فوائد العفو عند المقدرة .. وأمثلة وقصص للعفو
تعريف العفو عند المقدرة
العفو هو أعلى مرحلة من التجاوز عن الذنب، ويتم ذلك عندما يترك العقاب مع المقدرة. إن العفو عن المسيء عندما يكون بإمكاننا معاقبته هو من الأخلاق العظيمة التي تحمل قيمة عالية، حيث يعتبر العدل المعاقبة جوهره، بينما يعد العفو قمة الفضيلة. والقرآن الكريم يحث على هذا الخلق الكريم، حيث يقول: `فاصفح الصفح الجميل`.
فوائد العفو عند المقدرة
قد شرع الله سبحانه وتعالى القصاص في الجنايات، ولكنه فضل العفو على القصاص لما له من فوائد عظيمة تعود على الفرد والمجتمع، وتتجلى فوائد العفو كما يلي
- إن العفو فيه إصلاح أما القصاص فلا يكون فيه عفو ولا إصلاح، وإن في القصاص ممكن أن يظلم المرء فيتعدى أكثر من حقه وإن الله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
- للعافين أجر عظيم عند الله جل وعلا، وهم على وعد عظيم سيجدونه في الآخرة أفضل بكثير مما حصلوا عليه في الدنيا.
- العفو، عندما يكون متاحًا، يعتبر شرفًا وعزًا للشخص المعفو عنه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “لا ينقص صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، ولا يتواضع أحد لله إلا رفعه الله .
- إن العفو عند المقدرة يتجلى فيه الدفع بالتي هي أحسن، وهو من الأمور الهامة التي تعمل على إزالة العداوة من المعتدي حتى يستحي من نفسه على ما فعله ويصير صديقاً حميماً لمن آذاه، قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} .
- إن العفو عند القدرة يكون نعمة للفرد حين يعفو الله عنه، لأنه سبق وعفا عن إخوانه المسلمين. وقد قال الله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم .
- إن العفو عند المقدرة يكون نابعاً من الإيمان الداخلي الموجود عند المؤمن فهو إيمان راسخ بعيداً عن الظلم والشرك وظلم المرء لنفسه، فهذا العفو النابع من الإيمان يدفع بالناس إلى المحبة فيما بينهم، بدل أن يتشاغلوا بينهم ويتربص كل واحد منهم للآخر حتى لا يغدوا لقمة سائغة لأعدائهم.
- إذا كان العبد قادرًا على العفو، فهذا يدل على أنه يتبع أوامر الله تعالى، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: `خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ` .
- فإن من تقلد بصفة العفو فقد اتسم بصفات أصحاب الجنة التي وصفها الله سبحانه وتعالى في قوله: {وسارعوا إلىٰ مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} .
- يتميز من يمتلك صفة العفو بالصبر والحلم ويتحلى بدور القدوة للناس ويستحق أن يكون قائدًا بسبب تحمله وصبره، فالعفو يُكسبه رحابة الصدر والنفس السمحة، وتبتعد نفسه عن الحقد والانتقام والحسد للآخرين.
- العفو يعد رحمة بالمسيء وتقديرًا لجانب ضعفه البشري، بالإضافة إلى امتثال العبد لأوامر الله.
- يساهم العفو في تعزيز الروابط الاجتماعية التي تكون عرضة دائمًا للانهيار والضعف بسبب الانفصال والتمزق، والذي ينتج عن سوء المعاملة بين بعض الأفراد وجناية بعضهم على بعضهم.
- إن العفو يكون سبب للتقوى، قال تعالى: العفو أفضل لدى الله وأن تظهروا الفضل بينكم ولا تنسوه .
- إن في العفو السكينة والطمأنينة النفسية.
- يحتل العفو مكانة رفيعة ومحبوبة عند الله سبحانه وتعالى وعند الناس.
العفو عند المقدرة من شيم الكرام
العفو هو صفة هامة ومن شيم الأنبياء والرسل. فقد عفى نبي الله يوسف عن إخوته الذين حاولوا قتله ورموه في البئر، وأخرجوه من بيته وهو صغير، وعفى عنهم عندما استطاع الانتقام منهم. وكذلك، عفا نبينا محمد عن قريش وأهل مكة عندما فتح مكة، وإن العفو عند المقدرة هو من صفات الله الحسنى، وينبغي علينا التقليد في هذه الصفات وتجسيدها في أخلاقنا، وقال الله تعالى: “إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا.
قصة العفو عند المقدرة
هناك العديد من القصص عن العفو التي اتسم بها الأنبياء والسلف الصالح، ولكننا في هذه المقالة سنتحدث عن بعض القصص عن العفو لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام
- ذات مرة، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم نائما في ظل شجرة، فجأة هاجمه رجل من الكفار وهو يحمل سيفا ويوقظه، ويقول: “يا محمد، من يمنعك مني؟”، فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم بثبات وهدوء: “الله”، فارتجف الرجل وسقط السيف من يده، ثم أمسكه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للرجل: “ومن يمنعك مني؟”، فأجاب الرجل بأنه يريد أن يتحدث معه، فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه. (متفق عليه).
- قامت امرأة يهودية بوضع سم في شاة مشوية، ثم أتت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هدية. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفض الهدايا، ولكن الله – سبحانه – حفظ نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية وسألها: `لماذا فعلت ذلك؟` فأجابت: `أردت قتلك.` فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: `ما كان الله ليسمح لك بذلك.` وأراد الصحابة أن يقتلوها وقالوا: `ألا نقتلها؟` فقال صلى الله عليه وسلم: `لا`، وعفا عنها. (متفق عليه).
أمثلة العفو عند المقدرة
إن هناك قصص وأمثلة كثيرة عن العفو عند المقدرة منها:
- كان هناك رجل صالح طلب من خادمه أن يحضر له ماء للوضوء. جاء الخادم بالماء، وكان ساخنا جدا، ولكن بدون قصد، سقط من يده على رجل الرجل. فقال الرجل الصالح وهو غاضب: أحرقتني، وأراد معاقبته. لكن الخادم رد عليه قائلا: يا معلم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله تعالى. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟ قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}. قال الرجل: كظمت غيظي. قال الخادم: {والعافين عن الناس}. قال الرجل: عفوت عنك. قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حر لوجه الله.
- في يوم من الأيام أرد معن بن زائدة أن يقتل مجموعة من الأسرى كان قد أسرهم في أحد المعارك فقال له أحدهم: نحن أسراك وبنا جوع وعطش فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل، فقال مُعَن: أطعموهم واسقوهم. فلما أكلوا وشربوا، قال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟، فقال لهم: قد عفوتُ عنكم.
- أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: استأذن الحر بن قيس لعيينة، فأذن له عمر، وعندما دخل عليه، قال له: يا بن الخطاب، فوالله ما تعطينا الكثير، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: `خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين` [الأعراف: 199]. وهذا الرجل من الجاهلين، ووالله لم يتجاوزه عمر حين تلا تلك الآية له، وكان واقفا عند كتاب الله.
- قال أبو ذر رضي الله عنه لغلامِه: “لِمَ أرسلتَ الشاةَ على عَلفِ الفرَس؟”، قال: أردتُ أن أَغِيظَكَ، قالَ: “لأجمعنَّ مع الغيظِ أجرًا؛ أنتَ حُرٌّ لوجهِ اللهِ تعالى”.
- سب رجل أبا هريرة، ثم عندما انتهى قال له أبو هريرة رضي الله عنه: `انتهيت`. فقال الرجل: `نعم، وإذا أردت أن أزيدك زدتك`. فقال أبو هريرة: `يا جارية، ائتني`. فاطمأن الرجل، وفكر في نفسه: `ماذا سيطلب منها؟`. فقال أبو هريرة: `آتني بالوضوء`. فتوضأ أبو هريرة واتجه نحو القبلة. ثم قال: `اللهم إن عبدك هذا سبني، وقال عني ما لم أعلمه عن نفسي. اللهم إن كان عبدك هذا صادقا فيما قال عني، اللهم فاغفر لي. اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا فيما قال عني، اللهم فاغفر له`. ثم انكب الرجل على رأس أبي هريرة رضي الله عنه يقبلها.