اسلاميات

مفهوم فساد ذات البين واسبابها

معنى فساد ذات البين

الفسادُ ذات البين هي الحالقة، وهي أمرٌ مكروهٌ في الدين الإسلامي، ويقصد بها القطيعة بين المسلمين، حيث إن المسلمين أخوةٌ، والترابُطُ أمرٌ هامٌ وضروريٌ في الدين، إذ إنه أساس بناء المجتمع، ولا سيما أن مقاطعة المسلم لأخيه أمرٌ يرضي الشيطان، ويغضب الله عز وجل.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر: “والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا، ولا تسلموا حتى تحابوا، وأفشوا السلام تحابوا، وإياكم والبغضة فإنها الحالِقَةُ، لا أقول لكم شعرًا تحلقوه، ولكن الدين يحلق.

ويقصد بفساد ذات البين، وفقا لقول أبو عيسى في تفسير الحديث الشريف، البغضاء والعداء، وحلق الدين هو الاستهانة بالدين، وضياعه من النفوس والقلوب وفساد الحياة، حيث يقوم الدين الإسلامي الحنيف على التكافل الاجتماعي والمحبة والتسامح والمبادئ الإنسانية السليمة، ويدعو إلى طهارة القلوب وحب الأخ لأخيه وحب الجار لجاره، ولذلك يؤدي فساد تلك العلاقات إلى زعزعة الدين وإغضاب الله عز وجل.

فساد ذات البين يعني أن الشخص يقوم بإثارة النزاعات ونشر الفساد ونشر الشر والتسبب في تعكير صفو العلاقات وإلحاق الضرر بالنفس. إن الشخص الذي ينشر الأقاويل والأفعال التي تفسد الصداقة وتزيد من الحقد والكراهية، فهذا يعد عملا شيطانيا. ومن يروج للشائعات وينشر الأكاذيب بهدف إثارة الفتنة وتفريق الناس والأمم والقبائل والأخوة، فقد أساء للدين جميعا.

معنى إصلاح ذات البين

يعني إصلاح ذات البين إصلاح العلاقات بين المسلمين والتشجيع على المحبة والعدل والتخلص من الحقد. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل درجة من الصيام والصلاة والصدقة؟” قالوا: بلى، فقال الرسول: “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين يقطع الأرحام”. وهذا الحديث الشريف يؤكد أن إصلاح العلاقات بين المسلمين هو الأهم بين النوافل العظيمة، والتي يؤكد عليها الرسول كثيرا، حيث يقصد في الصلاة والصوم هنا النوافل وليس الفروض التي هي أساس الدين.

كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: يسألونك عن الأنفال قل لهم إن الأنفال لله والرسول، فاتقوا الله واصلحوا علاقاتكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين. إن إصلاح العلاقات بين الناس هو عبادة عظيمة والله يحب الذين يصلحون بين إخوانهم. هناك العديد من الآيات التي تشجع على إصلاح العلاقات.

إن إصلاح العلاقات بين الناس له فوائد لا حصر لها، فالفضيلة في المجتمع والمحبة بين الناس أهم بكثير من الأعمال النافلة، حيث إن الدين الإسلامي دين العدل والإنصاف، وإصلاح العلاقات بين الإخوة يجعل الناس أكثر عدلاً ومحبة، وأكثر إيجابية وتسامحًا.

رغم إن الدين الإسلامي يحرم الكذب، ويقول إن المسلم وإن سرق لا يكذب ابداً، والله تعالى لا يحب الكاذبين، إلا أن في حالة إصلاح ذات البين الكذب مباح لكي يصلح المرء بين إخوانه، ويوفق بينهم ويكبح النزاعات، ويلين القلوب، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً، أو يقول خير”.

يعمل إصلاح ذات البين على توحيد كلمة المسلمين والإخوان، وهناك عدة مجالات لإصلاح ذات البين وتتضمن الوصل بين الأرحام وإصلاح العلاقات بين الأخوة والأقارب، بالإضافة إلى إصلاح العلاقات بين الأزواج ومنع الطلاق بينهم، وهذا يسعد الشيطان الذي يسعى لتفريق الأطفال وتعذيب المرأة وابتعاد رب الأسرة عن أبنائه، ويشمل أيضا إصلاح العلاقات بين أبناء القبيلة وبين المسلمين وبعضهم البعض، وإصلاح العلاقات بين الأبناء وآبائهم والجيران وبعضهم والتصالح بين زملاء العمل والجيران في نفس الحي، وإصلاح العلاقات بين الشركاء وأصحاب المصالح والشركات، بالإضافة إلى إصلاح الطرق في حالة وقوع حوادث مرورية، ويشمل أيضا إصلاح العلاقات بين الورثة ومساعدة الناس في استعادة حقوقهم والتمسك بالحقيقة وتقوية العلاقات.

أسباب فساد ذات البين

هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى القطيعة بين الأشخاص وتسبب تدهور العلاقات، وأهمها:

  • سوء الظن والفتنة بين الأخوة والأقارب والجيران والأصدقاء. يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بعدم التجسس ويحذرهم من سوء الظن. يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: `احذروا الظن، فإن الظن أكذب الأحاديث، ولا تتجسسوا ولا تحاسدوا ولا تبغضوا بعضكم بعضا، كونوا إخوة، ولا ينكح الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يتركه.` يوضح ذلك كيف يحث الدين الحنيف على تجنب سوء الظن ويبين آثاره السلبية في الانقطاع والكراهية والحقد والفساد.
  • الشائعات، والفتنة بين الناس، وعدم التيقن من الأخبار والمعلومات، يجعل الأشخاص يصدقوا ما يقوله الفاسقون، في حين أن الله تعالى نهى عن تصديق الفاسقون بقوله تعالى في كتابه العزيز” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.
  • الله تعالى نهى عن قطع الرحم، كونه فساد وكراهية، وخلل للعلاقات الإنسانية السوية، فالمرء يشدد عضضه بأخيه وأقاربه، والمسلمون كلهم أخوة، ومتساوون، والله تعالى لا يحب المتشاحنين، فيقول الله تعالى، “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ  أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ”.
  • يشعر الكثيرون بالحقد والغيرة، ويحسدون الآخرين ويتشاحنون مع إخوتهم ويثيرُون المشاكل. والحقيقة هي أن الله تعالى لا يغفر للمتشاحنين، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يفتح أبواب الجنة يومي الاثنين والخميس، ولكن لا يدخلها المتشاحنون.

يفضل الشيطان تفريق المسلمين، والذي يسعى لتفريقهم وتفكيك الوحدة بينهم هو مطيع للشيطان، وكل من يحب أن يرى الفساد والناس متفرقين وفي شر، فهو إثم وفاسد.

ما هي طرق إصلاح ذات البين

يمكن اتباع طرق لإصلاح العلاقات الشخصية، للحصول على رضا الله واتباع سنة رسول الله، من أجل تعزيز التفاهم بين قلوب المؤمنين والحفاظ على وحدة المسلمين وجعل العائلة واحدة مثل الرجل الواحد، حيث يحترم كل فرد الآخر. إن جزاء إصلاح العلاقات الشخصية عظيم، فالجنة هي مكافأة للمتقين، ومن يتقي الله يحظى بحياة هانئة. هناك فرق كبير بين الذين يصلحون العلاقات بين الناس ويروجون للسلام والمودة والذين يروجون للكراهية والعداء. تتمثل طرق إصلاح العلاقات الشخصية في

  • التقرب إلى الله تعالى والعمل على تنفيذ أوامره.
  • يمنح النية الطيبة الفرصة للشخص لتحقيق الإصلاح بين الناس.
  • نقل الكلام الطيب، والانطباع الطيب.
  • يُذكر الكثير من الآيات والأحاديث التي تدل على خطورة قطع الأرحام وترك الصلات، والمشاحنات والخصومات، وإن الله تعالى لا يحب أن يكون عباده قاطعي أرحامهم.
  • امتنع عن الكلام الجارح وعدم نقل الأقوال السيئة.
  • يتم التشجيع على البر والتمسك بالمباديئ الإسلامية والعادات الحميدة.
  • يمكن محاولة تليين القلوب، حتى لو كان ذلك بالكذب، من خلال الكلام بما يفسح المجال للصلح والمحبة.
  • عليك بتذكير نفسك دائمًا بالثواب الكبير، ومدى أهمية إصلاح العلاقات المتضررة، والعمل من أجل ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
  • يتضمن العلاج المشكلات والتحقق من أسبابها، والقول بالحق، ورد المظالم، لأن الظلم يشكل جزءًا أساسيًا من أسباب المشكلات.
  • الاستشهاد بآيات من الذكر الحكيم في صِلة الرحم وحقوق الوالدين وفي التقرُّب إلى الله وحق الميراث.
  • تذكير الأولاد بحقوق الوالدين والأخ الأكبر، وتذكير الجميع بأن الدنيا مؤقتة ولا يبقى شيء لأحد إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى