هل التنمية البشرية ” وهم ؟ ” أم حقيقة
معني التنمية البشرية
التنمية تعني التطوير، وينتشر مفهوم التنمية البشرية في الوطن العربي بشكل خاطئ فكل المجالات التي تتناولها تشير للتنمية الذاتية، أما التنمية البشرية تهدف لتطوير الفرد من جهة المؤسسات وكمواطن من حيث الصحة والتعليم ومستوى الدخل وغيره، ومن يعمل بها يكون مختص الموارد البشرية و(بالأنجليزية: HR).
ضلالات التنمية البشرية
تنتشر في التنمية البشرية ضلالات فكرية ومغالطات منطقية، وهذا لعدة أسباب منها أنه ليس علم لأن الحقائق التي يقرها ولم تجرى عليها الأبحاث بل يثبتها من جربها بنفسه، وهنا تكمن الضلالات أن المبدأ التطويرية التي تشير لها التنمية البشرية قد يكون صحيح في المطلق لكن يتصف بالعمومية ويستشهد على صحته بالنتائج التي حدثت، وهذا لا يراعي أي معايير الصحيحة للتطبيق ولا يخبرك المدرب بكم الصعوبات التي ستواجها لتصل لنتائج، وكم المتغيرات الذي يغير النتائج، فهناك متغيرات أجتماعية من شخص لأخر وعوامل نفسية ووراثية وفروق فردية وعوامل كثيرة تجعل نتائج كل فرد مختلفة تماماً.
هناك أشخاص لديهم نفس تميل للتفاؤل لأسباب جينية وأسباب نتيجة من التربية، ومستوى وعي مختلف ودراجات للمرونة النفسية، ومستوى تقدير الذات يقلب كل النتائج من شخص لأخر، عدد كبير جداً من المتغيرات التي تغير النتائج، وضلالات التنمية البشرية تجدها في العناوين البراقة مفاتيح النجاح وغيره، والمشكلة أن ليس كل ما تعمله تقدر على تطبيقه وبدون الوعي بكل ما سبق يصاب المتدرب بإحباط، ومن تلك الضلالات أنتشار مدربين يتخطون حدود عملهم ويتطرقون لتخصص المعالج النفسي ويجتهدوا لعلاج المشكلات النفسية دون علم ودراسة سنوات كما يفعل الأخصائي النفسي.
الفرق بين التنمية البشرية وعلم النفس
يعتمد علم النفس على التجارب المختبرية، وتشمل بعض هذه التجارب تجارب علمية ودراسات وأبحاث على الحيوانات مثل الفئران والقطط والكلاب، وتستمر بعض هذه التجارب لسنوات لإثبات حقائق معينة، ويمكن أن تستمر بعض التجارب لعقود.
على الرغم من أن التنمية البشرية تعتمد على تجارب الأفراد الشخصية، فإنه من الصعب التحقق من صحتها. فغالبا ما يتم تجاهل المصاعب والتحديات التي واجهها الشخص الذي يحكي قصته في سعيه نحو النجاح. لا يتم التطرق إلى دور الدعم المحيط وكأن الشخص هو البطل الوحيد ذو إرادة قوية لا تنكسر، ويفشل ثم يعود من جديد دون أخذ مشاعر الإحباط والشك في الاعتبار. تتبع هذه الطريقة العديد من الكتاب لعرض أنفسهم.
علم النفس يتصف بالتحديد ويتحدث بإحصاءات، على عكس التنمية البشرية تتكلم بلغة العموميات، فالعلم لا يعرف سوى التفسيرات المنطقية والربط بين السبب والنتيجة، فإذا تكلم علم عن المشكلات والوصول للأهداف فيجب أن يخبرك الكيفية وتفاصيل كل خطوة والعوامل لنجاح التجربة، وإذا تقدمت خطوات فهناك مقاييس يقدمها العلم لتقيس بها هذا التقدم، على عكس المحتوي المقدم في كثير من مجالات التنمية البشرية.
يهدف مدرب التنمية البشرية إلى تطوير مهارات الشخص والاستقرار النفسي والعقلي الذي يتيح له التعلم والتطور، ويساعده على حل المشكلات المتعلقة بحياته الشخصية ومحيطه، ويساعده على تطوير الوعي الذاتي والوعي بالآخرين. الهدف الأساسي لمختص في علم النفس أو معالج نفسي هو زيادة الوعي النفسي للفرد وعلاج مشاكل الماضي التي تؤثر عليه حاليا.
هل التنمية البشرية وهم
هناك الكثير في محتوى التنمية الذاتية يمكن أن يساعدك على تحسين حياتك من خلال زيادة وعيك بنفسك وعلاقاتك وأفكارك، وتعديل سلوكك، وتحسين جودة حياتك بشكل عام. ومع ذلك، المشكلة تكمن في طريقة تقديم المحتوى التي تجعله غير فعال، وهناك مشكلات تتعلق بالمدرب نفسه ومستوى خبرته، وكذلك في النصوص السطحية التي يقدمها البعض. للأسف، يعتمد البعض على استغلالها كوسيلة لكسب المال وتحقيق مكانة اجتماعية، ويعتمدون بشكل كبير على المحاضرات التحفيزية المبالغ بها والتي يتلاشى تأثيرها بسرعة.
تطوير الذات ليس وهما، يستطيع أي شخص أن يصبح نسخة أفضل من نفسه من خلال التعلم السليم والمعايير الصحيحة للتعلم. يجب أن يكون لديك مرشد ليوجهك خلال رحلة التعلم ويساعدك في تحقيق نتائج صحيحة. يجب أن يكون المحتوى واقعيا ويأخذ في الاعتبار الاختلافات الفردية. تعلم كيف تواجه التحديات التي ستواجهك أثناء رحلة التعلم. كن على علم بأنه ليس من الضروري تطبيق كل المحتوى، بل قم بتطبيق ما تحتاجه وفقا لمستوى وعيك الحالي، حتى لا يصبح تطبيق المحتوى عبئا عليك وعدم تطبيقه يولد شعورا بالإحباط.
ينبغي عليك أن تتعلم طريقة مناسبة لك للتطبيق وفق قدراتك وظروف حياتك، ولا تتبع طريقة عامة، حتى لو أوصى المدرب بذلك، كما يجب أن تتعلم أنه لا يوجد بطل ينجح طوال الوقت، وأن تطبيق المعرفة ليس مجرد إصرار، بل يتطلب العلم وبناء الوعي، فهل كان إصرارك كافيا للنجاح في امتحان الرياضيات؟ اطلع على ما يمكن أن تقدمه الدورة التدريبية لتعرف ما إذا كان هناك علم حقيقي أم أنها مجرد كلام على الورق، واستكشف واكتشف بنفسك ما يتضمنه التنمية البشرية.
خرافة التنمية البشرية
على الرغم من أهمية التنمية الذاتية، إلا أن مدعوي العلم ومدربي التنمية البشرية يسببون انتشار خرافة التنمية البشرية. حيث يتحدثون عن محتوى واسع يتعلق بالنفس البشرية والبعد النفسي والشخصي وغيره، دون تخصص أو دراية كافية، ولا معايير للتدريب أو مدى واقعية المحتوى. ومحتوى التنمية البشرية متاح للجميع، وهذه مشكلة كبيرة. ويجب أن يتضمن أي منهج تعليمي معايير محددة، بما في ذلك الفئة المستهدفة. فعلى سبيل المثال، المناهج التعليمية الخاصة بالمدارس لا تدرس إلا في الجامعات، وليس العكس.
لكل فئة، يتوجب وجود حجم مناسب للمحتوى وتدرج مناسب لضمان استيعاب المناهج. وللأسف، هذا الأمر غير متوفر في المحتوى المتاح حاليا. فلا يعطى أي اعتبار لمستوى الوعي أو لقدرة الشخص على التطبيق وغيرها من المعايير التي يجب أخذها في الاعتبار. والدورات التدريبية المكثفة هي أحد الأسباب التي تؤدي إلى انتشار وهم التنمية البشرية، لأنه بغض النظر عن فائدة المحتوى، فإن تكثيفه يؤدي إلى إنتاج نتائج غير مذكرة للمتدرب، وبالتالي يضيع المال عبثا. والأسوأ من ذلك، أن المتدرب يصاب بما يسمى بوهم التعلم، حيث يعتقد أنه بمجرد اكتساب المعرفة، فإنه قادر على التطبيق.
ومع ذلك، الحقيقة هي أن هذا غير واقعي، حيث توجد فجوة كبيرة بين عملية التعلم وتطبيق المعرفة، وهذا يتطلب وعيا بالطريقة التي يجب بها تطبيق المحتوى، والمراحل التي يجب أن يمر بها الفرد خلال عملية التعلم. يجب أن يكون الفرد مستعدا ولا يشعر بالإحباط عندما يتوقف عن تطبيق المعرفة، والأهم من ذلك هو أنه بعد التعلم يحتاج إلى متابعة من قبل متخصص يخبره ما إذا كان يطبق بشكل صحيح أم لا. يمكن لأي شخص معرفة وصفة وجبة جديدة، ولكن هل يمكنه تحضيرها بدون معرفة كيفية التحضير؟ وإذا كان يعرف الوصفة والمقادير، هل ستكون لديه نفس الطعم؟ بالتأكيد لا. ومع تكرار التحضير، سيحتاج إلى شخص ماهر في إعداد الوصفة ليستشيره.
إذا كانت جميع تلك المراحل ضرورية لإعداد وصفة طعام، فماذا عن الجانب العميق للنفس البشرية التي ترغب في تقييمه بمجرد معرفة المعلومة؟ هذا أمر مستحيل، ولكن للأسف، في الدورات التدريبية يخبر المدرب المتدربين أنه قدم لهم مفاتيح النجاح أو التواصل أو غيره، وأن التطبيق يعتمد على إصرارهم. وبالطبع، قد لا يكون المتدرب قادرا على تطبيق المحتوى بسهولة، وإذا قام بتطبيق جزء منه، فقد يفقد الثقة في نفسه ويعتقد أنه لن يتمكن من التعلم، أو قد يشعر بالإحباط من فكرة التطوير والتعلم.
هل التنمية البشرية حرام
يعدُّ تطويرُ الفردِ لذاتهِ ليعيشَ بكلِّ أفضلِ دونَ أن يخالفَ مبادئَ الشريعةِ أمرًا مرغوبًا بالشرعِ، ولكنَّ تكمنُ مشكلةُ التنميةِ البشريةِ في أنَّها تمَّ نقلُها من الغربِ الذي يتجنَّبُ فكرَ وجودِ اللهِ، فتجدُ في أفكارهم لا شيءَ يعني المستحيلَ طالما أتبعتَ الخطواتِ ستحصلُ عليهِ دونَ شكٍّ.
وهذا يتضارب مع فكرة توفيق الله أو أنه ربما لم يقدر لي الحصول علية في الدنيا، ومن الأفكار الفلسفية الذي يحملها كلام مدربين التنمية البشرية الأجانب أن الإنسان محور الوجود ففي الكتاب الأشهر من كتب التنمية البشرية العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية يقول ماذا تريد أن يقول عنك الناس في جنازتك.
وكان هدفه تشجيع القارئ ليقوم بإنجازات في حياته، وفي الشريعة تحسنا على العمل والإنجاز بحياتنا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الشهير يٌسأل المرأ عن أربع، والشرع يحثنا على مراقبة الله في أعمالنا لا الناس، فإذا قمت بإنجاز يرضي نفسك والناس ولا يرضي الله فلا فائدة منه، فالله هو محور حياتنا.