تعليم

معجزة التعليم في فنلندا

كيف حقّق نظام التعليم في فنلندا الجودة والتميّز

تشير البحوث والدراسات بالآونة الأخيرة إلى القفزة التي تمكن نظام التعليم في فنلندا من تحقيقها، حيث إن نتائج الامتحانات الدوليّة وضعت فنلندا من بين أوائل الدول بالتحصيل، وباستطلاع أجرته مجلة نيوزويك لعام 2010م ورد أنّ دولة فنلندا تعد هي (أفضل دولة في العالم من حيث الصحة والاقتصاد والتعليم والبيئة السياسيّة ونوعيّة الحياة، كما تعتبر فنلندا ثاني أكثر البلدان استقرارًا في العالم)، حيث إنها بلد غني بالإصلاح الفكري والتعليمي الذي وصلت إليه على مر أعوام تحرص فيها على إجراء التغييرات البسيطة والجديدة التي أحدثت ثورة كاملة بالنظام التعليمي لديها، وقد بلغ بها الأمر أن تفوقت على الولايات المتحدة الأمريكية ودول شرق آسيا.

مميزات التعليم في فنلندا

فيما يتعلق بنظام التعليم في فنلندا، تمكنت فنلندا من تحقيق الجودة والتميز في نظام التعليم من خلال اتباع بعض الأمور الأساسية، من بينها الآتي

لا يوجد اختبار موحد

الاختبار القياسي هو الأسلوب الشامل الذي يتم استخدامه لاختبار الطلاب في معظم دول العالم، باستثناء فنلندا. والسبب في عدم تبعها لهذا الأسلوب في الاختبارات يعود إلى أن الأسئلة تأتي بنطاق ضيق وتحتاج إلى إجابات محددة لتقييم مدى إتقان المواضيع التي تم تدريسها مسبقا للطلاب. وكنتيجة لذلك، يميل الطلاب في العادة إلى حفظ المعلومات فقط لاجتياز الاختبار، ويتركز تعليم المعلمين على هدف واحد وهو اجتياز الاختبار من قبل الطلاب.

ولكن في الواقع لا يوجد بفنلندا اختبارات موحدة فيما عدا الاختبار المعروف باسم (اختبار شهادة الثانوية العامة الوطني)، وهو اختبار تطوعي للطلاب بنهاية المدرسة الثانوية العليا (تعادل تلك الشهادة مدرسة الثانوية أمريكية)، كما يتم تصنيف كافة الأطفال بجميع أنحاء فنلندا على أساس فردي مع تخصيص نظام الدرجات بواسطة المعلمين.

معلمين ذوي خبرة وكفاءة

غالبا ما يلقى اللوم على فشل أنظمة التعليم على المعلمين، وفي بعض الأحيان يكون هذا اللوم محقا. أما في فنلندا، فقد تم تعيين مستوى عال جدا للمعلمين، حيث لا يكون هناك سببا مقنعا لوجود نظام صارم لتقييم المعلمين. صرح باسي سالبرج، مدير وزارة التعليم الفنلندية وكاتب دروس فنلندية: “ما الذي يمكن أن يستفيد منه العالم من التغيير التربوي في فنلندا؟”، وأكمل قائلا بشأن مساءلة المعلمين: “لا توجد كلمة تعبر عن مفهوم المساءلة في اللغة الفنلندية… المساءلة هي شيء يترك بعد تحمل المسؤولية. 

إذ أشار باسي إلى ضرورة أن حصول جميع المعلمين على درجة الماجستير قبل البدء في مزاولة المهنة، بالإضافة إلى أهمية حصولهم على برامج التدريس بأكثر المدارس المهنية الانتقائية والصرامة في البلد بأكمله، وفي الحالة التي لا يكون  أداء المعلم جيدًا بها، فمن مسؤولية المدير الفردي أن يتخذ موقفاً حيال ذلك، لكي ينعم الطلاب بأفضل رحلة تعليمية على الإطلاق.

التعاون لا المنافسة

يعتبر معظم الأمريكيين وغيرهم من الدول النظام التعليمي منافسة كبيرة، ولكن الفنلنديين ينظرون إليه بمنظور مختلف. يقتبس الكاتب سامولي بارونين قوله: `الفائزون الحقيقيون لا يتنافسون`. ومن المثير للاهتمام أن هذا الموقف وضع فنلندا في المقدمة على المستوى العالمي. فنظام التعليم في فنلندا لا يعتمد على النظم المصطنعة أو التعسفية التي تستند إلى الاستحقاق، ولا توجد قوائم للمدارس أو المعلمين تقوم بتقييم الأداء واختيار الأفضل من بينهم. بيئة التعليم عندهم ليست تنافسية، بل تعتمد على التعاون كقاعدة أساسية.

فلسفة التعليم في فنلندا

يتميز نظام التعليم في فنلندا بفلسفة تربوية مستمدة من الواقع وظروف الحياة في البلاد، وهذا لا يتعارض مع الاستفادة من تجارب الآخرين والتأثر بها، ولكن دون النسخ الحرفي أو الاعتماد على مصادر خارجية. ويجدر الإشارة إلى أن عملية التغيير والإصلاح في نظام التعليم في فنلندا لم تحدث كطفرة، بل مرت بمراحل استغرقت جهدا ووقتا ومثابرة، ورافق ذلك دراسات وأبحاث تطبيقية ونظرية ميدانية من قبل الخبراء في علم النفس والتربية والمربين.

أكدت الرؤية التربوية في فنلندا مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين، حيث تكون جميع المدارس حكومية وتتلقى تمويلا ودعما من الدولة، ولا توجد فروق في المستوى بين مدارس الأحياء والمدن الريفية والأحياء الشعبية في فنلندا، وعدد المدارس الخاصة في فنلندا شبه معدوم، حيث لا يوجد دعم من الدولة لافتتاح مدارس من هذا النوع.

كما يكفل دستور البلاد حق التعليم المجاني لجميع الطلاب في جميع المراحل، فلا يوجد تمييز أو عزلة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، بل يتعلمون مع زملائهم الآخرين ويحظون بنفس الاهتمام والرعاية. يهدف التعليم في فنلندا إلى تنمية شخصية الطالب بشكل متكامل في جميع جوانبها: النفسية والروحية والبدنية والعقلية والاجتماعية والجمالية. كما يركز على غرس قيم العدل والتعددية والاستقامة والتسامح وقبول التنوع والعطاء والانتماء.

البنيّة التحتيّة الداعمة الملائمة

تتيح فنلندا للطلاب مدارس ومؤسسات حديثة، حيث تتميز المباني والغرف بالانسيابية وتكون مجهزة بجميع المرافق ووسائل الراحة التعليمية. توفر المختبرات وأماكن تناول الطعام والاستراحة، بالإضافة إلى مرافق أخرى مثل قاعات الأنشطة والملاعب الرياضية والمسارح والمكتبات، وتكون جميعها مجهزة لتلبية وتلاؤم احتياجات المتعلمين في التعلم والرياضة واللعب والترفيه.

المعلّمون والمديرون في فنلندا

لقد تحسنت فنلندا بشكل كبير في القراءة والرياضيات ومحو الأمية العلمية على مدى العقد الماضي إلى حد كبير لأن مدرسيها موثوق بهم للقيام بكل ما يلزم لتغيير حياة الشباب ، كما أن معظم المعلمين الفنلنديين البالغين من العدد اثنان وستون ألف معلم بثلاث آلاف وخمسمائة مدرسة من لابلاند حتى توركو، إذ يتم اختيار المعلمون والمدراء من بين أعلى عشرة بالمائة من خريجي فلندا الحاصلين  على درجة الماجستير المطلوبة في التعليم.

والغالبية العظمى من المدارس صغيرة من حيث المساحة وعدد الطلاب بما يسمح لكي يعرف المعلمون جميع الطلاب، كذلك فإن المعلّمون بفنلندا يحظون على مكانة مرموقة قد توازي  مكانة المحامين والأطباء، وربما قد تتخطاهم، وفي ذلك تسعى الدولة نحو جذب الممتازين بتلك المهنة واستقطابهم، وإعدادهم وتأهيلهم بصورة موسعة ومكثّفة بالجامعات في تخصّصاتهم مع تدريبهم وتأهيلهم على أساليب التربية وعلم النفس سواء العملية أو النظريّة الحديثة والمتنوّعة التي تساعدهم في أداء مهامّهم والتعامل مع مختلف قدرات الطلاب ومستوياتهم المتباينة، ويلاقي المعلّمون التشجيع والدعم والإثراء عقب تخرّجهم وانخراطهم بالعمل في المدارس مع الطلاب.

ويشدد على أن معلمي فنلندا في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية لا يتم تعيينهم إلا إذا كانوا حاصلين على شهادة الماجستير أو الدكتوراه، ويتمتعون بحرية التدريس والمشاركة الفعالة في وضع المناهج الدراسية واختيار المحتوى المناسب للطلاب. يتميزون بالمهنية في عملهم ويعتبرون التدريس مسؤولية وطنية ورسالة، ويتمتعون بالحماس في تنفيذ واجبهم، ولا يشعرون بالإحباط أو الملل، وعادة ما يستمرون في وظائفهم حتى التقاعد.

وفيما يتعلق بعلاقة المعلّمين فيما بينهم داخل المدارسو أو مع معلّمين الذين يعملون خارج مدرستهم، فإنها دوماً ما تكون علاقة تعاونية  ودية وانفتاح ممّا يرقي من معارفهم وأدائهم، بينما علاقتهم مع الطلاب والتعامل معهم فإنه تقوم على الاحتواء، الاحترام، والتشجيع والإرشاد والتوجيه، فلا يتهرّبون من واجبهم تجاه كلّ طالب بالمدرسة لكي يلجؤوا إلى إعطاء دروس خصوصيّة خارج المدرسة مثلما يحدث بالدول الأخرى.

المتعلّمون محور العمليّة التعليميّة التعلّميّة

يولي ذلك النظام اهتماما بتوفير الفرص المتساوية والمساواة لجميع الطلاب، ولا يوجد مدارس انتقائية خاصة، ولا تمويل أو تخصيص مختلف أو معلمين يتمتعون بكفاءة وتأهيل مختلف عن بعضهم، والطلاب الأصحاء وذوي الاحتياجات الخاصة يتم تعليمهم في نفس الصفوف في المدرسة، دون فصل بينهم، ويتأثر نظام التعليم في فنلندا بعوامل عديدة، منها:

  • يتم توفير التعليم المجاني لجميع الطلاب، ويتم توفير وجبات الطعام المجانية للجميع، ويتم توفير النقل المجاني لجميع الطلاب الذين يسكنون على بعد ثلاثة كيلومترات من المدرسة.
  • جميع الطلاب حتى بدء المرحلة الثانوية يحصلون على الكتب مجانا.
  • الصفوف الدراسية مريحة وواسعة وغير مكتظة أو مزدحمة، إذ أن الروضة لا يفوق عدد طلابها عن اثني عشر طالبًا، والصفوف الأساسيّة الابتدائيّة لا يتجاوز عدد طلابها عن خمسة وعشرين طالبًا، وفي بعض الأحوال يتم تقسيم الصفّ إلى مجموعات صغيرة تترواح الواحدة ما بين ستة إلى سبعة طلاب مع معلّم لكلّ مجموعة.
  • يقتصر وقت بقاء الطلاب في الصفوف على ثلاث ساعات يوميًا، ويتم تخصيص بقية الوقت للأنشطة والفعاليات الترفيهية.
  • لا يجبر الطلاب على أداء امتحانات صعبة أو القيام بوظائف منزلية مملة.
  • التركيز على التشخيص وفهم مستوى كل طالب لاختيار ما يناسب هذا التشخيص.
  • لا يجب على الطلاب ارتداء زي مدرسي موحد، كما يُسمح لمن يرغب بخلع حذائه.
  • وفيما يتعلق بشعار وزارة التعليم في فنلندا، فإنهم يطبقون الشعار: (كل تلميذ يعتبر مهما).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى