قصيدة الحارث بن عباد ” قربا مربط النعامة مني “
قصيدة الحارث بن عباد قربا مربط النعامة مني، من أشهر قصائد الشعر الجاهلي التي قيلت في واحدة من أشهر حروب العرب في الجاهلية أو أيام العرب ، وهي حرب البسوس، وكان الحارث بن عباد من شعراء وحكماء العرب، والدليل على ذلك أنه رفض أن يشارك في تلك الحرب التي بدأت بسبب ناقة، واستمرت لقرابة مائة عام، لكن قتل ابنه بجير قد أثر فيه كثيرًا وهو ما دفعه للمشاركة في الحرب.
كانت للخيل مكانة عظيمة بين العرب، فهي كانت أسلحة المحاربين الرئيسية. فالقبيلة التي تمتلك أكبر عدد من الخيول تكون لها اليد العليا في معظم الأحوال. فالخيول سريعة وتمكن الفرسان من مواجهة خصومهم بسهولة ومطاردة الأشخاص بسهولة. بفضل الخيول ظهرت فنون الفروسية، ولذلك كان العرب يهتمون برعاية خيولهم وإعطائها أسماء جميلة. وقد يكون قصيدة الحارث بن عباد في تأبين ابنه بجير مثالا على ذلك، حيث قال فيها `قربا مربط النعامة مني` خمسين مرة.
قصيدة الحارث بن عباد ” قربا مربط النعامة مني “
كل شيء مصيره للزوال
غير ربي وصالح الأعمال
وترى الناس ينظرون جميعا
ليس فيهم لذاك بعض احتيال
قل لأم الأ غـر تبكي جبيرا
ما أتي الماء من رؤوس الجبال
لهف نفسي علي جبير
اذا ما جالت الخيل يوم حرب عضال
وتساقي الكماة سمـــــا نقيعا
وبد البيض من قباب الحجال
وست كل حرة الوجه تدعو
يا لبكر غراء كالتمثــــــال
يا جبير الخيرات لا صلح حتي
نملأ البيد من رؤوس الرجال
وتقر العيون بعــــــــد بكاهـــا
حين تسقي الدما صدور العوالي
أصبحـت وائل تعـج من
الحرب عجيج الجمال بالأثقال
لا جبيرا أغني قتيلا ولا
رهط كليب تزاوجوا عن ضلال
لم أكن من جانتها علم الله
واني بحرها اليوم صـــــال
قد تجنبت وائلا كي يفيقوا
فأبت تغلب على اعتزالي
وأشابوا ذؤابتي بجبير
قتلوه ظلما بغير قتال
قتله بشسع نعل كليب
إن قتل الكريم بشسع غال
يا بني تغلب خذوا الحــــــــذر
انا قد شربنا بكأس موت زلال
يا بني تغلب قتلتم قتيـــــــــلا
ما سمعنا بمثله في الخوالي
قربا مربط النعامـــــــة مني
لقحت حرب وائل عن حيال
قربا مربط النعامة مني
ليس قولي يراد لكن فعالي
قربا مربط النعامة مني
جد بوح النساء بالأعوال
قربا مربط النعامــــــة مني
شاب رأسي وانكرتني العوالي
قربا مربط النعامة مني
للسري والغدو والآصال
قربا مربط النعامة مني
طال ليلي علي الليالي الطوال
قربا مربط النعامة مني
لاعتناق الأبطال بالأبطال
قربا مربط النعامة مني
واعدلا عن مقالة الجهال
قربا مربط النعامـــــــة مني
ليس قلبي عن القتال بسال
قربا مربط النعـــامة مني
كلما هب ريح ذيل الشمال
قربا مربط النعامة مني
لجبير مفكك الأغــــلال
قربا مربط النعامة مني
لكريم متوج بالجمال
قربا مربط النعامة مني
لا نبيع الرجال بيع النعال
قربا مربط النعامة مني
لجبير فداه عمي وخالي
قرباها لحي تغلب شوسا
لا عتناق الكماة يوم القتال
قرباها وقربا لأمتي درعا
دلاصا ترد حد النبال
قرباها بمرهفات حــــداد
لقراع الابطال يوم النزال
سائلوا كندة الكرام وبكرا
واسألوا مذحجا وحي هلال
إذ أتونا بعسكر ذي زهاء
مكفهر الأذى شديد المصال
فقريناه حين رام قـــــــــــــرانا
كل ماضي الذباب عضب الصقال
النعامة هي حصان الحارث بن عباد، ويُقال إنها لم تكن لها مثيل في زمانها، وكان قرب مربط النعامة هو نداء يطلقه الحارث لغلاميه ليجلبوا له حصانه كإشارة لبدء الحرب وانتقامه لمقتل ابنه.
مناسبة قصيدة قربا مربط النعامة مني
بجير بن الحارث كان ابن الحارث بن عباد، الذي شهد حرب البسوس واشتهر بقوته بين القبائل العربية. شارك في العديد من المعارك العربية، ولكنه لم يشارك في حرب البسوس التي اشتبكت فيها قبيلتا بكر وتغلب. كان الحارث بن عباد من شجعان بكر وسادتها، ومع ذلك، قرر أن ينسحب هو وأهله عن تلك الحرب. وقد قال المقولة الشهيرة: `هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل`، وهذا يدل على حكمة الحارث. وقد وقعت الحرب بعد أن قتل جساس بن مرة، زوج أخته كليب بن ربيعة، بسبب ناقة. فقرر أخوه المهلهل ابن ربيعة أن ينتقم من بكر، وهو يسعى للانتقام تعويضا عن أخيه الذي كان يحكم القبائل العربية.
في يوم من الأيام، طلب رجال بكر من الحارث التوسط بينهم وبين أبناء عمومتهم من قبيلة تغلب لوقف الزير سالم عن قتالهم. فجمع الحارث وفدا وأرسل معهم ابنه بجير بن الحارث بن عباد، وذهبوا به إلى المهلهل سيد تغلب، وكان بجير في ذلك الوقت غلاما. ويمكن أن يكون البعض غير معرف بأم بجير بن الحارث بن عباد، حيث تشير بعض الكتب إلى أنها أخت كليب والمهلهل وكانت من شعراء العرب وتسمى “أم الأغر بنت ربيع.
عندما وصل الوفد إلى الزير سالم، قدموا له رسالة كتبها الحارث يطلب فيها وقف القتال ويطلب منه قتل ابنه إن شاء لإنهاء الثأر. فسأله المهلهل من أنت؟ فأجابه بجير بن الحارث بن عباد وعلمت أن أبي يكره هذا الأمر وتخلى عنه. فأمر المهلهل بقتله وقال “بشسع نعل كليب”، أي أنه قد قتله تعويضا عن رباط نعل كليب. فقال الغلام إذا كنت راضيا عن ذلك، فقد رضيت، وقام المهلهل بقتل الغلام.
عندما علم الحارث بن عباد ما حدث مع ابنه وأن بجير قد قتل، قال الحارث: `نعم القتيل قتيلًا يصلح الله به بين الحيين`، وكان يعتقد أن المهلهل قد قتل أباه بسبب كلب، وأن الحرب ستنتهي بين بكر وتغلب.
فأخبره القوم ما قاله المهلل” “بشسع نعل كليب”، فغضب وقال المثل العربي “الأمور مخلوجة وليست سلكية” فأصبحت المقولة مثلا عربيا شهيرا، وقال أيضا قصيدة الحارث بن عباد في رثاء ابنه بجير “قربا مربط النعامة” والتي تعد أشهر قصيدة قيلت في حرب البسوس.
وسأل الحارث عما قاله بجير قبل قتله، فقالوا له قال: قال الحارث بن عباد “إن رضيت بنو ضباعة رضيت” ولكنه حزن كثيرا، وصرح بأنه لن يتوقف عن الحرب حتى يسمع أن الأرض تتحدث عنهم، وبدأت بعدها حرب الزير سالم مع ابن عباد الحقيقية.
النعامة هي اسم فرس الحارث، والبيت يعني ” لقحت: وصفت ”حملت“ الحرب بأنها ناقة لا تحمل ولا تلد، ولكن عندما يبدأ الحرب، فإن الناقة ستلد وسيزداد عدد قتلى الحرب.
وأعلن أنه اعتزل الحرب، ولكنه اليوم سيشارك فيها. ويقول الحارث أن بجير ليس أكثر قيمة من من قضوا في الحرب، وأنه كان يأمل في أن تتوقف الحرب بين أفراد العشيرة بعد تضحية ابنه، لكن قتل غلام بواسطة بشسع نعل كان أمراً صعباً بالغ القسوة بالنسبة له.
وفعلا عندما شارك الحارث بن عباد في الحرب، قتل عدد كبير من الرجال وأصبحت الغلبة لقبيلة بكر في جميع المعارك التي شارك فيها، حتى أن بعض رجال بكر عندما تصاعدت عليهم ضغوط الحارث، وكانوا يعرفون ما قاله سابقا بأنه لن يتوقف حتى يخاطبه الأرض، قرروا حفر خندقا ووضعوا رجلا منهم فيه، فعندما مر الحارث أمام الخندق، قال له الرجل بعض أبيات الشعر التي تحثه على الرفق بهم، وهذه الأبيات تقول
أيها الأب منذر، استنفدت فسارع ببعضنا، فرحمتك أهون من بعض الشر.
عندما سمع الناس ذلك، قالوا له إن الأرض قد خانتك، ووافق على التوصل إلى اتفاق سلام مع تغلب، وانتهت حرب البسوس .