قصص عن تسامح الرسول
قالها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأهل مكة يوم الفتح، وهي: `اذهبوا فأنتم الطلقاء`، وربما لن نجد في كتب التاريخ موقفا أكثر تأثيرا وتسامحا من هذا الموقف، إذ عفا عن جميع أهل مكة بعد الأذى والضرر الذي ألحقوه بالنبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه المسلمين.
العفو والتسامح هما صفتان من صفات الكرم، ولم يعش بين البشر من هو أكرم وأرق قلبا من النبي عليه الصلاة والسلام، وعلم النبي أصحابه وجميع البشرية مفهوم التسامح من خلال أفعاله ومواقفه التي تنبع من خلقه الكريم، وهو مذكور في القرآن الكريم بأن خلق النبي كان على غاية الكمال.
آيات وأحاديث عن التسامح
من فوائد التسامح أنه ينشر المحبة والمودة ويحول العدو إلى صديق، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم “ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، وفي الآية الأخرى “وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين”، وتدل هذه الآية على أن الانتقام ممكن مع المظلومين ولكن العفو أفضل أمام الله.
: “وقد أوضح لنا في آية كريمة أن العفو والتصفح والمغفرة من صفات الإنسان المسلم، فقد قال الله تعالى في سورة التغابن: وإن عفوا وأصلحوا فأجره على الله، إن الله غفور رحيم، والعفو هو أعلى من التسامح لأن من يعفو يكون قادرا على الثأر، ولكنه يعفو عن مقدرة.
من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدعونا للتسامح حديث النبي صلى الله عليه وسلم `ما زاد الله تعالى عبدا بعفو إلا عزا`، فالتسامح يؤثر على الفرد والمجتمع بأن الله يرفع من درجته بين الناس.
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام للصحابي عقبة بن عامر: `يا عقبة، صل على من قطعك وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك`.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا كظم الإنسان غضبه وهو قادر على التصرف به، فإن الله عز وجل سيدعوه يوم القيامة أمام جميع المخلوقات ويعطيه حرية اختيار الحور ما يشاء. ويشير هذا الحديث لأهمية التسامح في الحياة الآخرة أيضا.
قصة النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد
هناك العديد من القصص عن التسامح في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، من بينها قصة حدثت في غزوة أحد، عندما انقلبت معركة الكفار لصالحهم وسقط النبي صلى الله عليه وسلم في حفرة على أرض المعركة. شاهده رجل من الكفار يدعى ابن قئمة، فركض نحو النبي وضرب رأسه بسيفه، مما أدى إلى سفك دمه الشريف، ودخول قطعة حديدية من قناع النبي في خده، وتكسر مقدمة أسنانه.
لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي سقط في الحفرة، أسرع الصحابة إليه وأخرجوه من الحفرة، وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمسح الدماء عن وجه النبي الكريم وحاول إخراج الحديد من وجهه ولكنه فشل في ذلك.
في ذلك الوقت، كان أبو عبيدة بن الجراح حاضرًا وحاول إخراج قطعة الحديد بأسنانه، مما أدى إلى تكسير معظم أسنانه. وعندما قام أبو عبيدة بإخراج الحديد من وجه النبي، قام أبو بكر بمسح الدماء التي غطت وجهه صلى الله عليه وسلم، فرفع النبي يديه إلى السماء وقال: “يا الله، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
في هذا الموقف، كان الأنبياء أحرص بكثير على الدعاء بالهداية لأعدائهم، وبالرغم من أن النبي كان يمكنه أن يدعو على أعدائه، فقد دعا بالهداية لهم،
يروى أن النبي عليه الصلاة والسلام في إحدى الغزوات، جاءه أعرابي يحمل سيفه وسأل النبي: `من يمنعك مني يا محمد؟` فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام بكل ثقة: `الله`؟ فعندما قال ذلك، سقط السيف من يد الأعرابي، فأمسكه النبي عليه الصلاة والسلام وقال للأعرابي: `من يمنعك مني؟` فرد الأعرابي: `كن خيرا في أخذك`. فقال له النبي: `هل تؤمن بأن لا إله إلا الله وأنا رسول الله؟` فرفض الأعرابي أن يسلم، ولكنه عاهد النبي بألا يقاتله مرة أخرى. وعندما عاد إلى المشركين، قال لهم: `لقد جئتكم من عند خير الناس صلى الله عليه وسلم`.
قصة تسامح النبي مع الكفار يوم فتح مكة
بعد أن فتح الله تعالى لنبيه الفتح المبين، عاد إلى بلده مكة التي طرده منها، وصلى عليه الصلاة والسلام في الكعبة، ثم خرج إلى قومه وقال لهم: `يا معشر قريش، ما رأيكم في ما فعلت بكم؟` فقالوا: `أخ كريم وابن أخ كريم`. فأجابهم: `اذهبوا فأنتم الطلقاء`.
وأثناء طواف النبي عليه الصلاة والسلام حاول رجل من الكفار يسمى فضالة بن عمير قتل النبي. فأطلع الله تعالى نبيه عن نية الرجل، فناداه النبي عليه الصلاة والسلام، ورغم أنه كان يستطيع أن يأمر بقتله لأنه عز قوته، إلا أنه تعالى عفا عنه، فأسلم الرجل.
قصة عفو النبي عن المرأة اليهودية
يروى أنه بعد فتح خيبر أتت امرأة يهودية إلى النبي ومعها شاه، وكانت قد وضعت فيها سمًا قويًا، فأكل منها الصحابي بشر بن براء ، وتناول النبي منها لقمة فأخبرته الشاه أنها مسمومة، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بإحضار المرأة ومنع باقي الصحابة من تناول الشاه، وعندما سأل النبي عليه الصلاة والسلام المرأة عن السم، اعترفت أنها وضعته، لأنها أرادت أن تعرف إن كان نبي مرسل من الله أم لا، فإن كان صادقًا فإن الله سيطلعه على أمر الشاه أما إذا كان صادقًا فستريح الناس منه، فعفا الرسول عليه الصلاة والسلام عن المرأة، لكن الصحابي بشر بن البراء قد مات بسبب السم، فترك أمرها لأولياء بشر، وفي روايات أن المرأة أسلمت فعفا عنها ورثة بشر، وفي السيرة النبوية أن النبي عليه الصلاة والسلام قد تأثر بهذا السم لبقية حياته، وأنه توفي بسبب أثر هذا السم.
تتجلى في هذه القصة جميع أشكال التسامح، من التسامح الديني إلى التسامح العرقي والسياسي، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن مجرد نبي، بل كان أيضا زعيما عظيما لدولة قوية وجيش منتصر، لكنه اختار العفو والمغفرة.
قصص من تسامح الصحابة
يمكننا أن نجد آثار التسامح في بناء المجتمعات وتطورها في قصص الصحابة رضوان الله عليهم. فقد ذكر أن أبا بكر كان ينفق على ابن خالته الذي كان من المهاجرين الفقراء ويدعى مسطح بن أثاثة. وعندما حدثت حادثة الإفك، علم أبو بكر أن مسطح كان من الذين تحدثوا عن السيدة عائشة رضي الله عنها. فقرر أنه لن ينفق عليه مرة أخرى. ولكن الله تعالى قال “ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا”. فقال أبو بكر: والله لن أنزع نفقته أبدا. وكانت تلك الآية أمرا من المولى عز وجل بالعفو عمن ظلم السيدة عائشة رضي الله عنها وآذى النبي عليه الصلاة والسلام.
ومن القصص الأخرى التي ترينا كيف سما الإسلام بأخلاق الصحابة الكرام، هي قصة مصعب بن الزبير بن العوام، لما تولى العراق وكان يوزع العطايا على الجنود، فسأل عن عمرو بن جرموز وهو الذي قتل الزبير بن العوام بعد موقعة الجمل، لكنهم أخبروه أنه خاف وابتعد، فطلب أن يعود حتى يأخذ عطيته.