قصيدة ” المبحرون مع الرياح ” للشاعر ” خليفة الوقيان ”
يقول السجل الأدبي إنه شاعر وناقد كويتي وحاصل على درجة البكالوريوس في الآداب في قسم اللغة العربية من جامعة الكويت في عام 1971، ثم حصل على درجة الماجستير بعد أربع سنوات، وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة مصرية (جامعة عين شمس) بعد ست سنوات، وهو الشاعر خليفة الوقيان، وقصيدة المبحرون مع الرياح هي أول عمل أدبي له وحظيت بترحيب كبير من النقاد والمهتمين، وهذا عرض للقصيدة
قصيدة المبحرون مع الرياح للشاعر خليفة الوقيان
يا مُبحرون وفي محاجركم
نهرانِ من نبعِ الهوى شُقَّا
إني لألمحكمْ وإن عبثاً
طال السُّرى بمتاهةٍ غرقى
أوراقكمْ في غصنها يَبستْ
ويدُ الشتاءِ تُذِيبُها سحقا
وجذوعكمْ عُريانةً سجدتْ
والريحُ تحرقُ عريها حرقا
أثوابُكمْ مزقٌ وما خُلِّعَتْ
حتامَ فوقَ جلودِكُمْ تبقى
كَمْ رُحْتُ أخلعُ فوقها جزعاً
ثوبي وكمْ لَمْلَمْتُها رتقا
الريحُ تسرَحُ في شراعِكِمُ
غرباً وأبحر فيكمُ شرقا
إني سأرشقكمْ إذا حُرِقَتْ
أجفانُكُمْ بأزاهري رشقا
قلبي لكمْ في كلِّ مفترقٍ
زيتُ السِّراجِ بليلكْم يشقى
ورحتُ أفتّشُ في كل صوب
كأني أضعت هنا بعض قلبي
هنا نام أحبابي الأقربون
هناك جثا بعضُ صبحي
كأني أرى كل تلك العيون
تطالعني تعشق المقبلين
لتسألهم عن أمور كثيرة
لتخبرهم عن شوؤن كبيرة
كأني أحس بما يشهدون
كأني بعض الذي يسألوا
سأظل صخرة صماء كالفيلسوف، لا يمكن أن تلين
أنا أرفض أن أكون صدى لغيري، لذا أنا لست موجودا
أنا أكره أن أقول ما يقوله الآخرون
غريب إن مضيت وإن أتيتُ وناءٍ
كأني واقف والدرب حولي عندما أقترب وعندما أتباعد
يموج بأهله أني مضيتُ
في الزمان الترابيّ تبتلع الأرض أحزانها
فتقيءُ بصحفِ الصباح وجوه البغايا
وتخرج تختالُ في ثوبها اللولبي المفضضّ
تحضنُ جلادها في المساء الذبيحة
قد رأيت الصباح في جوف كوخ
بائس فوقه تصيح الرعود
يمضغ الجوع والشقاء ويسمو
حين تعوي به الرياح السود
إن الرياح التي كنت تحجبها
كي لا تلوث روحي وهي تغويني
قد هدهدت كل باب كنت توصده
ومزقت في طريقي كل مكنون
فلا حصونك بعد اليوم تحبسني
ولا سياطك عما رمت تثنيني
لملمت بقايا شراعاتي وأجنحتي
وعدت من رحلة للغيب مغتربا
صحبي على الدرب احلام مشردة
أطعمتها الشك والأشواق والنصبا
أبحرت من أفق داج إلى أفق
معفر، بشعاع الشمس ما خضبا
تنادي بقبته الأقمار يتبعها
ساع تلفع من ثوب الدجى سحبا
وللمشرق صبايات لمحتجب
تكاد توقد في أحشائه لهبا.
تحليل القصيدة
إن الناظر إلى أبيات تلك القصيدة يجد أنه أمام قصيدة تتكون من مشهد رئيسي وهو مشهد يحمل نفس اسم القصيدة وهي المبحرون مع الرياح، وتلك القصيدة بنيت بالأساس على ذلك المشهد ، و القصيدة تستعرض المبحرون ، وحالهم مع الإبحار وصولا للحالة المستقبلية التي يصل لها المبحر ، لا ينظر لذلك إلا من خلال نظرته إلى حاضر وماضي هؤلاء المبحرون ، و يقترب ويبتعد من عالمهم.
يُرفع غشاوة النظر عن الأشخاص الذين يبحرون عكس التيار، لأن لديهم ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ ينتظرهم. ويدعوهم الشاعر في القصيدة إلى عدم الخوف من السير عكس الاتجاه وتفضيل الإبحار مع الاتجاه، وذلك ظنًا منهمأن ذلك يعتبر أكثر أمانًا بالنسبة لهم.
لافتاً إلى أن النجاة في الشرق، وذلك إشارة منه إلى حال العرب ، وثقافتهم ، وحياتهم ، وكيف يتجهون مع الغرب أينما كان غير منتبهين للحضارة التي تميزهم، وغلف كل تلك الأفكار بالحب في كلمات، والغضب من أجلهم، وكأنه يحذرهم من الانجذاب الذي يسرقهم ، من الماضي والحاضر إلى مستقبل عديم الهوية.
مضمون القصيدة
يتضح من القصيدة أن الشاعر يخاطب العرب وأهل الشرق، وهو يطالبهم ويدعوهم من أول بيت في القصيدة، حيث يبدأ البيت بنداء. والنداء هنا هو توجيه للحرص والتنبيه، وهو نداء محمل بالحب والعاطفة، حيث يصف العرب بأنهم المبحرون.
بالإضافة إلى معنى كلمة `المبحرون` التي تشير إلى حالة الحيرة التي يمر بها العرب وعدم استقرارهم، فهم ليسوا على الأرض ولا على اليابسة، وهذا يشير إلى انعدام الاستقرار في حالتهم.
يريد الشاعر هنا أن يوصف حال العرب بالبقاء في البحر وهم يبحرون بين ماضٍ يحتوي على حضارة يفتخرون به، وحاضر يحمل الضياع في البحر، ومستقبل غير معروف.
وأضاف الشاعر لكلمة المبحرون ، كلمة عميقة مؤثرة في نفس المتلقي رغم بساطتها في المعنى والحرف وهي كلمة مع ، إن كلمة مع رغم مفهومهم البسيط إلى أنها في إضافتها لكلمة المبحرون عمق فالمبحر في الغالب وحده ، ليس معه شئ ، ويتضح عمق المعنى بإضافة كلمة الرياح ، لتظهر مدى عظم خطر ما هم فيه.
إن الرياح ظاهرة قوية بحد ذاتها، وعندما تكون موجودة مع المبحرين في البحر، فإنها عادة ما تسبب عدم الراحة والقلق بالنسبة لهم. وبالتالي، فإن العبارة “نحن نبحر مع الرياح” تحتاج إلى تفكير عميق من قبل كل عربي، حيث أننا نتعامل مع الرياح ونتأقلم معها أثناء الإبحار.
عكس اقتباسات رائعة، عمل الشاعر على إبحار أو سير مع الريح بدلا من الإبحار أو السير عكسها كما اعتاد المتلقي، وهو محزن لأنه يعني الإبحار مع رياح الغرب وحضارتهم، وكل ما يجعل العرب تتغرب عن هويتها
يبدأ الشاعر بوصف حال المبحرون و يشير إلى الصراع الذي يعيشه العرب ، على أنهما بحرين ، ويقصد في ذلك بحر الشرق وثقافته وحضارته ، وبحر الغرب وضياع الهوية، ويؤكد ذلك بكلمتين أوردها في قصيدته وهما ضاع ، وغرقى ، ومدلول الكلمتان يظهر مدى حب وعطف الشاعر تجاه أمته التي يرى أنها في بحر الغرب ستكون ضائعة وسوف تغرق ، وهو بهذا يشير بوضوح إلى ما فيه الحال ولكن باللغة التي تمتلئ بالمشاعر وكأنه يحدث حبيبته.
يتحدث الشاعر في هذين البيتين من قصيدته عن تدهور حال العرب وتشبيههم بالشجرة المزهرة التي جفت وأصبحت ذابلة حتى يسهل سحقها، ويعبِّر بشدة عن الحالة النفسية المتدهورة للأمة وفقدان هويتها.
يصف الشاعر في قصيدته اقتلاع العرب من هويتهم كالجذع العارية، التي تنحني للغرب وتحترق بما يحلو لهم، ويتضح بجلاء في كلمتي “غربا” و”شرقا” ما يشير إليه الشاعر من صراع الهوية، ليبقى الكلمتان واضحتين وصريحتين،مما يدل على مراد الشاعر من قصيدته.
يتحدث الشاعر فيما بعد عن السابقون من بناة حضارة العرب، ويتأسف لفقدانهم ويصف حنينه لهم، كما لو أنه يراهم ويشاهد مدى إنجازاتهم وما تركوه وراءهم لأبنائهم وكيف تمَّ تضييعها.