ملف خاص عن جريمة ” اقتحام الحرم المكي ” عام 79
هناك العديد من الجرائم الإرهابية التي تعرض لها العالم بأكمله، ولا يزال يدفع ثمنها الأرواح البشرية التي لا حول لها ولا قوة، دون رحمة أو شفقة تجاه الصغير والكبير على حد سواء. في نظر الإرهابيين، الجميع متساوون ولا يفرقون بين مسلم وكافر، وهم يستهدفون الجميع، وخاصة الأبرياء. هذه الحرب ضد الإرهاب التي يبدو أنها لا تنتهي، خاضها العالم لسنوات طويلة، ولكن هناك بعض الجرائم التي لا يمكن نسيانها بغض النظر عن مرور الزمن. إنها جرائم بقيت في ذاكرة معاصريها وستظل ذكرى ترافقهم طوال حياتهم .
الإرهاب ليس له دين، هذه عبارة نسمعها كثيرا ونرددها في الوقت الحالي بسبب تزايد العمليات الإرهابية في العالم العربي والغربي. وإذا عدنا للوراء إلى أواخر السبعينيات، سنتذكر جريمة إرهابية لن ينساها أي مسلم على وجه الأرض، وقد وثق التاريخ تفاصيلها بشكل كامل. إنها جريمة تحمل كل معاني الوحشية، ومنفذوها يدعون الإسلام ويعتقدون أنهم يدافعون عنه، ولكنهم بعيدين جدا عن روح الدين الإسلامي وتعاليمه وأخلاقه. إنهم يخالفون تعاليمنا التي تحرم قتل نفس إنسان، وتحرم الاعتداء على المساجد المقدسة وبيوت الله الحرام. قصتنا اليوم هي جريمة غير عادية، ارتكبها المجرمون بطرق ووسائل وحشية للغاية في حصار دام لمدة خمسة عشر يوما، وذلك في المكان الأقدس على وجه الأرض، وهو الكعبة المشرفة وساحات المسجد الحرام! دعونا نتعرف على تفاصيل هذه الكارثة الإجرامية التي لا تستطيع الكلمات وصفها .
اقتحام الحرم المكي :
يصادف يوم الجمعة الموافق 20/11/2015، الذكرى السنوية لواحدة من أسوأ جرائم الإرهاب في التاريخ، وهي اقتحام الحرم المكي من قبل جماعات إرهابية تدّعي وجود المهدي المنتظر، وسقوط العديد من الضحايا بطرق وحشية ومروعة .
معلومات :
• تاريخ الاقتحام : 20/11/1979
• تاريخ انتهاء المعركة : 4/12/1979
• مكان الواقعة : أروقة الحرم المكي .
• الجماعة الإرهابية : تترأس الجماعة السلفية العديد من الشخصيات مثل جهيمان العتيبي، ومحمد عبدالله القحطاني، وفيصل اليامي، وعلي المزروعي .
• رجال الجماعة الإرهابية : يتراوح عدد هؤلاء الرجال ما بين 200 و 600 .
• قادة المملكة العربية السعودية : يشمل الأشخاص الذين ذُكرت أسماؤهم الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود ونايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية وبدر بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الحرس الوطني وفاتح الظاهري .
• القوات السعودية : 10.000 رجل من الحرس الوطني
تفاصيل الواقعة :
الفكرة :
التقى جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي، الذي كان يعمل كموظف في الحرس الوطني السعودي وتخرج من جامعة مكة المكرمة والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، محمد بن عبدالله القحطاني، الذي كان تلميذا للشيخ الراحل عبدالعزيز بن باز، وتوطدت علاقتهما بسبب تقارب آرائهما الفكرية، فقررا سويا أن ينعزلوا عن المجتمع الذي يرونه كافرا تماما، ووصلت علاقتهما إلى حد المصاهرة والنسب .
بدأ القحطاني وجهيمان بنشران في نشر أفكارهما المسمومة بين الشباب في المدينة المنورة، حيث كانوا يدعون أن المجتمع لا يحكم بما شرعه الله، بالإضافة إلى دعواتهم المستمرة لمقاطعة كل ما يتعلق بالحياة مثل الصحافة والتلفزيون وغيرها، تجنبا للانجراف إلى الرذيلة، وذلك تحت شعار “عدم موالاة الأنظمة” التي يعتقدون أنها لا تحكم بما شرعه الله ولا تنهي ما نهى عنه. ونجحوا في جذب العديد من الشباب حتى تشكلت جماعة تفوق عددها الآلاف .
الاقتحام :
في يوم الأول من شهر محرم لسنة 1400 هجرية الموافق العشرين من شهر نوفمبر من سنة 1979 ، تجمع المصلين للاستعداد لصلاة الفجر ، كان في ذلك الوقت رجال جهيمان يدخلون شاحنات محملة بالذخيرة والتمر والماء إلى الحرم المكي ، وبعد انطلاق آذان الفجر وبين جموع المصلين دخل رجال جهيمان بنعوش يدعون بأنها لموتى يراد الصلاة عليها إلا أنها كانت محملة بالأسلحة والذخيرة بهدف اقتحام الحرم المكي واحتلاله من قبل جهيمان وصهره ، وفي غضون أقل من ثلث ساعة على رفع الآذان تقدم الشيخ محمد بن عبدالله السبيل ليؤم بالمصلين ، وإذ بشاب ملتحي تبدو عليه الملامح الحادة يستولي على الميكروفون الخاص بالإمام ، ووجه نداء إلى المصلين يطالبهم بالجلوس والاستماع لبيان هام ، فسادت في أرجاء البيت الحرام حالة من الاضطراب والخوف ، ودخل بعض رجال جهيمان من القناصة إلى مآذن الحرم وبعضهم أمام أبوابه بهدف منع المصلين من الخروج من الحرم لإجبارهم على سماع البيان ، وحاول رجل من الجماعة المسلحة من إغلاق باب الحرم مما أدى إلى اشتباكه مع أحد الحراس انطلقت رصاصة من سلاح الرجل إلا أنها ارتدت إليه فأردته قتيلا ، فعمت الفوضى بين المصلين وعلت صراخ النساء والأطفال من شدة الذعر وبالرغم من هذا بدأ خالد اليامي وهو من رجال جهيمان بخطبته الشهيرة حول المهندي المنتظر وعلاماته ومبايعته وأبلغهم بأن المهدي المنتظر الذي طالما ينتظرونه هو موجود في الحرم حتى يتلقى البيعة . وبدأ جهيمان ورجاله بإجبار المصلين للتقدم إلى الكعبة بين الركن والمقام من أجل مبايعة صهره القحطاني باعتباره المهدي المنتظر كما يدعي ، فما كان من بعض المصلين إلا الرضوخ إلى أوامر الجماعة من شدة الخوف بين كم الأسلحة التي تحيطهم .
في ذلك الوقت”، نجح الشيخ عبدالله السبيل في الاتصال برئيس شؤون الحرم المكي، الشيخ ناصر بن حمد الراشد، وأبلغه بالحادثة. وفي غضون دقائق قليلة، أمر الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، بمحاصرة الحرم المكي دون مواجهة المسلحين، حفاظا على سلامة المصلين ولمنع سفك الدماء. وتمكنت القوات المسلحة السعودية بالفعل من حصار الحرم. في الوقت نفسه، قامت الجماعة المسلحة بإطلاق النار على القوات السعودية، وانتقلت المعركة إلى أروقة الحرم المكي، حيث بدأت الجماعة في إطلاق الرصاص عشوائيا. استمرت المواجهة بين الجماعة والقوات السعودية لمدة أربع ساعات متواصلة في اليوم الأول. وبعد ذلك، دعا الملك خالد بن عبدالعزيز كبار العلماء في المملكة بشكل عاجل لإطلاعهم على الوضع. في الوقت نفسه، وصلت قوات الحرس الوطني من جدة والطائف لدعم الجيش في تحرير الحرم من الجماعة المسلحة. طالبت القوات السعودية الجماعة عبر مكبرات الصوت بالرحيل وإطلاق المحتجزين والرهائن، ولكن لم يتجاوبوا، واستمر إطلاق النار فيما ورد النداء برفض قاطع .
تحرير الحرم المكي :
بعد تحقيق تقدم كبير في ملاحقة رجال جهيمان، تمكنت القوات السعودية من القبض على عدد كبير منهم والبدء في التحقيق معهم لمعرفة مصادر الأسلحة وكيفية تسللها إلى المسجد الحرام. وهذا ساعد القوات على كشف العديد من الأسرار والتفاصيل الغامضة المتعلقة بالجريمة، مما أدى في النهاية إلى القضاء على المجموعة المتبقية داخل أروقة المسجد الحرام، وكان آخرهم جهيمان العتيبي. تمكنت القوات السعودية من تحرير المسجد في اليوم الخامس عشر من شهر محرم .
حكم الإعدام :