هل الغش في الامتحان يبطل الصوم
الغش في الامتحان والصوم
لا يوجد شك في أن الغش في كل الحالات حرام بسبب المفاسد التي ينتج عنها، وقد نقل أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: “من غش فليس من المسلمين”، وبغض النظر عن طريقة الغش، سواء في الاختبارات أو غيرها، فإنه لا يجوز للمسلم القيام بهذا الفعل أو اللجوء إليه.
ومع ذلك، فإن الغش في الامتحان لا يعتبر مبطلًا للصيام ولا يفسده، حيث أن شهوات البطن والفرج فقط تبطل الصيام، وأما الغش في الامتحانات فهو إثم لا علاقة له بالصيام، ولا علاقة له بشهوة الجوف والفرج، لذلك فهو ليس من المفطرات ولا يفسد الصيام.
فالذنوب لا تبطل الصوم، بل تنقص أجره، وإذا كان الغش في الامتحان لا يفسد الصيام كما سبق بيانه، ولكنه يؤثر على الصيام وبذلك ينقص صيام من غش في الامتحان، وارتكاب الذنوب أثناء الصيام، وخاصةً في رمضان، له حرمة صارمة، فالإثم خلال الصيام أشد منها في غيره، فالصوم لا يقتصر على الإمساك عن الشرب والأكل والجماع فقط، بل في الابتعاد عن المحرمات أيضاً، ولا شك أن الغش في الامتحان من هذه المحرمات.
وقد حذرت الشريعة الإسلام ية من ارتكاب المعاصي والذنوب في أوقات الطاعة، لأن الغرض من تلك الاوقات هو الحصول على الأجر والثواب، ومن يرتكب الذنوب والمعاصي في هذه المواسم فإنه يخالف الغرض منها، وبدلاً من أن يجني الثواب، فإنه يحصد السيئات.
وأوضح الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الصوم لا يعني فقط ترك الطعام والشراب، ونهى عن ارتكاب الذنوب والمعاصي في موسم الصوم، فقال أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إن من لم يترك قول الزور أو العمل به، فليس لله حاجة في أن يترك طعامه وشرابه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، إنه هناك صائم لا يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش، وهناك قائم لا يأخذ من قيامه إلا السهر.
تعريف الغش
تحمل كلمة الغش العديد من المعاني، إذ يشير إلى الشخص الذي يظهر ما هو مختلف عما يدور بداخله، وتختلف تعريفاتها باختلاف المجال الذي يحدث فيه الغش، ففي الاصطلاح الشرعي، يعني الغش خلط الجيد بالسيء أو ترويج الشر على أنه خير يجب تفاديه.
في السياق التربوي، يشير الغش إلى عملية تزوير نتائج التقييم أو محاولة الطلاب الحصول على إجابات الأسئلة بطرق غير قانونية. يعرف الغش بأنه ظاهرة اجتماعية منحرفة تخالف العديد من المبادئ والقيم الشرعية التي أقرها الإسلام. يعود ذلك إلى التأثير السلبي الملحوظ على جوانب الحياة الاجتماعية في المجتمع.
على الرغم من تنوع وتجدد مفاهيم الغش، إلا أنها تتقارب وتتفق في مضمونها. وإذا لم تكن مطابقة تماما، فإنها جميعا تشير إلى أن الغش يشمل الخيانة، لأنه يعد خرقا للعهد وانتهاكا للثقة وتخليا عن الأمانة. ومفهوم الغش يقترب أيضا من النفاق العملي، حيث يحمل الغشاش توجها معاكسا تجاه الطرف الآخر عما يظهر.
أنواع الغش
هناك العديد من أنواع الغش الذي أصبح يمارسه الناس في الآونة الأخيرة على الرغم من كونه معصية وإحدى الكبائر التي نهى عنها الإسلام، ومن هذه الأنواع ما يلي:
- الغش في البيع والشراء: يعني أن أحد الأطراف يحصل على المال بطرق محرّمة في الإسلام، مثل الكذب، أو عدم الإفصاح عن عيوب السلعة، أو تخفيض سعرها، أو التلاعب بوزنها، أو خلط السلعة الجيدة بالرديئة، وغيرها من الطرق المحرمة في الإسلام والتي حذّر منها.
- غش الرَّعيَّة للرَّاعي: يتم التلاعب بالراعي والمديح له بطريقة غير صحيحة عندما يتم إطراؤه بما ليس فيه، مثل إشادته بأعمال ونجاحات لم يحققها، أو عدم تقديم النصح والإرشاد عند رؤية منكر من قبل الراعي.
- غش الرَّاعي للرَّعيَّة: يحدث ذلك عندما يقوم الراعي بظلم الرعية وعدم الاهتمام بمصالحهم وعدم نصحهم عند الحاجة.
- الغش في القول: ويتم ذلك عن طريق الشهادة الزائفة والكذب وإخفاء الحقائق وتشويهها.
- الغش في النصيحة: تكون علامات المنافقين بغياب الصدق والإخلاص عند تقديم النصيحة للآخرين.
- الغش في الامتحانات: يعني الغش في الاختبارات استخدام أي وسيلة أو طريقة للحصول على درجة أو وظيفة أو أي شيء آخر، سواء كان الدافع وراء ذلك هو أي سبب، ويؤدي الغش إلى حصول الشخص على شيء لا يستحقه بسبب وصوله إليه بالغش وليس بجهوده الشخصية.
- عدم الوفاء بالعقود: عدم الوفاء بالعقود التي يتم إبرامها في مجالات الإنشاءات والمقاولات، وغيرها من الأعمال التي تنطوي على عقود، يعد من الغش الذي يحرمه الدين الإسلامي.
حكم الغش في الامتحانات الإلكترونية
تطورت أساليب التدريس في ظل وجود التعليم الإلكتروني أو ما يعرف بالتعليم عن بعد، ومعهما تطورت أساليب الغش وأصبحت أكثر سهولة، وهذا هو الاختبار الحقيقي، اختبار الأخلاقيات وحفظ الأمانة، لقد حرم الإسلام الغش بكل أشكاله تحريما مطلقاً، وهذا ما أجمع عليه العلماء وفقهاء الدين، مستندين في ذلك على قولهم إن الغش في هذه الامتحانات يمنح الغشاش فرصًا لا يستحقها لاحقًا، كوظيفة مرموقة وعمل لا يستحقه ولا يقدر على القيام به لأنه وصل إليه بالغش ولا بمجهوده الشخصي.
ولذلك أكد العلماء أن الإسلام حرم الغش في كل أحواله، وذلك وفقًا لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، في حديثه الشريف، من يغش ليس مني، وقال ابن عثيمين، إن الإسلام حرم الغش في الامتحانات، واعتبره من كبائر الذنوب، خاصةً وأن هذا الغش يترتب عليه الكثير من الأمور في المستقبل، منها وظيفة هذا الشخص وراتبه وغيرها من الأمور المترتبة على هذا النجاح المزيف.
حكم الغش في الامتحانات للضرورة
قد يكون لدى بعض الطلاب أسباب مقنعة للغش، ولكن مهما كان السبب أو المبرر، فإن الغش يظل محرمًا في الشريعة الإسلامية، ولا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال.
والبعض يتخذ من القاعدة الفقهية التي تقول أن الضرورات تبيح المحظورات تبريرًا للغش في الاختبارات للضرورة، ولكن القاعدة لا تعني هذا مطلقًا، ولكن تعني أنه يمكن للمسلم ارتكاب المحظورات أو الممنوعات في حالة الضرورة الشديدة التي قد يترتب عليها هلاك الفرد أو إلحاق ضرر بالغ بالدين أو النفس أو العرض أو المال أو العقل، ففي هذه الحالات يُسمح للمرء ارتكاب المحظور أو الممنوع.
أما فيما يتعلق بالامتحانات، فلا توجد هناك ضرورة تبيح الغش، ولا يعتبر الخوف من الحصول على درجات أو نتائج متدنية ضرورة تبيح الغش، والله أعلى وأعلم.
التكفير عن الغش في الامتحانات أثناء الصيام
في حالة ارتكاب الطالب معصية الغش في الامتحانات وهو صائم، يجوز له التكفير عن ذنبه، وذلك من خلال القيام بما يلي:
- أن يبادر إلى التوبة إلى الله سبحانه وتعالى لهذا الذنب، ويستغفر الله على ارتكابه.
- يتعهد الشخص بعدم العودة إلى هذا الخطيئة مرة أخرى ويتخلى عنها تمامًا امتثالاً لأمر الله تعالى وخوفًا من العقاب.
- ينبغي على الشخص الندم على الذنوب التي ارتكبها في الماضي، ويبدأ من جديد، ويتعهد بعدم الإقدام على الغش مرة أخرى في المستقبل.
- يجب زيادة الأعمال الصالحة مثل الصيام والصلاة وإخراج الصدقات، لأنها تمحو السيئات كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم.