هيئة ملك الموت
حياة البرزخ هي حياة وسط بين الدنيا والآخرة، وتبدأ بعد موت الإنسان وتنتهي عند القيامة، ولا يعلم الله إلا حقيقة ما يحدث فيها وتفاصيلها، ولا يمكن التعرف على أي شيء من ذلك إلا من خلال الوحي المعصوم.
هيئة ملك الموت عند قبض الروح
لا يوجد شيء ثابت بخصوص المعصوم صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر القرطبي في كتابه (التذكرة) فصلا حول صفة ملك الموت عند قبض روح المؤمن والكافر. قال فيه: يقول علماؤنا رحمهم الله: لا يشاهد ملك الموت عليه السلام، ولا يمكن التعبير عن رهبته ورؤيته الرهيبة، ولا يعلم حقيقته إلا من يشاهده. إنما هذا أمثال تذكر وقصص تروى.
الإيمان بملك الموت
يعتقد الإيمان بملك الموت أنه يأخذ الأرواح، ثم تعود إلى الأجساد في القبور، وأنه يتميز بصفات القدرة والسلطة والعظمة في الخلق، وغيرها من الصفات التي جعلته قادرًا على أخذ أرواح كثيرة في أماكن مختلفة في لحظة واحدة.
قال الله – تعالى -: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة: 11].
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في كتاب `العظمة` لأبي الشيخ (3/924): `خطوة ملك الموت تقع بين المشرق والمغرب`.
وصحَّ عن مجاهد أنه قال عن ملك الموت: أعطيته الأرض وجعلت له مثل الطست حتى يتناول منها عندما يشاء”؛ (تفسير الطبري: 21/98).
شكل الأرواح في دار البرزخ
الجواب في قوله تعالى : يُسأل عن الروح، فقل: الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً. (الإسراء: 85)
وقد قال ابن القيم في كتاب (الروح) : ويجب معرفة أن ما ذكرنا عن أهمية الروح يختلف تبعا لحالة الأرواح من قوة وضعف وكبر وصغر. فالروح العظيمة لها من القوة ما لا يمتلكه الآخرون، وترون كيف تختلف حكم الأرواح في الدنيا وفقا لاختلافها في طبائعها وقواها، وسرعتها وبطئها، ومساعدتها. فالروح المطلقة تتجاوز قيود الجسد وعوائقه، وتستطيع التصرف والقوة والتأثير والنفاذ والتفاني في الله، والتمسك به بطريقة لا تستطيعها الروح المهينة المحبوسة في قيود الجسد وعوائقه. فكيف ستكون الأمور عندما تتحرر الروح من الجسد وتجتمع فيها قواها وتكون روحا عالية المكانة، طاهرة، عظيمة ذات همة عالية؟ فبعد فراق الجسد للروح، ستكون لها شأن آخر وفعل آخر.
حال الرجل الصالح لحظة مجيء ملك الموت
الأحاديث التي تدل على كرامة الرجل الصالح عند قبض رُوحه :
أولاً: تأتيه ملائكة الموت في صورة حسنة :
وفقا للإمام أحمد، نقل البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا كان المؤمن في حالة انقطاع من الدنيا واقتراب من الآخرة، تنزل عليه ملائكة من السماء، أوجههم بيضاء كالشمس، معهم كفن وحنوط من جنة الله، حتى يجلسوا أمامه ويمتدوا بصرهم، ثم يأتي ملك الموت – عليه السلام – ويجلس بجانبه، ويقول: يا نفس الطيبة – أو بحسب رواية: يا نفس المطمئنة – اخرجي إلى مغفرة الله ورضوانه، فيخرج منها ماء مثل قطرات في السقاء، فيأخذها.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن كعب: قال إبراهيم – عليه السلام – لملك الموت: أرني كيف يتوفى المؤمن، فأظهر له صورة مشرقة ومشعة لا يعلمها إلا الله تعالى. فقال: لو رآه المؤمن قبل وفاته فقط في هذه الصورة، لكانت كافية له.” – بشرى الكئيب بلقاء الحبيب للسيوطي 41.
ثانيًا: إنه يعلم أنه من أهل الجنة قبل أن يموت
وعن الضحاك في قوله تعالى: يُبشِّرهم في الحياة الدنيا والآخرة، وقال: `يعلم أين سيكون قبل الموت`، وهذا ورد في تفسير الطبري وابن أبي شيبة.
قال محمد بن كعب: لا يموت أحد من الناس حتى يعرف هل هو في أمان أهل الجنة أم أهل النار؟” (تفسير ابن كثير: 4/301).
ثالثًا: تحية من المولى عز وجل وملك الموت وكل ملك بين السماء والأرض
- قال ابن منده عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: إذا أراد الله أن يأخذ روح المؤمن، يوحي لملك الموت أن يُعطيه السلام مني، فحين يأتي ملك الموت يأخذ روحه ويقول: `ربك يُعطيك السلام`.
- ورد في كتاب “شعب الإيمان” لابن أبي شيبة والحاكم وصحَّحه البيهقي عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – في قوله: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) [الأحزاب: 44]، وقال: “يوم يلتقون بملك الموت، لا يموت المؤمن حتى يسلم عليه.
- وأخرج ابن المبارك وابن منده عن محمد بن كعب القرظي قال: عندما يحين وقت وفاة العبد المؤمن، يأتيه مَلَك الموت ويقول له: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرئك السلام، ثم يتلى له هذه الآية: ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ) [النحل: 32]؛ (بشرى الكئيب للسيوطي: ص 48).
- وأخرج ابن منده عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة، وإدبار من الدنيا، نزلت ملائكة من ملائكة الله – كأن وجوههم الشمس – بكفنه وحنوطه، فيقعُدون منه، حيث ينظر إليهم، فإذا خرجت روحُه، صلَّى عليه كل مَلَك بين السماء والأرض).
وسلام الملائكة على العبد المؤمن يكون في ثلاثة مواضع :
- أحدها: عند وفاة الإنسان، يأتي ملك الموت ليأخذ روحه، وفق قول الضحاك.
- الثاني: عندما يُسأل في القبر، يتم تحية منكر ونكير له.
- الثالث: عندما بعثه في القيامة ، يتم تسليمه الملائكة قبل وصوله إليها.
الاسم الحقيقي لملك الموت
لا يوجد نص في الكتاب أو في السنة يشير إلى اسم “ملك الموت” بعزرائيل كما يسميه الكثيرون، بل تم تسميته بهذا الاسم وفقًا لقول وهب بن منبه، ولهذا يقول العلماء إنه من الإسرائيليات.
قال الألباني – رحمه الله تعالى – في تخريج الطحاوية: أما تسمية الملك الموكل بالموت بـ (عزرائيل) كما هو شائع بين الناس، فلا أصل له، وإنما هو من الإسرائيليات.
ومما ينبغي أن يعلم : أسماء الملائكة تنتمي إلى الغيب الذي احتفظ الله بعلمه، ولا نعلم منها إلا ما أخبرنا الله به. واسم عزرائيل لم يذكر في الكتاب ولا السنة، كما ذكرنا سابقا، فلا يسمى إلا بما سماه الله به، وهو ملك الموت، والله أعلم.