مِنْ عَيْنِي حَبِيبٌ سَاحِرٌ
فِيــــهِ عِــــزٌّ وَجَلَالٌ وَحَيَاءْ
وَاثِقُ ٱلْخُطْوَةِ يَمْشِي مَلَكًا
ظَالِمُ ٱلْحُسْنِ شَجىِ ٱلْكِبْرِيَاءْ
عَبِقُ ٱلسِّحْرِ كَأَنْفَاسِ ٱلرُّبَى
سَاهِمُ ٱلطَّرْفِ كَأَحْلَامِ ٱلْمَسَاءْ
أَيْــنَ مِنِّي مَجْـلِسٌ أَنْتَ بِهِ فِتْــنَةٌ
تَــــمَّتْ سَنَاءٌ وَسَنَى وَأَنَاْ حُـــبٌّ
وَقَلْـــبٌ هَــائِمٌ وَفَرَاشٌ حَـــائِرٌ
مِنْـــكَ دَنَا وَمِنَ ٱلشَّوْقِ رَسُولٌ بَيْنَنَا
وَنَدِيـــمٌ قَــــدَّمَ ٱلْكَاسَ لَنَا
هَل رَأَى ٱلْحُبُّ سُكَارَى مِثْلَنَا
كَمْ بَنَيْنَا مِنْ خَيَالٍ حَوْلَنَا
ومَشَيْنَا فِي طَرِيقٍ مُقْمِرٍ
تَثِبُ ٱلْفَرْحَةُ فِيهِ قَبْلَنَا
وضَحِكْنَا ضِحْكَ طِفْلَيْنِ مَعًا،
وَعَدَوْنَا فَسَبَقْنَا ظِلَّنَا
بعد ما فشل الشاعر في فك قيد حبه من محبوبته بدأ يتذكر ذكرياتهم معاً ، وصفات محبوبته الخلقية الجملية ، والخلقية كذلك وكيف أنها كانت تسير بكبرياء ويليق بها ذلك لأنه من أجمل النساء ، وتستحق حبه ، وقلبه الهائم بحبها ، وبدأ يتذكر كم أنهم كانوا حبيبين ليس مثلهم حبيبين ، وأن الذكريات التي كانت بينهم ليس هناك أجمل منها ، ولا من السعادة التي كانت بداخلهم حينها ، حتى أنه صور نفسه مع محبوبته بالطفلين اللذين يلعبان بكل حب وفرحة .
شرح الجزء السادس من القصيدة
وَٱنْتَبَهْنَا بَعْدَمَا زَالَ ٱلرَّحِيقْ
وأَفَقْنَا لَيْتَ أنَّا لَا نُفِيقْ
يَقْظَةٌ طَاحَتْ بِأَحْلَامِ ٱلْكَرَى
وَتَوَلَّى ٱللَّيْلُ وَٱللَّيْلُ صَدِيقْ
وَإِذَا ٱلنُّورُ نَذِيرٌ طَالِعٌ
وَإِذَا ٱلْفَجْرُ مُطِلٌّ كَٱلْحَرِيقْ
وَإِذَا ٱلدُّنْيَا كَمَا نَعْرِفُهَا
وَإِذَا ٱلْأَحْبَابُ كُلٌ فِي طَرِيقْ
ومع ذلك، سرعان ما تذكر الشاعر أن هذه الذكريات أصبحت من الماضي، وأنه ينبغي عليه أن ينتبه من غفلته، حيث أن الأحلام قد زالت وأن كل شيء يتجه نحو الزوال، وأن الأحباب لا يمكن أن يجتمعوا في هذه الدنيا، فقد رحل منهم من طريق الحياة، ومن يحبهم فهو من طريق آخر، وهذا ما يعبر عنه بتشبيه جميل وحكمة بالغة .
شرح الجزء السابع من القصيدة
أَيُّهَا ٱلسَّاهِرُ تَغْفُو تَذْكُرُ ٱلْعَهْدَ
وَتَصْحُو وَإِذَا مَا ٱلْتَامَ جُرْحٌ جَدَّ بِٱلتِّذْكَارِ جُرْحٌ
فَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَنْسَى وَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَمْحُو
يحدث الشاعر ذاته بأنه أصبح ساهراً من أجل من يحب من شدة شوقه له، وأنه لا يمكن إلا أن يتذكر ما كان بينهم ويعيش عليه في كل وقت إذا ما تعافت الجروح ، ولكنه سرعان ما يحدث نفسه بالحقيقة وأنه لا مجال للعودة ويجب أن يذكر ذاته بذلك في كل وقت حتى ينسى هذا الحب ويتعلم يزيله تماماً من حياته .
شرح الجزء الأخير من القصيدة
يَا حَبِيبِي كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاء
مَا بِأَيْدِينَا خُلِقْنَا تُعَسَاءْ
رُبَّمَا تَجْمَعُنَا أَقْدَارُنَا
ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَمَا عَزَّ ٱللِّقَاءْ
فَإِذَا أَنْكَرَ خِلٌّ خِلَّهُ
وَتَلَاقَيْنَا لِقَاءَ ٱلْغُرَبَاءْ
وَمَضَى كُلٌّ إِلَى غَايَتِهِ
فلا تَقُلْ شِئْنَا، فَإِن الحظ شاء
في نهاية القصيدة، يشعر الشاعر أن هذا الفراق مقدر من الله عز وجل، وأنه يمكن أن يجمعهما مرة أخرى بعد أن انقطعت اللقاءات. ويقول لحبيبته أنه لم يكن يريد حدوث هذا الفراق بينهما، ولكنه يدرك أن هذا قدرهما، وربما يلتقيان مرة أخرى .
تعريف إبراهيم ناجي
قصيدة “الأطلال” هي أشهر قصائد الشاعر إبراهيم ناجي، وهو كذلك من أشهر الشعراء ذوي الطابع الرومانسي في العالم العربي، وخاصة في مصر حيث هو مصري الجنسية، وكان عضوا في مدرسة أبولو الشعرية، ثم بعد فترة أصبح هذا الشاعر رئيسا لجمعية الأدباء الشهيرة .
ومن أهم ما يجب ذكره عن هذا الشاعر العظيم أنه لم يكن يمتلك موهبة الشعر الشعر فقط وأنه كان أديب بكل ما تحمله الكلمة وكانت له عدة مؤلفات رائعة منها : كتاب مدينة الأحلام ، وكتاب عالم الأسرة ، وقد كان عالماً باللغات الأخرى متقناً لها ويهتم كثيراً بالترجمة الكتب الإنجليزية والإيطالية إلى العربية .
وعلى الرغم من كل ذلك فأن ناجي إبراهيم كان طبيباً معروف بجانب كل هذه الموسوعة الأدبية الكبيرة التي له ، فأن ذلك كان ميراثه من أبيه الأديب إبراهيم ، وقد تم تعين ناجي إبراهيم مُراقِبًا للقسم الطبيّ أيضًا ، وتعد قصيد الأطلال سبباً في لقب الشاعر باسم شاعر الأطلال ، كما أنه يطلق عليه شاعر النيل . [1]