أنواع الخصام ودرجاتها
معنى الخصام في اللغة
تعتبر الخصام في اللغة العربية مصطلحا يقصد به الجدال أو الخلاف أو النزاع. يشير هذا المصطلح إلى الاختلاف بين شخصين أو المتنازعين أو المتجادلين حول موضوع معين، سواء كان جوهريا أو مجرد اختلاف وجهات النظر وطرق التفكير الخاصة بموضوع فكري، أو نتيجة ضغط خارجي أو عامل خارجي. يمكن أن يتطور هذا الخلاف إلى منازعة ومقاطعة وخصام.
تعريف الخصام في الإسلام
يعرف الخصام في الشريعة الإسلامية على أنه لجوجة في الكلام بين شخصين لحق مقصود بينهما ويكون على شكل ابتداء أو اعتراض وهو تماماً عكس المراء حيث يعترض به الشخص على كلام شخص آخر فقط، فالخصام ينتج عن عاملين أساسيين هما الجدال والمراء من جهة والتشبث بالرأي الباطل من جهة أخرى، وقد وقف الإسلام معترضاً على الخصام بين الناس. وقد ورد ذلك في قول شهير للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عندما قال:”إيَّاكم والخصومة؛ فإنها تمحق الدِّين” وقد ورد هذا القول في (شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة للالكائي).
وأثبت القول الأحنف بن قيس رحمه الله: “كثرة الخصومة تنبت النفاقَ في القلب”.
فضلاً عن ذلك قال معاوية بن قرَّة رحمه الله: “إيَّاكم وهذه الخصومات؛ فإنَّها تحبط الأعمال”.
ذكر الإسلام العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الخصومة بين الناس، وأبرزها التشبث بالرأي حتى وبعد معرفة الخطأ وعدم الاعتراف به.
أنواع الخصام
يوجد أنواع مختلفة من الخصومات في الإسلام وفقًا لأسبابها، ومن بين هذه الأنواع:
- الخصام والعداوة: الخصام يعد سببه الرئيسي عدم المصالحة والعداوة والكراهية، حيث روى أبو هريرة حديثا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: “تفتح أبواب الجنة يومي الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه خلافات”. وقد نقله مسلم في صحيحه، ويقال: انتظروا حتى يتصافحا. المقصود بالخلافات في هذا الحديث هو العداوة وفقا لرأي كل من عياض وابن عبد البر وابن الأثير وابن الجوزي والباجي. وأضاف النووي في شرحه لصحيح مسلم: “فقد قال إن الخلافات تعني العداوة، كأنها امتلأت بالبغض لصاحبها”، وقال الطيبي: الخلافات هي العداوة والبغض، وربما يقصد بها المشاكل التي تحدث بين المسلمين نتيجة لنفوسهم الملوثة بالشر، حيث لا يشعر أحدهم بالأمان من أي ضرر قد يلحق بصاحبه من قبل يديه ولسانه، وذلك لأن ذلك قد يؤدي إلى القتل وقد يصل إلى الكفر، حيث يمكن أن يدفع الشخص إلى الاعتداء على حياة وممتلكات العدو.
- الخصام والبغضاء: فيما يتعلق بالخلاف الذي يحدث بين الأشخاص دون وجود تباغض أو حقد، فإن ترك أحد الأصدقاء بدون عذر أو سبب ديني محرم شرعا، لا يدخل في نطاق الموضوع. ومع ذلك، إذا تقابلا ولم يتبادلا التحية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
- الخصام و الهجر: إذا كان الخصام بسبب ديني، فإنه يكون مشروعا وغير محظور على من تركوا الصلاة بعد تنبيههم وتحذيرهم من مخاطر تركها. إذا لم يكن هناك استجابة من هذا الشخص للنصح، فإن تركه يصبح مبررا وليس واجبا. وإذا كان هناك خوف من التفرقة أو العناد والثبات على الرأي، فإن النصح المتكرر هو الأفضل حتى يتم تعديل السلوك. يفضل أن يتصف المرء في هذه الحالة بالحلم والصبر، فهذه الصفات كانت متواجدة فيأنبياء الله، حيث تعاملوا مع شعوبهم بالدعوة إلى الإسلام وتحملوا الإهانة والضرب والشتم، ومع ذلك، صبروا ولم يخاصموا شعوبهم، بل بالعكس، استمروا في الصبر والدعوة لا عليهم، فمن أمثلة أنبياء الله هو نوح عليه السلام الذي صبر على شعبه لمدة خمسين عاما واستمر في الدعوة سواء في السر أو العلن وفي الليل والنهار.
درجات الخصام
كثيرة هي درجات الخصام التي من فيبدأ الخصام بما يلي:
- التحاسد والتباغض: الإسلام لا يحبذ التحاسد والتباغض، ونهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، وورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا إخوانا، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك”، وأكد الزبير رضي الله عنه هذا القول عندما روى حديثا للرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: “دب إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.
- أما بالنسبة للحسد: يؤدي الحسد بين الناس إلى تصاعد العداء والتصنع والتبجح، ففي حالة الحسد والخصام، يعارض الناس مشيئة الله وقدره. للحسد آثار سلبية على صاحبه، حيث يمنعه من قبول الحق وخاصة إذا كان المحسود شخصا، ويدفعه للتمسك بالباطل. يستمر على هذا النحو حتى يفقد أحبائه وينهار، ويصبح شبيها بإبليس الذي حسد آدم ورفض السجود له، فأغرقه الله في ذلك الذل.
- التقاطع والتدابر: لا يجوز للمسلم قطع الصلة مع أخيه المسلم بغير حق، وخاصة صلة الأرحام، ويجب على المسلم أن يصل رحمه حتى لو قطعها أخوه، وأثبت ذلك الحديث التالي: عن أبي أيوب الأنصاري، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه المسلم لأكثر من ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”، وهذا يحظر قطع المسلم لصلة الأخ المسلم لمدة تزيد عن ثلاثة أيام، ويجب على الأخوين عدم إبعاد بعضهما البعض، بل يجب عليهما أن يبادرا في الصلح وإنهاء الخصومة بينهما.
- الكبر والعجب: الكبر شيء سيئ، فعندما يشعر الإنسان بإعجابه بنفسه، يتحدى الآخرين ويفتخر بذلك، وقد ذكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر». فقال رجل: «لكن الإنسان يحب أن يكون متأنقا وجميلا». فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل ويحب الجمال، لكن الكبر يجرف الحق ويحقر الناس»، ولذلك، لا يدخل الجنة من يستكبر ويحقر الآخرين.
- الخلق الأمثل هو العفو والسماح والمغفرة للآخرين، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: `من كظم غيظًا وهو قادر على تنفيذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يخيره الله بمن يشاء من الحور العين`. فلتجنب الخصومات والمشاكل، فالدنيا زائلة ولا يبقى منها شيء، ولدى الله تجتمع الخصوم.
- كما جاء في الحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل تعرفون من هو المفلس؟»، فقالوا: «المفلس بيننا هو من لا يمتلك درهما ولا متاعا»، فقال: «إن المفلس من أمتي هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ولكن يأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن انتهت حسناته قبل أن يتم تصفية خطاياهم، سيتم تحميله بذلك، ثم يلقى في النار.
آداب الخصام في الإسلام
كثيرة آداب في الخصومة التي يجب مراعاتها منها ما يلي:
- يعلم الله تعالى ما يتخلف في قلوب الناس من خصومة وعداوة، ولذلك ينبغي على كل شخص أن يتقي الله ويستقيم في مواجهة ربه يوم القيامة، وذلك بناءً على ما ورد في الآية الكريمة: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [سورة الزمر: الآية 31].
- يجب التعامل بالاعتدال في الخصومة، وعدم الاندفاع فيها، وقبول الصلح وترك مجال له، وذلك بناءً على قول النبي صلى الله عليه وسلم: `أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما`.
- يجب على المختصم أن يكتفي بحقه، حتى وإن حكم له القاضي بأكثر مما يستحق، لأنه سيتعرض لعقاب من الله، وذلك ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن حُكِمَ له بحق أخيه شيئًا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها.
- يجب على المسلم أن يلتزم في ضبط لسانه في الخصام، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، والفجور هو إنبعاث المعاصي والمحارم.