هل الاتصال الروحي حرام
حكم الاتصال الروحي
هناك بعض القضايا التي تخص تعاملات الأفراد اليومية ، وتتعلق بشؤون حياتهم ، والتي يظهر بها فتاوى الدين الإسلامي متذبذبة بين الجائز ، والغير جائز ، وبين الحلال ، وبين الحرام ، ومنها ما يطلق عليه عمليات الاتصال الروحي ، أو كما أطلق عليها الباحثون الأجانب مصطلح ” ما وراء علم النفس ” أو ” الباراسيكولوجي .
تتعلق هذه العملية بقدرات خارقة للدخول في العالم الغيبي، وتهدف إلى الوصول إلى حقائق غيبية بنية، ويقوم الأفراد بكشف حقائق لا يمكن للبشر الطبيعيين كشفها، وهناك اتجاهان مختلفان في فتوى حكم الاتصال الروحي.
الاتجاه المحلل في الاتصال الروحي
الاتجاه الأول وهو التواصل الروحي عن طريق الاندماج بين الأرواح. إنه حالة طبيعية تحدث للأفراد الذين يتمتعون بنقاء نفسي وروحي في داخلهم، وتفتح لهم البوابة إلى روحانية عالية تقربهم من الأفراد الآخرين الذين يتمتعون بنفس الصفات. عندما يحدث الاندماج التلقائي وغير المخطط له بين الأفراد بدون الحاجة لتوجيه ديني، فإنها تكون حالة طبيعية تظهر لدى الأفراد.
ويحدث التخاطر في مرحلتين ، مرحلة اليقظة ، ومرحلة النوم ، يجد الانسان في عالم النوم ، متجولاً في عالم آخر ، أطلق عليه الدين عالم ما بعد الموتة الصغرى ، والتي يتجول بها عقل الانسان في عوالم أخرى ، ربما يقابل أفراد لا يعرفهم من قبل ، ثم يتفاجئ بعد ذلك بمقابلة هؤلاء الأشخاص الذين قابلهم في منامه ، وهناك بعض حالات التخاطر التي تتم في اليقظة والتي تكون من خلال اطراء بعض الأشخاص في مناقشات عامة ، ثم يتفاجئ الشخص بوجوده في نفس المكان ، أو الاتصال به ، هنا يصبح التخاطر طبيعي.
يصعب تحديد حكم ديني على التخاطر، سواء كان حراما أم شركا بالله، إذا كان هذا التخاطر مرتبطا بالتخاطر الطبيعي والتلقائي بين الأفراد في يقظتهم أو منامهم، والذي يمكن أن يكون من نعم الله على بعض عباده المخلصين في طاعته، حيث يمكن أن يمنحهم الله الشفافية الروحانية ويوحي لهم برسائل أو إشارات حول بعض الأمور الغيبية. وهذه نعمة كبيرة يتحلى بها بعض عباد الله الصالحين.
ويلجأ الأفراد الآخرون إليهم لأخذ مشورتهم، لأن هؤلاء الأفراد قد يتمتعون بـ `كرامات` منحها الله لهم، حتى يكونوا ممثلين لله في صورة بشرية، لخدمة عباد الله. مثلا، يلجأ شخص ما لأحد الأولياء المقربين من الله عندما يواجه مشكلة، ويستشيره، بشرط أن تكون النصيحة التي يقدمها لا تتعارض مع أحكام الشريعة. ويمكن أن تكون هذه النصيحة تحذيرا أو ترغيبا في فعل شيء معين يخدم هذا الشخص.
التخاطر والاتصال الروحي قد يكونان حلما أو رؤية لدى بعض الأشخاص الذين يتقربون من الله تعالى، حيث يرسل لهم إشارات أو رسائل تكون بطابع ترهيبي أو تحفيزي، وتعلمهم بأمور قبل حدوثها. قد يكون ذلك للشخص نفسه أو لآخرين، حيث يقوم بتحذيرهم من القيام بأعمال معينة، أو قد يكونون سببا في تبشيرهم برؤيا أو حلم يحمل لهم الخير. في هذا السياق، ليس النقاش حول الجانب الديني، ولكنه يركز على نعم الله التي منحها لبعض عباده المقربين.
الاتجاه المحرم في الاتصال الروحي
: “يوجد اتجاه ثان هو التخاطر الروحي من خلال معرفة الغيب، وهو حرام شرعا. ولكن هناك بعض الوسائل التي يستخدمها البعض سواء عن قصد أو بدون قصد، فمثلا يقوم بعض الأشخاص بالدخول في عالم التخاطر الروحي مع أشخاص آخرين من خلال الاتصال بالجن وجمع المعلومات عنهم، لتسخيرهم من أجل تحقيق الاتصال الروحي بين الشخص الذي سخر هذا الجن وبين الأشخاص الآخرين لمعرفة حقائق غيبية.
وفي هذه الحالة يكون حرام شرعاً ، سواء للشخص الذي سخر الجن ، أو الشخص الذي يريد أن يعلم ما سيحدث في المستقبل من خلال اللجوء لهذا النوع من الأشخاص ، والأحكام واضحة في هذ الشأن ، كما نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أتى كاهنا ً أو عرافاً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد ” ، لأن هؤلاء الأشخاص يلجؤون إلى عمليات الاتصال الروحي من خلال وسيط وهو ” الجن “.
هناك علاقة روحية غير مشروعة قد يقوم بها بعض الناس للتحكم عن بعد في حياة شخص آخر أو لمعرفة أمور غيبية، وبعض الأشخاص يستعينون بهذه الطريقة للتنبؤ بالمستقبل، مثلما يلجأ شخص لآخر لمساعدته في قراءة فنجان قهوته. في هذه الحالة، يتصل الشخص روحيا بالشخص الآخر لكشف الحقائق الخفية. وفي هذا السياق، يعتبر استخدام الجن لكسب المال أو استغلال الآخرين أمرا محظورا شرعا للمتصل الروحي، وأيضا محظورا للشخص الذي يلجأ إليه، وذلك استجابة لحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن يؤمن بالموت، وأن يؤمن بالقيامة بعد الموت، وأن يؤمن بالقدر.” وتعتبر هذه الأركان الستة أساسية في الإيمان، حيث تبدأ بالإيمان بالله وتنتهي بالإيمان بالغيب والقدر، بخيره وشره. ولذلك، يجب على المؤمن ألا يلجأ إلى هذه الطرق وأن لا يستعجل معرفة الغيب، لأنها من الواقعيات التي يجب أن تحدث بالضرورة، سواء كانت في الخير أو الشر.
وهناك توجه فرعي محظور يرتبط بما تم ذكره، ويندرج ضمن مجالات الطاقة والبرمجة العصبية التي انتشرت في هذه الأيام بين الأفراد. يسعى بعض الناس إلى اللجوء للعلاج بالطاقة، وهو علم يستند إلى تحقيق التواصل الروحي. وفي هذه الحالة، يحظره الشرع، لأنه يأخذ مصدره الأصلي من الديانة البوذية، وهي ديانة تستند إلى الكفر والشرك بالله. ونتيجة لذلك، ينتج الابتعاد عن الله وعن الدعاء واللجوء إليه، وبالتالي يكون معصية. وللجوء إليه يعتبر نصرة ودعما لدين غير دين الله. وفهم فوائد هذا العلم يبقى مستمدا من مصدر لا يرضي الله تعالى، وهو أمر يتطلب الابتعاد عنه.