حديث عن الاعتدال في الطعام والشراب
حديث عن الإسراف في الطعام
الطعام، سواء كان طعاما أو شرابا، يعتبر أساسيا لحياة الإنسان، حيث يساعده على النمو منذ الحياة الجنينية وحتى الشيخوخة. بواسطة الطعام، تتكون خلايا الجسم وتتطور الأعضاء، ويقوي الجهاز البدني ويعوضه عن المواد التي يفقدها. بالإضافة إلى ذلك، يمنح الطعام الجسم الطاقة التي تمكنه من الحركة والنشاط. أمرنا الله تعالى بتناول الطعام والشراب، حيث قال سبحانه وتعالى: `وكلوا واشربوا ولا تسرفوا`. فقد أمرنا الله تعالى بتناول الطعام والشراب، ولكنه نهانا أيضا عن التبذير، فالتبذير سمة مذمومة في جميع الأمور، سواء في الطعام والشراب أو في غيرها من المجالات.
وفي رواية عند الامام أحمد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :” كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ ” وهنا نلتمس من هذا الحديث الشريف البنود الآتية:
- ينظم ديننا الإسلام جميع أمور الناس، ويحرم عليهم الخبائث ويحل لهم الطيبات، كما يباح لهم الاستمتاع بمتع الحياة، ولكن بشرط عدم الإفراط فيها وأن يتذكروا دائمًا أن لله حقوق وللعباد حقوق أيضًا.
- يظهر الحديث الشريف أن رسولنا الكريم أوصى بأن نأكل ونشرب ونتصدق ونلبس، أي أن نقوم بجميع هذه الأمور من أموالنا، ولا يوجد مانع شرعي للقيامنا بالأمور التي حللها الله وأباحها لنا. ومع ذلك، يجب الحرص على عدم الإسراف في هذه الأمور، بالإضافة إلى الأمور المشار إليها في السنة النبوية.
- يعني الإسراف المبالغة وتجاوز الحدود، وتعني كلمة مخيلة الكبرياء والتفخر بالذات والسلوك.
- وإن حديث رسولنا الكريم مؤيد ومكمل للآية الكريمة بقوله تعالى:كُلوا واشربوا ولا تسرفوا، فإن الله لا يحب المسرفين، وقد قال تعالى: `والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا`.
- الحديث الشريف يجمع بين فضائل الاهتمام بالنفس والتدبير لها، ويشمل أيضًا الاهتمام بمصالح الجسد والنفس سواء في الحياة الدنيوية أو الآخرة، حيث يؤكد أن الإسراف في كل شيء يضر بالجسد ويؤدي إلى الهدر والتدمير.
- تعمل المخيلة على إثارة العجب في النفس وتسبب الإضرار بها، ويكمن هذا الضرر في الآخرة حيث يتم اكتساب الإثم والمقت في الحياة الدنيوية.
- يوضح حديث رسولنا الكريم الإسلام السمح والمرون في المباحات، فالدين الإسلامي يحثنا على الاستمتاع بالنعم في الحياة، لكن بدون إفراط في الثروة أو الشهوات النفسية، حتى يتمكن الإنسان من اكتساب الخيرات في الدنيا والآخرة، كما يحثنا على التحكم في شهوات النفس والتقليل منها.
الإسراف هو تجاوز الحد، ويتم تعريفه في الأكل فوق الشبع، ولا يمكن تحديد هذا المفهوم بعدد الوجبات التي يتناولها الإنسان، بل يمكن أن يتناول الإنسان وجبة واحدة ويسرف فيها، في حين يمكن أن يتناول ثلاث وجبات ولا يسرف فيها. وتعود آثار الإسراف والتبذير على الفرد وحياته ونفسه في الدنيا والآخرة.
من الاعتدال في الأكل والشراب
البطن هو مصدر الشهوات ومنه تبدأ المشاكل، حيث يؤدي اتباع شهوة البطن إلى شهوة الفرج، ومع استمرار الشهوة للطعام والجماع، يزداد الرغبة في السعي والثروة، والتي تعدان وسيلة للانغماس في الأشياء المحرمة مثل الزنا. ثم ينشأ الجشع والتنافس والحسد، وتتطور الأمور إلى الحقد والعداوة. وكل ذلك ينجم عن إهمال المعدة وعدم السيطرة على شهوات الطعام والشراب. هناك أمثلة كثيرة توضح الاعتدال في تناول الطعام والشراب، والله سبحانه وتعالى أمر عباده بالاعتدال، وهناك آيات قرآنية توصي بالاعتدال في تناول الطعام
قال عليه الصلاة والسلام :يقول ابن آدم: `ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس`. وحثنا رسولنا الكريم على الاعتدال في الأكل والشرب، ونهانا عن تناول الطعام والشراب بزيادة عن الحاجة الضرورية للإنسان. وتوجد حالات معينة لتناول الطعام وهي
- يعني السبغ غير المفرط أن الشخص لا يتناول كمية كبيرة من الطعام، وهذا يعتبر شيئًا جيدًا، ولا يعني الإسراف أو تناول كميات زائدة من الطعام، وهذا لا يضر بصحة الجسم.
- السبغ المفروط ويكون هذا البند مكروه، ففِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ «عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَكَلْت ثَرِيدَةً مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْت أَتَجَشَّأُ فَقَالَ: يَا هَذَا كُفَّ عَنَّا مِنْ جُشَائِك، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فقيل : «فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا كَانَ إذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى».
- يجب تجنب التبذير في الطعام والشراب، وهذا يعد ممنوعًا، وينبغي الابتعاد عن الأشخاص الذين يتسمون بهذه العادة والسمعة السيئة.
فإن في هذا الحديث الشريف جاء من النهي عنه محمول على الشبع الذي يعمل على إثقال المعدة، وبالتالي تتثبط همة الفرد ويتقاعس عن القيام بالعبادة، وتعوّد على البطر وتدفع إلى الأشر والنوم والكسل، وممكن أن تنتهي كراهته إلى التحريم، ويعود هذا حسب ما يترتب عليه من المفاسد، ويتجلى الشبع الصحيح بأن يكون ثلث للطعام، وثلث للشراب، والثلث الأخير أن يكون للنفس.
حديث النهي عن الشبع
يروى أنه قيل عن النبي صلى الله عليه وسلم : نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع، وإن معنى هذا الحديث صحيح ولكن سنده ضعيف، ويتجلى معناه بأن إذا أكل الفرد يجب عليه ألا يسرف في اكله وأن يشبع الشبع الزائد عن حاجته، أما الشبع الذي لا يضرفهو جائز، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخشى من الشبع الزائد، إن الناس في زمن النبي كانوا أكلون ويشبعون.
يروى أن جابر عبد الله الأنصاري دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في غزوة الخندق على ذبيحة صغيرة ويريد إطعام الجيش كله، فأمر النبي أن يقطع الخبر وأيضاً اللحم، وأصبح يدعو عشرة عشرة للطعام، فيأكلون ويشبعون ثم يأتي عشرة اشخاص غيرهم، وهكذا فأكل الجميع وشبع وبارك الله في الشعير وفي هذه الذبيحة الصغيرة، وأكل منها الجميع.
وهناك قصة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم سقى أهل الصفة لبناً، و قال أبو هريرة: فسقيتهم حتى رووا، ثم قال النبي ﷺ: اشرب يا أبا هريرة قال شربت، ثم قال: اشرب فشربت، ثم قال: اشرب فشربت، ثم قلت والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا، ثم أخذ النبي ﷺ ما بقي وشربه، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على جواز الشبع بشرط أن يكون من غير مضرة.
أقوال عن الاعتدال في الطعام والشراب
- قال لقمان لابنه: قال: `يا بُنَيَّ، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة`.
- وقال عمر رضي الله عنه-: “من كثرة أكله لم يجد لذة في ذكر الله.
- وقال علي رضي الله عنه -: إذا كنت صبيا، فعد نفسك لفترة من الوقت.
- وقال بعض الحكماء: “أقلل طعاماً، تحمدْ مناماً”.
- وقال ابن القيم رحمه الله-: إن الشعور بالشبع وحده يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله، وإذا غفل القلب عن الذكر لساعة واحدة فإن الشيطان يحاول إغواء القلب وإيقاعه في الخطيئة والشهوات. وعندما تشعر النفس بالطعام تنشط وتتجول في أبواب الشهوات، وعندما تجوع تهدأ وتخضع.