هل يتوالد اهل الجنة
هل يتولد أهل الجنة ويكبر الأطفال فيها؟ أم يهب الله تعالى ذرية لعباده الصالحين في الجنة بدون ولادة؟ جميع هذه الأسئلة تدور في أذهان الكثير من البشر، وهي من الأمور الغيبية التي اختلف علماء الدين كبارا حولها .
هل يتوالد اهل الجنة
أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، حيث ورد في سورة الفرقان: `أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا` .
الآية الكريمة تصف حال أهل الجنة، حيث يكونون في أفضل المواضع التي يسقون فيها في الجنة، وهي منازلهم، وهم في ذلك أفضل من حال المشركين والمنافقين الذين ألقوا في النار، والمقصود بذلك وقت قولها في الدنيا حيث ينتهي الحساب يومئذ في نصف النهار، فيدخل الأبرار الجنة، ويلقى الفجار في النار .
في الجنة لا يوجد شيء إلا ما تتمناه النفوس من النعيم، ومن أشكال النعيم هو “الولد”، فرأى بعض العلماء أنه إذا تمنى العبد في الجنة أن يكون له ولد، فسيحقق الله له هذا الأمنية، ومن الدلائل الرئيسية على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
صحة حديث المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة
ورد في الهدي النبوي ما يلي :
روى أبو سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: `إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة، كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي` .
الحكم على الحديث
- هذا الحديث صحيح، وحدثه الألباني، وصَحَّحه الإمام الترمذي، ونقل اللفظ عن كل من الترمذي، وابن ماجة، والإمام أحمد .
- أورد ابن القيم في حادي الأرواح : يتم إسناده للشرط الصحيح، ولكنه غريب جدًا في نفس الوقت .
- تشير التفاسير إلى أن أسانيد هذا الحديث جيدة وموثوق بها، ويتم إسنادها إلى الإمام الترمذي، ومع ذلك، صنف ابن القيم هذا الحديث كغريب، وأشار إلى أن لفظه غير واضح، ولا يُعرف باستثناء حديث أبي صديق الناجي .
شرح الحديث
يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا تمنى الرجل في الجنة أن يكون له ولد وذرية، فإن الله تعالى سيحقق له ما تمنى، وستكون فترة الحمل والولادة واكتمال سن ولده ليصل إلى سن أهل الجنة، وهي الثلاثة والثلاثين عاما، أو السن الذي يرغب الرجل فيه لولده في غضون ساعة. ومن الآراء حول “كما يشتهي” أنها تشير إلى ما يريده المؤمن من مظهر ولده وحالته والسن التي يرغبها، ونوع الجنس الذي يرغبه .
رأى الإمام إسحق بن راهويه أن المؤمن يومًا ما لا يشتهي الإنجاب، فقد قال: `ولكن لا يشتهي`، ويريد بهذا أن ورود `إذا اشتهى` هي تقدير وافتراض، وأن `إذا` هنا تعني `لو` .
النكاح في الجنة
رأى بعض العلماء أنه يوجد نكاح بين الزوجين في الجنة دون وجود أولاد، وذلك وفقًا لرأي كل من مجاهد وطاوس والنخعي .
من المرجح أن يستند هذا الرأي إلى الحديث الوارد في تحفة الأحوذي عن أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر: `إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد` .
- لم يتضح حتى الآن الحكم على هذا الحديث من قبل المحدث، المباركفوري .
هذا بالإضافة إلى الحديث الطويل الذي يرد فيه : قال: `الصالحات للصالحين يلذذنهم مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذنكم، ولكنهم لا يتزوجون`. فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-: `أهذا هو الحد الأقصى الذي نحن بالغون ونتوقف عنده؟` فلم يجب النبي -صلى الله عليه وسلم- .
- أفاد الإمام ابن القيم بصحة هذا الحديث، وهو متعلق بمن نادى عليه بالجلالة والمهابة ونور النبوة، وقد رواه ابن خزيمة، ولكن العلماء اختلفوا حول صحته .
- تم تضعيف هذا الحديث من الإمام الألباني في ظلال الجنة .
- أفاد شعيب الأرناؤوط بأن إسناده ضعيف ومسلسل بالمجاهيل .
رأي ابن القيم حول توالد أهل الجنة
أولًا : أنه صحح حديث أبي رزين العقيلي .
ثانيًا : رأى ابن القيم أن قول الله تعالى في الآية الخامسة والعشرين من سورة البقرة: `وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ۖ كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا ۙ قالوا هٰذا الذي رزقنا من قبل ۖ وأتوا به متشابها ۖ ولهم فيها أزواج مطهرة ۖ وهم فيها خالدون` تعني طهر نساء الجنة من الحيض والنفاس، وتحديدا في `أزواج مطهرة` .
يستند هذا البيان إلى قول مجاهد بأن المياه تُعتبر مُطهرة من الغائط والبول والمني والحيض والولد والبصاق والنخام .
ثالثًا : ربط الله تعالى بين الحمل والولادة والطمث، وفي حالة حمل النساء في الجنة، لن يتوقف الطمث عنهن، وما شابه ذلك .
رابعًا : روى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك قائلا: “فضل الجنة يستمر حتى يخلق الله خلقا جديدا فيسكنهم فضل الجنة”. وهذا حديث صحيح ذكر في صحيح مسلم .
اعتمد علىهذا الحديث ورأى أنه إذا وُجد التكاثر في الجنة فالفضل سيكون للأولاد، وستكون لهم الأحقية فيه .
خامسًا : قام بالاستناد إلى قول الله تعالى في الآية الحادية والعشرين من سورة الطور: “والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين”، وخاصة في قوله “ألحقنا بهم ذريتهم .
يعتقد أنه إذا أراد الله تعالى منح أهل الجنة ذرية غير ذريتهم في الدنيا، فسيتم ذكر ذلك في الآية إلى جانب ذكر ذرياتهم في الدنيا .
سادسًا : من بين الآراء المحيرة التي لا تتطلب الاستنتاج برأي محدد، هي الافتراض بوجود حالتين، وهما
- في الجنة، يفترض أن يكون التناسل مستمرًا إلى ما لا نهاية، وبالتالي يُفترض وجود أشخاص لا ينتهون ولا يتوقفون، بالإضافة إلى عدم وجود الموت في الجنة .
- قد يكون المتعة الجنسية محصورة في النهاية، وهذا يتعارض مع اكتمال سعادة أهل الجنة ورضاهم، وهو أمر مستحيل حدوثه .
هذا الأمر يثبت أن الإمام ابن القيم لم يذكر قولا محددا في هذا الأمر .
سابعًا : رأى أيضا أن الجنة لا يوجد بها نمو، حيث يكون جميع أهلها في عمر الثالثة والثلاثين، والولادة تتطلب النمو، وبالتالي لا يوجد ولادة في الجنة، وأن الجنة ليست دارا للتناسل، وإنما للخلود، لذلك لا حاجة لهم بالنسل .
وبعد استعراض جميع آراء الإمام ابن القيم، لم يحدد بشكل قاطع وجود توالد في الجنة أو عدمه، لأن ذلك من أمور الغيب .