ادبفنون

قصة فيلم ” John Q “

ملخص فيلم ” John Q “

نشر رواد السينما في جميع أنحاء العالم حكايات تتجسد فيها الأحداث التي تشكل محور حياة الإنسان، حيث تعكس معاناته ومشاكله، وما قد يتعرض له من ظلم. ولا يقتصر الظلم على الصراع بين الخير والشر، فقد يأتي الظلم في سياق قانوني يؤثر على حياة الملايين من البشر. وبعض هذه الأفلام مستوحاة من قصص حقيقية. هل يمكنكم تخيل يوما أن كاتبا يكتب قصة من وحي خياله، ويقدمها بشكل درامي يجسده فنان سينمائي مشهور ومخرج عبقري.

ثم يكتشفوا أن حادثة مشابهة وإن اختلفت في التفاصيل، قد حدثت سابقا، وأنها حدثت بسبب مشكلة أو ثغرة في القوانين الخاصة بالتأمين الصحي، وهذه الفكرة تتجسد في أحداث الفيلم، بالتأكيد تلك الصدفة نادرة الحدوث، ولكنها حدثت فعلا مع الفيلم الشهير “John Q”، وهو فيلم درامي أمريكي حاز على استحسان وإعجاب الجماهير، وتدور أحداثه حول مشكلات التأمين الصحي في الولايات المتحدة، وخاصة حالة تأمين عمال المصانع، حيث عانى ملايين من عدم تغطية تكاليف العلاج من قبل التأمين الصحي، وتتميز أحداث الفيلم بالإثارة والدراما، مما يجعلك تندمج مع الشخصية الرئيسية وتتعاطف معها.

ولكن بعد عرض الفيلم اتفق الكثير أن قصة الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية حدثت، وأثار هذا دهشة كل طاقم الفيلم، الذين اكتشفوا السبب في تحليل الكثيرين للفيلم كقصة تروي أحداث حقيقية بل ومشكلة يعاني منها الملايين، فما هي قصة فيلم ” John Q ” والقصة المشابهة التي ربط الناس بينها وبين قصة الفيلم؟؟!!

أحداث وقصة فيلم ” John Q “

تم إنتاج الفيلم في عام 2002، وأخرجه نيك كاسافيتس، وكتبه الكاتب جيمس كيرنز، وقام ببطولته النجم الشهير في هوليوود دينزل واشنطن، وشاركه البطولة روبرت دوفال، جيمس وودز، آن هاش، كيمبرلي إليز، راي ليوتا، إدي غريفين.

تدور أحداث الفيلم حول جون كيو الذي يجسده الممثل دنزل واشنطن، والذي كان يعمل في إحدى المصانع في الولايات المتحدة، وكان يعيش مع زوجته وابنه، ويحاول بكل جهده توفير حياة كريمة لهم، وكان يعمل في أماكن عدة حتى يتمكن من تعليم ابنه وسداد أقساط السيارة.

ويظهر بطل العمل جون كيو في بداية الفيلم كأي أب مكافح يحاول أن يوفر لإبنه أفضل مستوى معيشي، ولكن تتبدل حياته وتنقلب الأحداث ليظهر الأب في صورة المجرم، بعد تعرض ابنه لفقدان الوعي وهو يلعب البيسبول، ويكتشف الأب أن ابنه يعاني من تضخم في عضلة القلب، ويجب إجراء عملية زرع قلب في أسرع وقت وإلا فسيفقد ابنه حياته، وتبدأ الحبكة الدرامية في الانغلاق أكثر فأكثر، عندما أخبره مدير المستشفي ومسئولة الحسابات أنهم لن يتمكنوا من إجراء العملية، والسبب أن تأمينه الصحي لا يغطي تكاليف العملية، والتي تتكلف 40 ألف دولار.

وقدم الأب تظلم في محاولة لرفع قيمة التأمين، وانجرف الأب في سلسلة طويلة من الإجراءات الروتينية والتي تبدد الوقت مما يضع ابنه في خطر شديد لأن حالته حرجة، وهنا يضع الفيلم أمام ناظري المشاهد معاناته التي يواجهها بسبب مشكلات قانون التأمين الصحي، والتي تعرض حياة ملايين من الناس في خطر، فيجد المشاهد نفسه داخل سياق الأحداث وكأنه هو بطل العمل، الذي يجد نفسه بين مطارق حديدة بيدين مكبلتين بسبب قلة حيلته لأنه لا يملك المال، ومطرقة إنعدام الرحمة والإنسانية التي بدأت المجتمعات في فقدانها تدريجيا مع تغييرات مجتمعية واقتصادية وأخلاقية.

وقانون عقيم لا ينحاز للفقراء، ومن الجانب الآخر ينظر إلى إبنه وهو بين الحياة والموت، كل هذه الأفكار تتوراد في عقل الأب قليل الحيلة وهو يبيع كل ما يمتلكه محاولا جمع تكلفة العملية، ولكنه يفشل في جمع المبلغ المطلوب، و في محاولة أخيرة يحاول الأب التفاوض مع مدير المستشفى، في دفع المبلغ المتاح معه، وتسديد باقي المبلغ حتى يأتي الرد فيما يخص التأمين، ولكن مدير المستشفى يرفض هذا العرض.

أغلقت الأمكنة المتاحة للحلول بالنسبة للأب، ويجد المشاهد نفسه في حيرة حول ما سيفعله الأب بسبب تعنته وانعدام رحمته. يتحول الأب من مواطن صالح إلى مجرم يحمل سلاحا ويحتل المستشفى ويحتجز رهائن. نعم، يتحول من ضحية إلى مجرم في لحظة، حيث يذهب إلى المستشفى محملا بالسلاح ويسيطر على مداخله. يصرخ قائلا `من الآن فصاعدا ستكون الرعاية الصحية مجانية للجميع`، ويستقبل الحالات، ويتولى الأطباء علاج المرضى دون تمييز.

في تمحور تام لأحداث العمل تنتفض الشرطة ولكن ليس لمصلحة الفقراء، ولم تنظر إلى السبب الحقيقي وراء ما فعله جون كيو، لكنها رأته بعين القانون وليس روح القانون، كمجرم يجب محاسبته، فاجتمعت أمام المستشفى للنظر في الأمر محاولين إيجاد حل للسيطرة على الموقف وإعادة الحال على ما كان عليه، وبدأت الشرطة في التحدث مع الأب عن طريق اللاسلكي، ليعرض عليهم طلباته.

المطلوب الوحيد له كان إدراج ابنه في قائمة المتبرعين، ويعرض الفيلم لمسة إنسانية لجون كيو وكأن صناع العمل يرسمون خطا سميكا يفصل بين موقف المستشفى من رفض تقسيط المبلغ لإنقاذ حياة ابنه، وموقفه الذي حرر سيدة حامل على وشك الولادة بعد طلب الطبيبة بضرورة إدخالها فورا إلى غرفة العمليات، فحررها هو وزوجها، وهذه لفتة قوية من صناع الفيلم توضح كيف يمكن أن يجبر الإنسان على انتهاك القانون فقط للحصول على حقه. يتعامل الشخص الحاصل على حقه كمجرم عندما يضطر إلى استخدام القوة لاسترداد حقه، ومن الجهة الأخرى، يقوم رجال الشرطة بمحاولة خداع الأب ووضع خطة لقتله.

أبلغت الشرطة زوجته أن ابنه موجود بالفعل في القائمة، ووضعوا خطة لقتله عن طريق الاتصال به من هاتف يتواجد في موقع مناسب للقنص. لكن القناص فشل في قتله وأصاب يده، وسقط القناص من السقف وتعرض للضرب من قبل جون كيو واستولى على سلاحه، واحتجزه الرهائن كرهينة. في حادث منفصل، تم نقل ما حدث على شاشات التلفزيون، وتعاطف كل من رآه في التلفزيون مع جون كيو وابنه.

وحاورت الشرطة جون كيو مرة أخرى، الذي طالب بابنه مقابل إطلاق سراح الرهائن والقناص، وبالفعل أحضرت الشرطة ابنه، وطلب جون كيون أن يأخذوا قلبه وينقذوا حياة ابنه، ولكن الطبيب رفض المخاطرة بهذا الفعل، ولكن الصدفة تخدم سياق الأحداث في الفيلم، فتموت سيدة 26 سنة أصيبت في حادث ولكن قلبها سليم، ونفس فصيلة الدم.

بعد خروج الرهائن، ارتدى أحدهم ملابس جون كيو وسلم نفسه للشرطة، في حين ارتدى جون كيو ملابس الطبيب. تمتد الأحداث ببطء أثناء عملية إنقاذ ابنه وهو داخل غرفة العمليات، ويتم إجراء العملية بنجاح، وينجح الأب في إنقاذ حياة ابنه. يتبع ذلك مشهد المحاكمة، التي تبرئه من تهمة القتل، ولكنه يجد نفسه مذنبا في اختطاف الرهائن، ويحكم عليه المحكمة بالسجن لثلاث سنوات.

ينتهي الأحداث في الفيلم، فهل يعتبر المشاهد أن النهاية التي وصل إليها الجاني مستحقة؟ أم أن المجرم الحقيقي هي الظروف التي تعرض لها؟ هذا الأمر يعود إلى المشاهد الذي يتمتع بالحرية في التعبير عن رأيه الخاص، حيث تروى قصة الفيلم بمعاناة يعيشها العديد من الأشخاص.

القصة الحقيقة وراء فيلم ” John Q “

على الرغم من أن الفيلم تم إنتاجه في عام 2002 ولكن حتى الآن المشاهد يراه قصة حقيقية يعاني منها الملايين، فكثير من المواطنين في الولايات المتحدة لازالوا يعانون من قانون التأمين الصحي حتى هذه اللحظة من عام 2021، خاصة مع قانون التأمين الصحي الذي اقره أوباما، ومن بعده ترامب، والحقيقة أن صناع الفيلم لم يستندوا في أحداث العمل على قصة حقيقة، فليس في الأحداث الواقعية شخصية جون كيو ويتعرض لمثل هذه الأحداث التي تجسدت في الفيلم.

في الحقيقة تفاجأ صناع الفيلم بأن هناك حادثة مشابهة للفيلم حدثت في عام 1998 في تورنتو، وتفاصيل الحادثة تبدأ في ليلة رأس السنة، وبطل الحادثة الحقيقة المشابهة للفيلم اسمه هنري ماسوكا 26 عام، وفي تلك الليلة ذهب هنري مسرعا يحمل ابنه الرضيع إلى طوارئ مستشفى سانت مايكل في تورنتو، وقاموا بإخباره في المستشفى أنه لا يوجد أطباء أطفال موجودين حاليا في المستشفى، ويجب ان ينتظر 45 دقيقة حتى يتمكن طبيب من فحص ابنه.

ذكرالشهود الذين شاهدوا الحادثة داخل المستشفى أن ماسوكا قام بإخراج مسدس ووجهه نحو رأس الطبيب، وطلب منه أن يفحص ابنه.

طلبت إدارة المستشفى المساعدة من الشرطة، وعند وصولهم أطلقوا النار على ماسوكا وقتلوه، وتبين للشرطة فيما بعد أن المسدس الذي كان بحوزته كان فارغًا، وتم تسليم جثة ماسوكا لعائلته التي غادرت المستشفى.

هناك اختلاف واضح بين الحادثة الحقيقية وأحداث الفيلم، على الرغم من وجود بعض التشابه في القصة. لكن ما الذي جعل الناس يربطون بين قصة الفيلم وهذه الحادثة؟ يوجد ملايين من الأمريكيين الذين ليس لديهم تأمين صحي، وحتى المؤمن عليهم يعانون بسبب عدم تغطية تكاليف العلاج من قبل التأمين. يجد المواطن نفسه مضطرا لسداد فواتير باهظة بعد تلقي العلاج. لذلك، معظم المشاهدين الذين شاهدوا الفيلم يرون البطل جون كيو كضحية تلك الشركات التأمينية التي يعتبرونها المجرم الحقيقي والمسؤول عن تلك المشاكل جميعها.

هناك العديد من الأفلام التي صنعت في هوليوود وتستند قصصها إلى أحداث حقيقية، بما في ذلك “Lost Girls” و “The Boy Who Harnessed the Wind” و “The Two Popes”، والتي جميعها أفلام مستوحاة من قصص حقيقية حدثت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى